Skip to main content

بحث في كيفية انتشار الإسلام - النهب والسلب

الصفحة 3 من 4: النهب والسلب

ومن البواعث الأخرى التي كان يحرضهم بها محمد للجهاد هو النهب والسلب وهذا واضح لكننا سنقدم قليلاً من ذلك منها إن عبد الرحمن ابن عوف الذي ذكرناه من المهاجرين جاء إلى المدينة فقيراً ولما مات ترك كومة من الذهب كانت تكال بالفؤوس حتى أدمت أيدي الناس في تفريقها وعدا ذلك ترك ألف جمل وكثيراً من قطعان الغنم والبهائم. ثم بعد غزوة نهاوند كانت الغنيمة فائقة الوصف حتى أنه بعد رفع الأخماس قسم ما بقي من الغنائم فكان سهم الفارس ستة آلاف درهم وكان سهم الراجل ألفين (راجع غزوة نهاوند في روضة الصفا).

وقد صرف محمد وقتاً طويلاً بين الهجرة وموته في وضع طرق الغزوات لإغناء تابعيه قال الواقدي أن محمداً حضر تسع عشرة غزوة من ست أو سبع وعشرين غزوة ويقول ابن الأثير أن الغزوات كانت خمساً وثلاثين ولكن ابن هشام يقول وكان جميع ما غزا رسول الله بنفسه سبعاً وعشرين غزوة.. قاتل منها في تسع غزوات هذا عدا السرايا والبعوث والنهاب الليلية الخ وإننا لا نعلق على أخلاق محمد هذه بل نكتفي بأن نشير إلى ما ذكره الكندي في رسالته عن ذلك فراجعه.

ولكي تطهر البواعث التي سببت انتشار الإسلام في بدء ظهوره وبعده نكتفي باقتباس قول الخليفة المأمون (1) (انظر رسالة الكندي طبعة سنة 1921 وجه 73-75 (من طبعتنا)) والله إني لا أعلم أن فلاناً وفلاناً وفلاناً حتى عدد جملة من خواص أصحابه ليظهرون الإسلام وهم أبرياء منه وبراء مني واعلم أن باطنهم ليخالف ما يظهرونه وذلك أنهم قوم دخلوا في الإسلام لا رغبة في ديانتنا هذه بل أرادوا القرب منا والتعزز بسلطان دولتنا لا بصيرة لهم ولا رعبة في صحة ما دخلوا فيه وإني أعلم أن قصتهم كقصة ما يضرب من مثل العامة أن اليهودي إنما تصح يهوديته ويحفظ شرائع توراته إذا أظهر الإسلام وما قصة هؤلاء في مجوسيتهم إلا كقصة اليهودي وإني لا أعلم إن فلاناً وفلاناً (حتى عدد جماعة من أصحابه) كانوا نصارى فأسلموا كرهاً فما هم بمسلمين ولا نصارى ولكنهم مخاتلون فما حيلتي وكيف أصنع فعليهم جميعاً لعنة الله... ولكن لي قدوة برسول الله وأسوة به لقد كان أكثر أصحابه وأخصهم به وأقربهم إليه نسباً يظهرون أنهم أتباعه وأنصاره وكان يعلم أنهم منافقون وعلى خلاف ما كانوا يظهرون له وصح ذلك عنده وأنهم لم يزالوا يبتغون له الغوائل ويريدون به السوء ويتطلبون له العثرات ويعينون المشركين عليه... ثم ارتدوا جميعاً بعد موته فلم يبق منهم أحد كان يظن به رشداً إلا وعلانية وسراً إلى أن أيده الله وجمع تفرقهم وألقى في قلوب بعضهم شهوة الخلافة ومحبة الدنيا الخ.

