Skip to main content

مقدمة - القرآن لا يشهد فقط بعظمة يسوع ومقامه ولكنه يلقبه أيضاً بألقاب أعظم من ألقاب بقية الأنبياء والرسل

الصفحة 2 من 4: القرآن لا يشهد فقط بعظمة يسوع ومقامه ولكنه يلقبه أيضاً بألقاب أعظم من ألقاب بقية الأنبياء والرسل

ومن المعلوم أن القرآن لا يشهد فقط بعظمة يسوع ومقامه ولكنه يلقبه أيضاً بألقاب أعظم من ألقاب بقية الأنبياء والرسل وذلك يراه المطلع بإمعان ظاهراً واضحاً عند قراءة الآيات القرآنية التي تختص بالمسيح واتفقت على ذلك أحاديث كثيرة أيضاً ولكنا الآن نكتفي بآيتين ذكرهما القرآن الأولى في سورة الأنبياء آية 91 إذ يقول عن أم يسوع ربنا التي سماها مريم ابنة عمران "والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا" والآية الثانية في سورة النساء 169 "وإنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه". (يلاحظ قوله منه ولم يقل من عنده معناه أنه من ذاته وليس من عنده فقط وهذا يوافق ما جاء في الإنجيل تمام الموافقة راجع (يوحنا 8: 42 و15: 26)
فمن شهادة هاتين الآيتين القرآنيتين يرى إخواننا المسلمون أن القرآن يعلمهم أن المسيح لم يُحبل به كغيره من أبناء البشر ولكن بالعكس أنه وُلد من العذراء مريم بدون أب بل بقوة الله وبروح منه ونلاحظ أيضاً أن القرآن يقول أن المسيح هو نفسه كلمة الله وروح منه. ولم يذكر القرآن قط ألقاباً كهذه لأحد غير يسوع فهو يشهد بصريح العبارة أن المسيح يفوق عظمة عن جميع الأنبياء وبالتالي عن جميع أهل العالم. ونعلم نحن المسيحيون من الأناجيل أن ذلك من الحقائق التي لا تدحر فإنجيل متى وإنجيل لوقا يعلماننا أن المسيح وُلد بقوة الروح القدس من مريم العذراء بدون أب بشري (اقرأ متى ص1 عدد 18-25 ولوقا ص1 عدد 26-35) وفي إنجيل يوحنا ص1 عدد 1-4 يقول "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس."
ذلك هو النص الواضح، فعبثاً نحاول أن نسمي يسوع كلمة الله بدون ألوهيته لأن هذا اللقب يتضمن الألوهية ولا شك أن القرآن ينكر ألوهية المسيح ولكن ليس غرضنا هنا أن نشير إلى التناقض والتباين الظاهرين في القرآن، فلذلك لا نهتم بإنكاره ولكن نقتبس قول عبد القادر الجيلاني الصوفي الشهير عن ما مر من الآيات القرآنية ما معناه "أن مظهر عيسى بالنسبة لباطنه هو بمثابة احدية جمع الحضرة الإلهية فلذلك سُمي روح الله". وعليه فالمسيح هو من الروح الكامل الذي هو إعلان اسم الله التام (أوكل صفاته) ومع هذا فإننا لا نتخذ هذا القول ولا الآيتين القرآنيتين السابقتين ذريعة نتذرع بها للبرهان على ألوهية المسيح فإننا لم نبدأ بعد في التكلم عن ألوهيته وسيجيء الكلام عن ذلك مفصلاً في الفصل الأول من هذا الكتاب وهذا ليس إلا مقدمة له.
لا يوجد في القرآن ولا في الحديث ولا في كتب الأئمة شيء له أدنى قيمة لإثبات ما يلزم إثباته. بل في الوحي أي في الكتاب المقدس نجد هذا التعليم الحيوي المهم مبرهناً بأقوى البراهين وبأدلة تامة لإقناع كل مؤمن بالمسيح. وسنكشف عنه الغطاء بنعمة الله ومساعدة روحه. وحيث أن عقيدة المسيحيين المختصة بالثالوث الأقدس مرتبطة تمام الارتباط بألوهية المسيح ربنا، عز منا بمساعدة الرب أن نوضح ما يعلمنا إياه الكتاب المقدس عن ذلك. ولكي نتثبت من هذا التعليم، لا نأتي بأدلة فلسفية عقلية، بل نقول ما أعلنه الله لنا في كتابه العهد القديم والجديد. أما إذا أشرنا إلى آراء الفلاسفة وأمثال الطبيعة والفسيولوجيا فليس لإثبات التعليم بل حباً في محو التعصب ودحض الآراء الفاسدة التي تمنع الناس عن قبول ما أعلنه الله في كتابه.
لأن ألوهية المسيح وعقيدة الثالوث الأقدس في توحيد الذات الإلهية هي من أسرار الله ولا يمكن لبشر مهما كان له من الحول والقوة الفكرية أن يتوصل إلى إدراك تلك الأسرار الإلهية لأنها غير محدودة ويستحيل على المحدود إدراك غير المحدود، فلا يمكن للعقل البشري أن يأتي ببراهين كافية تجعله قادراً على رفض أو قبول هذه الأسرار ولهذا قال علي بن أبي طالب "من سأل عن التوحيد فهو جال ومن أجاب عنه فهو مُشرك". فهل يمكن للإنسان الضعيف العقل أن يدرك أسرار الله الغير المحدودة المختصة بذاته المقدسة وهل يستطيع رجل أن ينكر أن نور عقل الإنسان ما هو إلا ظلام دامس حينما يقاس بالنور الذي لا يُقترب منه الساكن فيه إله النور القدوس. إن الإنسان بعقله لا يمكنه أن يعلل الظلام الحائم حول وجوده ولا يمكنه أن يوضح سر ذاته ولا يقدر أن يفهم أسرار قلب غيره. إذا حملق إنسان في الشمس أظلمت عيناه وهكذا إذا خُيل للإنسان أن يدرك بمسبار عقله سر الذات المقدسة الشمس الروحية الحقيقية كانت النتيجة أن يرى أمامه ظلاماً أقتماً. فإن الشمس والقمر والنجوم في كل أنوارها ما هي إلا نقطة ماء في أوقيانوس إذا قيست بشمس البر وذرة من مقدار عظمته. ولقد سُئل أحد العلماء قديماً "ما هو الله؟" فأجاب معترفاً "إنه كلما أكثر في البحث عن هذا السؤال كلما أبعد عن الجواب."
وهكذا كل عالم في زماننا إذا اتكل على قوة ذاكرته في إدراك الله لا يسعه إلا أن يقول كما قال ذلك العالم من قديم الزمان.

لو لم يعلن الله لنا ذاته في كتابه لما أمكنا أن نستدل على الحقيقة بشيء
الصفحة
  • عدد الزيارات: 12114