Skip to main content

حقيقة وإثبات تعليم الثالوث الأقدس - الثلاثة الأقانيم متحدون في الذات والمقام والقوة والمشيئة

الصفحة 4 من 4: الثلاثة الأقانيم متحدون في الذات والمقام والقوة والمشيئة

وبمطالعة الكتاب المقدس يتضح لنا أن خلق العالم وفداء الجنس البشري وغفران الخطايا وقيامة الموتى والدينونة الرهيبة تارة تنسب للآب وتارة للابن وأحياناً أخرى للروح القدس بطريقة تثبت أن الثلاثة الأقانيم متحدون في الذات والمقام والقوة والمشيئة وهؤلاء الثلاثة هم الله الواحد لا إله إلا هو وقد بينا ذلك في آيات كثيرة ونأتي هنا بآيات أخرى حتى تكون الفائدة أعظم ففي نبوات أشعياء مكتوب "أنت يا رب أبونا ولينا (فادينا) منذ الأبد اسمك" (أشعياء 63: 16) وفي (لوقا 1: 68-69) "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه" وفي كولوسي 1: 12-14 "شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا" وفي (روميه 3: 21-26) "أما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس مشهوداً له من الناموس والأنبياء بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون لأنه لا فرق إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله لإظهار بره في الزمان الحاضر ليكون بارا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع" وفي (1كورنثوس 6: 14) "والله قد أقام الرب وسيقيمنا نحن أيضاً بقوته" وفي (رؤيا 14: 6-7) "ثم رأيت ملاكاً آخر طائراً في وسط السماء معه بشارة أبدية ليبشر الساكنين على الأرض وكل أمه وقبيلة ولسان وشعب قائلاً بصوت عظيم خافوا الله وأعطوا مجداً لأنه قد جاءت ساعة دينونته" وفي (يوحنا 5: 21-23) "لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحي كذلك الابن أيضاً يحي من يشاء لأن الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب".
من كل هذه الآيات المتشابهة نتعلم أن الله القدير الواحد يعلن نفسه ويجري عظيم أعماله بين خلقه كالحفظ والفداء والتجديد والدينونة والرحمة بواسطة الكلمة الأزلية الابن والروح القدس أيضا وكما أن الله ذات واحدة فله مشيئة واحدة أيضاً متفقة في سائر أعماله وأن الآب والابن والروح القدس هم الله الواحد القدير إله العدل والحكمة إله الخلاص والرحمة الذي له المجد والكرامة والملك والحمد إلى الأبد. آمين.
قد قلنا أن العهد القديم لا يوضح تعليم التثليث كما يوضحه لنا العهد الجديد وذلك يدل على أن إعلان الله نفسه كان تدريجياً على قدر طاقة الإنسان وإدراكه وأيضاً لأن الإسرائيليين عاشوا في الزمن القديم بين الوثنيين واستمروا زماناً طويلاً يميلون إلى عبادة الأصنام والاعتقاد بتعدد الآلهة. فلو كان الله أعلن لهم تعليم الثالوث الأقدس قديماً قبل مجيء المسيح لأساءوا الفهم وعبدوا ثلاثة آلهة. فالله في حكمته الواسعة لم يعلن هذا التعليم صريحاً في العهد القديم غير أنه وجد شيء ليس بالقليل لا يمكن فهمه على حدة بدون تعليم العهد الجديد وقد ذكرنا في الباب الأول من هذا الكتاب جملة آيات من هذا العهد تثبت لنا ألوهية مسيا المنتظر ولكن توجد آيات أخرى أيضاً تظهر لنا تعدد الأقانيم في وحدة الذات الإلهية.
ومن بين هذه الآيات توجد آيات ذُكر فيها الضمير أو الفعل جمعاً مشيراً إلى الله سبحانه وتعالى ففي (تكوين 1: 26) يقول "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" ثم في عدد 27 يستعمل المفرد بدل الجمع فيقول "خلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه" وفي (تكوين 3: 22) قال الله لآدم بعد أن أكل من الشجرة المنهى عنها وعرف الشر من الخير "هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر" وقال أيضاً عند بناء برج بابل "هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم" (تكوين 11: 7) وهذا القول مشابه تمام المشابهة لأقوال المسيح إذ قال "إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً" (يوحنا 14: 23).
