Skip to main content

بحث في كيفية انتشار الإسلام - الجزية

الصفحة 4 من 4: الجزية

ولا يزال هذا الأمر محتماً على المسلم الذي يجب عليه أن يلزم اليهود والنصارى أن يعتنقوا الإسلام أو تكون حالتهم أذل من حالة العبيد وكما سنرى قام المسلمون بهذا الواجب وبهذا غلبوا الشام وفلسطين ومصر وفارس. لا شك أن الدافع القوي لكثير منهم إلى الرغبة في الحرب هو حب النهب واتخاذ السراري. ولكن لا يفوتنا أن الدين شجعهم على ذلك. فكانوا يصرحون بأن سبب كل حروبهم هو لانتشار الإسلام أو بعبارة أخرى الجهاد وقد رأينا أن أبا بكر دعا غزوة الشام بهذا الاسم. وأن الخليفة عمر في كتابه لعياض بن غانم في فتح ديار بكر وبقية فارس يدعوها الجهاد. والمؤرخون من المسلمين يدعون كل الحروب بهذا الاسم. وكان يقدم لأهالي تلك الأمم القاعدة الموضوعة في سورة التوبة التي قام بحفظها المسلمون خير قيام وسنقدم بعض أمثلة من ذلك كتب أبو عبيدة لأهالي مدينة القدس لما حاصرها المسلمون إذا قبلتم ديننا أو رضيتم بدفع الجزية لا نتداخل في أمركم وإلا فأرسل لكم أقواماً الموت لأجل دينهم أحب إليهم من حبكم في أكل الخنزير وشرب الخمور وكذلك يزيد أرسل بمثل هذه الرسالة إلى مدينة القدس أيضاً. ماذا تجيبون عن دعوتكم الإسلام والحق والشهادة التي هي لا إله إلا الله ومحمد رسول الله حتى يغفر لكم الله ذنوبكم الماضية وبذلك تمنعون سفك دمائكم وإذا رفضتم فاعملوا معنا معاهدات مثل ما عمل من هم أعظم منكم وأقوى وإذا رفضتم هذين الشرطين فالويل والهلاك لكم. وقد ضمن كل ذلك المترجم في قوله إن الرئيسيخيركم بين الإسلام أو الجزية أو السيف فأجابه المسيحيون إننا لا نرتد عن دين المجد وإذا قتلنا فذاك أسهل لنا. وفي بدئ فتح أرمينيا كتب إلى يوستيوس حاكم بلدز يقول أرسلنا لكم كي تشهدوا أن لا إله إلا الله لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله أو تدخلوا في ما دخل فيه الناس أو تدفعوا الجزية صاغرين.

لما أرسل سعد بن أبي وقاص المغيرة بن شيبة إلى يزدجرد في مديان كانت معه رسالة من الخليفة هذا معناها ندعوك إلى قبول الشريعة السمحة فإذا قبلتها لا تدخل قدم في ملكك بدون أذنك ولا يطلب منك سوى الزكاة والخمس وإذا لم تقبلها تلزم بدفع الجزية وإلا فاستعد للحرب. وقال الكاتب أيضاً إذا رفضتم الإسلام ودفع الزكاة والخمس فادفعوا الجزية وأنتم من الصاغرين فسأله يزدجرد عن معنى كلمة صاغر فقال معناها أن تدفع الجزية وأنت واقف على قدميك والسوط يعمل فوق رأسك ويقول الواقدي أن أبا موسى أرسله سعد بن أبي وقاص إلى القائد رستم قبل معركة المقدسية يقول جئنا لنطلب منكم أن تقبلوا الشهادة والإسلام وإلا فالسيف خير شاهد بيننا فيتضح أن المسيحيين والمجوس كانوا مجبورين على دخول الإسلام أو مخيرين بين إحدى ثلاث (1) أما الإسلام رغماً عن إرادتهم (2) أو دفع الجزية وهم من الصاغرين (3) أو الموت. وكله ناتج من قوانين القرآن الواردة في سورة التوبة كما أوردناها قبلاً ولا ننكر أن معاملة المجوس والمشركين كانت أشد من معاملة المسيحيين كما في آية 6 من نفس السورة فإن لقب أهل الكتاب هو لليهود والنصارى فقط.

وعليه فالذين أجبروا على اعتناق الإسلام خوفاً من السيف رفضوه لما رأوا في أنفسهم قوة على ذلك ففي سنة 30 ه أرسل الخليفة عثمان بن أبي العاص أو كما يقال سعد أخاه ضد يزدجرد الذي كان يساعد أهل استخر الذين كانوا خضعوا للإسلام ثم ارتدوا عن الصراط المستقيم ولكن التصريح بأن الإسلام ليس من الله فهو خطر أعظم جداً. إذ أن شريعة القرآن في ذلك القتل فقد جاء في سورة البقرة 2: 217 وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ.

وفي ابن هشام في باب فتح مكة يذكر أن محمداً قتل رجلاً لارتداده عن الإسلام.