وليس الارتداد عبارة عن الامتناع عن دفع الزكاة فقط وإن يكن مخالفاً للقرآن بل أن عموم العرب قد ارتدت عن الإسلام. حقيقة قال ابن الأثير ما معناه ارتدت العرب شرفاء ووضعاء من كل قبيلة وأعلن الشقاق ورفض اليهود والنصارى الخضوع وبقي المسلمون كالغنم في الليلة الماطرة لفقد نبيهم ولقلتهم وكثرة أعدائهم وكانت الظروف حرجة جداً حتى أنهم طلبوا من أبي بكر بشدة أن يبقى الجيش النازل قرب المدينة تحت أمرة أسامة بن زيد الذين أعده محمد قبل وفاته لغزو الشام ولكنه رفض أن يعصي أمر محمد الآخر فأخضع أبو بكر القبائل وردها للإسلام بالوعد والوعيدة بقوة السيف وهذا قد صرح به السيوطي وغيره في قوله لما ارتدت العرب جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردهم إلى الإسلام.

وهنا ابتدأ انتشار الإسلام خارج حدود بلاد العرب. فيجب أن نبحث أولاً كيف تم ذلك بأمر من وما هي الطرق التي استعملت في إقناع الناس بأن محمداً رسول الله وخاتم الأنبياء وبأي روح تم ذلك العمل وبأية حجة قبل أهل الشام ومصر وفارس اعتناق الإسلام.

لما سير أبو بكر الجيوش للشام بعد موت محمد قال ما معناه اعلموا أن رسول الله كان عزم على غزو سورية فأخذه الله إليه... وإني والله عازم على توجيه أبطال المسلمين إلى الشام وقد قال لي رسول الله قبل وفاته: وأعطيت مشارق الأرض ومغاربها وما أعطي لي فهو لأمتي (الواقدي فتوح الشام) ثم كتب أبو بكر كتباً للمسلمين ولمكة يأمرهم بالجهاد والجهاد اسم أطلقه كتبة المسلمين على الحرب وقد أوصى أبو بكر يزيد بن أبي سفيان حين خروجه مع الجيش إلى الشام بما ذكرناه في الفصل الثالث من الباب الثاني من هذا الكتاب ومحمد نفسه أوصى زيد بن حارثة ابنه بالتبني بمثل ذلك اقتلوا أعدائكم وأعداء الله الذين في الشام. وهناك تجدون أناساً في صوامع فلا تزعجوهم ولا تقتلوا امراة أو وليداً ولا تقطعوا نخلاً ولا تخربوا بيتاً (1) (قابل رؤيا يوحنا 9: 4) ولكن ذلك لا يدل على رحمة للنساء فإنهم كانوا يبقين لشيء أردأ هو التسرّي بهنّ. مع ما رأينا من محمد وقتله نساء في المدينة ومكة لسبب هجوه ولم يكن المسلمون أرحم منه على النساء بعد موته. أخبرنا السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء عن امرأتين أولاهما ذمت محمداً والثانية عابت الإسلام فإنهم قطعوا يداً من كل منهما وكسروا أسنانهما الأمامية. ولما سمع أبو بكر بذلك كتب قائلاً لو استشاروا في ذلك لكان أن تقتل الأولى. أما الروح التي بها اعتنقت الأمم المجاورة الإسلام فتظهر في شعر علي بن أبي طالب:

السيف والخنجر ريحاننا

أف على النرجس والآس

شرابنا دم أعدائنا

كأسنا جمجمة الرأس

وذلك بحسب تعليم القرآن فإن في سورة المائدة 5: 33 إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ثم في سورة التوبة أمرهم بعد الأربعة أشهر الحرم بالبراءة من المعاهدة مع المشركين فقال: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَا قْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَا حْصُرُوهُمْ وَا قْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ (سورة التوبة 9: 5). ولا يخلو سبيلهم إلا على شرط إيتاء الزكاة وإقامة الصلاة والتوبة أو بلفظ آخر اعتناق الإسلام. ونجد الحكم على أهل الكتاب في نفس السورة آية 29 قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِا للَّهِ وَلاَ بِا لْيَوْمِ الْآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.

الجزية
الصفحة
  • عدد الزيارات: 16111