ومن أهم الآيات التي جاءت في العهد القديم عن ذلك السر العظيم سر الثالوث المقدس في وحدة الذات الإلهية ما يأتي:
(أولاً) الآيات التي فيها أمر الله موسى أن يكلم هرون وبنيه بالكلام الذي يجب عليهم أن يباركوا به بني إسرائيل "وكلم الرب موسى قائلاً كلم هرون وبنيه قائلاً هكذا تباركون بني إسرائيل قائلين لهم يباركك الرب ويحرسك
يضيء الرب بوجهه عليك ويرحمك
يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلاماً" (عدد 6: 22-26).
ربما يظن البعض أن تكرار اسم الله العظيم ثلاث مرات يُقصد به التأكيد ولكننا نرى من نور الإنجيل أن هذا يشير إلى تعليم الثالوث الأقدس وإن لم يكن برهاناً عليه.
(ثانياً) أنه توجد آيات مهمة جداً في نبوات أشعياء ولا يمكن أن تفسر تفسيرا كافيا إلا بمقارنتها بآيات العهد الجديد التي تتكلم عن تعليم الثالوث ففي (أشعياء 48: 12-13و16) يقول الله "اسمع لي يا يعقوب وإسرائيل الذي دعوته أنا هو أنا الأول وأنا الآخر ويدي أسست الأرض ويميني نشرت السموات. أنا أدعوهن فيقفن معاً… تقدموا إلي اسمعوا هذا لم أتكلم من البدء في الخفاء منذ وجوده أنا هناك والآن السيد الرب أرسلني وروحه" وهنا يقول الأول والآخر خالق السموات والأرض أن السيد الرب قد أرسله وروحه لقضاء مهمة إلهية معينة منذ البدء وهنا تظهر الأقانيم الثلاثة بأجلى بيان وجميع هذه الآيات تتفق تمام الاتفاق مع تعليم العهد الجديد إذ يقول فيه المسيح "أنا هو الأول والآخر والحي" (رؤيا 1: 17). ويعلمنا أن الآب أرسله ويرسل روحه القدوس ليحل في قلوب المسيحيين الحقيقيين ويرشدهم إلى معرفة الحق.
وفي العهد القديم آيات كثيرة تشير إلى تعليم الثالوث ولكنها لا تظهر أمامنا واضحة إلا بمطالعة العهد الجديد مُكمل العهد القديم وإن كان هذا التعليم غامضاً في العهد القديم إلا أنه يطلب من كل مؤمن بالله بالحق أن يقبل ما أعلنه في كتابه المقدس. والعهد الجديد هو نور يستضيء به الإنسان وبه يدرك ما أشكل عليه فهمه من العهد القديم إذ أن العهدين مكملان بعضهما بعضاً ولا يُستغنى عن أحدهما. فاليهود لا يمكنهم أبداً أن يفهموا أسرار العهد القديم الذي يؤمنون به ويجلونه ما داموا يرفضون الإنجيل وتعاليمه.
فكتاب العهد الجديد قد وضح تعليم الثالوث توضيحا ظاهرا وقد رأى الله علام الغيوب من حكمته الواسعة أن لا ضرورة لذكر أكثر من ذلك لإعلان نفسه للبشر وقد علمنا الله في هذا المقام كما في أمور أخرى كالحياة بعد الموت والقيامة من الأموات ما هو كافياً لإنجاز الواجب المفروض علينا لا اتباعاً لرغبتنا في المعرفة وفضوليتنا وحيث أن عقل الإنسان عاجز عن إدراك أسرار ذات الله الغير المحدودة فلا يمكن لأحد أن يقول أكثر مما أعلنه الله في كلامه. أما عقلنا فهو قادر فقط أن يرشدنا لنقبل ما هو حق وما أعلنه الإله الحق يرشدنا أن نعلم أن ليس إله إلا واحد وأن في الوحدة الإلهية ثلاثة أقانيم وهم الآب والابن والروح القدس. ولا تستحوذن علينا الغرابة إذ لم يمكنا أن نسبر هذه الأسرار لأن الله عليم يزن الأشياء بميزان العلم والمعرفة وهو نفسه لا يمكن أن يُعرف هو الحكيم ومن فرط حكمته المتناهية تظهر حكمة الإنسان كأنها نقطة في بحر أمام تلك الحكمة الواسعة وما إدراك الإنسان الروحي إلا ذرة من بهاء مجده الساطع الذي يفوق كل وصف.
وإن كنا نجد صعوبة في توضيح تعليم الثالوث توضيحاً تاماً ولكنا نؤمل بإرشاد روح الله أن نوضح ذلك في الفصل الثاني حتى يفهم أولئك الذين يفتشون عن الحق ذلك التعليم الذي أعلنه الله في كتابه والذي لا يناقض العقل أبداً وإن كنا لا نقدر على إدراكه لضعف عقولنا ولا نقدر أن نفهمه من تلقاء أنفسنا لو لم يعلنه الله لنا.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 21028