وإذا اعتنق الإنسان الإسلام ظاهراً ولم يؤمن به باطناً فهو منافق ومصيره بحسب القرآن أنه في الدرك الأسفل من النار. ومع ذلك فكان الواجب الأول على المسلمين في أيام الإسلام الأولى أن يلزموا الناس باعتناق الإسلام أو بعبارة أخرى يلزموهم بالنفاق وكذلك الشهوات والتجارب العالمية كانوا يقدمونها لمن يقبل الإسلام ولو ظاهراً وبهاتين الطريقتين انتشر الإسلام. وكانوا يتخذون الجهل في تلك الأيام وسيلة لحفظ الناس في هذا الإيمان وذلك واضح من امر الخليفة عمر في المكاتب التي كانت توجد في البلاد التي يفتحونها.

فقد كتب أبو الفرج عن مكتبة الاسكندرية ما معناه.

إن عمرو بن العاص لما فتح مصر سنة 640 م سأل عمر ماذا يعمل بالمكتبة فأجاب إذا وافقت الكتب القرآن فلا لزوم لبقائها وإذا لم توافقه فيجب إتلافها. وفي كشف الظنون سأل سعد بن أبي وقاص لما فتح الفرس عما يعمل بمكاتبها. فكان جوابه ما معناه اطرجها في الأنهار فإن كان فيها هدى فنحن عندنا أحسن هدى في كتاب الله وإذ كان فيها ضلال فليقينا الله شرها وقد أطاعوا أمره في مصر وفارس. إلا أنه في عصر المعتزلة سادت الحرية نوعاً ما في البلاد الإسلامية في البحث والاستقصاء.

والاضطهادات التي وقعت على المجوس الذين رفضوا اعتناق الإسلام جعلت كثيرين منهم يهربون إلى الهند حيث سلالتهم الآن وفي بومباي في وسط الهنود الوثنيين من أن يعيشوا في بلادهم تحت ذل واضطهاد المسلمين. وكل من عاش أو سافر إلى البلاد الإسلامية يعرف مقدار الذل الواقع على الذميين سواء نصارى أو يهود أو مجوس فلا تقبل لهم شهادة في المحاكم ولا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم من الشر والحيف بل هم معرضون في كل آن للمذابح الإسلامية. كما حصل في أطنة وأرمينيا وفي بلغاريا منذ سنوات قليلة. ولمدة أجيال كانت تؤخذ أبناء المسيحيين خطفاً ويلزموا باعتناق الإسلام قسراً ويخدموا كيسقجية وهم جماعة الانكشارية التي أفناها أحد السلاطين قريباً.

ولماكان مصحح هذا الكتاب في فارس بقرب أصفهان كان يعرف شخصاً مسلماً ساكناً بقرية قريبة منه فقال له هذا المسلم منذ خمسين سنة لما كنت ولداً صغيراً كنت أنا ووالدي وكل أهلي من المجوس فأصدر المجتهد (العالم) يوماً ما أمراً بأن يعتنق جميعنا الإسلام. فذهبنا إلى الوالي وترحمنا منه ورفضنا أن نغير ديننا وقدمنا رشوة للعلماء وأشراف المسلمين. فأخذوا مالنا ولم يساعدونا. وصرح المجتهد أنه يقدم لنا فرصة حتى ينتصف يوم الجمعة المقبل فإن لم نعتنق الإسلام في تلك المدة فنقتل كلنا. وفي ذلك الصباح تجمهر حول قريتنا رعاع المسلمين وبأيديهم أسحلة مميتة منتظرين الميعاد المضروب ليبتدأ بالنهب والقتل وانتظرنا عبثاً أن يلين قلب عدونا حتى انتصف النهار ولكن عند الظهرتماماً التزمنا أن نعتنق الإسلام وبذلك أنقذنا حياتنا.

وفي تلك المدينة إلى عهد قريب كان يوجد قانون مؤداه إذا اعتنق فرد من عائلة مسيحية الإسلام ولو كان أصغرهم فكل ممتلكات العائلة تسلم إليه ويطردوا أباه وأمه وإخوته وأخواته من بيتهم ويتركوا في ذل. وإذا تأملنا في التوحش والاضطهاد الذي حل بالذميين في مدة 1300 سنة الماضية في كل البلاد الإسلامية نتعجب كيف أمكن لبعضهم أن يقاوم الاضطهادات التي حلت بهم كي يكونوا منافقين.

وها قد انتهينا من بحثنا في دعوى الإسلام أنه آخر وحي من الله. وإذا تأملنا في المقياس الذي وضعناه في المقدمة وتأملنا في مقدار ما يوافق الإسلام هذا المقياس نجد الجواب سهلاً. وإننا نرى أن الإسلام ليس فيه إلا البند الرابع الذي يتفق مع المقياس ولكن من الوجه الآخر نرى في المسيحية جميع هذه الشروط.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 16083