Skip to main content

سيرة محمد الجهادية - الشبهات على شريعة الجهاد فى القرآن

الصفحة 6 من 7: الشبهات على شريعة الجهاد فى القرآن

خامسا : الشبهات على شريعة الجهاد فى القرآن
كانت الهجرة الى المدينة ، و ما تبعها من شريعة الجهاد و القتال ، انقلابا فى الرسول و الرسالة ، و انقلابا فى الدعوة و الدين .
1 – انقلاب النبوة الى إمارة
لقد لاحظ المؤرخون المسلمون الانقلاب العميق فى سيرة النبى العربى ، بعد الهجرة الى المدينة . قال حسين هيكل ( 2 ) . " هنا يبدأ الدور السياسى ... و هذا الدور من حياة الرسول لم يسبقه اليه نبى أو رسول . فقد كان عيسى ، و كان موسى ، و كان من سبقهما من الأنبياء ، يقفون عند الدعوة الدينية يبلغونها للناس من طريق الجدل ، و من طريق المعجزة . ثم يتركون لمن بعدهم من الساسة و ذوى السلطان أن ينشروا هذه الدعوة بالمقدرة السياسية ، و بالدفاع عن حرية ايمان الناس بها ... و كذلك أمر سائر الأديان فى شرق العالم و غربه . فأما محمد فقد أراد الله أن يتم نشر الإسلام و انتصار كلمة الحق على يديه ، و أن يكون الرسول و السياسى و المجاهد و الفاتح " .
هذه الظاهرة الفريدة ، فى تاريخ النبوة و الدين ، تعنى انقلاب النبوة الى إمارة . فالنبوة تأسيس دين ، لا تكوين دولة ! و النبوة رسالة السماء ، لا سياسة الدنيا !
لكن تلك الظاهرة الغريبة فى تاريخ الأديان تنبع ، بحسب ابن خلدون ، من واقع الأمة العربية فى الحجاز . قال : " إن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية ، من نبوة ، أو ولاية ، أو أثر عظيم من الدين على الجملة . و السبب فى ذلك أنهم لخلق التوحش الذى فيهم ، أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض ، للغلظة و الأنفة ، و بعد الهمه و المنافسة فى الرئاسة " ( 1 ) .
و هذه الثنائية ، فى دمج الدين بالدولة ، أصيلة فى المجتمع العربى ، لذلك انتهى اليها الاسلام فى تأسيسه : " فالديانة فى المجتمع العربى البدائى كان يعبر عنها ، كما كانت تنظم ، بطريقة سياسية ، لعدم وجود شكل آخر للعبير عنها و تنظيمها . و بالعكس كانت الديانة وحدها هى التى تعد أساس كل حكومة عند العرب الذين كان كل تصور للسلطة السياسية غريبا عنهم " ( 2 ).
و الشهادات من السيرة النبوية على تحويل النبوة إلى إمارة كثيرة . فقد رأى الأنصار و المعارضون فى المدينة ، منذ مطلع العهد بالمدينة ، فى محمد ، ملكا أكثر منه نبيا .
فهذا زعيم المعارضة فى المدينة ، عبد الله بن أبى العوفى " رأى أن محمدا قد استلبه الملك " ( 3 ) . و شاع بين الناس قول ابن أبى . فقال سعد ، أحد سادة المدينة ، للرسول : " يا رسول الله ارفق به ، فوالله لقد جاءنا الله بك ، و إنا لننظم له الخرز لنتوجه . فوالله إنه ليرى أن قد سلبته ملكا ( 4 ) ! " هذا رأى الأنصار .
و تلك كانت نظرة اليهود الى محمد . لما أسلم عبد الله بن سلام ، قال له اليهود : " ما تكون النبوة فى العرب ، و لكن صاحبك ملك " ! ( 5 ) و ظل هذا رأى اليهود حتى النهاية . ففى غزوة خيبر رأت صفية بنت حيى بن أخطب فى منامها ان قمرا وقع فى حجرها . فعرضت رؤياها على زوجها . فقال : " ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمد ! فلطم وجهها لطمة خضر عينيها منها " . ( 6 )

و هذا كان أيضا رأى زعماء المشركين فى مكة . فى فتح مكة انضم العباس عم النبى الى المسلمين . و جاء بأمر محمد يفاوض أبا سفيان بن حرب زعيم مكة على فتحها بدون حرب . أمره بالشهادة لله ، فتشهد . و أمره بالشهادة للنبى ، فأجاب أبو سفيان : " أما هذه ، و الله فإن فى النفس منها حتى الآن شيئا ! فقال له العباس : ويحك ، أسلم و اشهد أن لا إله إلا الله و ان محمدا رسول الله قبل ان تضرب عنقك ! قال : فشهد شهادة الحق فأسلم ... ثم قال أبو سفيان للعباس : لقد أصبح ملك الن أخيك الغداة عظيما ! قال : يا أبا سفيان انها النبوة ! قال : نعم اذن " . ( 1 )
و بعد فتح مكة ، ظل المكيون الذين أسلموا بالفتح على هذا الرأى . هرب من وجه محمد صفوان بن أمية ، سيد قومه . فاستأمنه عمير بن وهب لدى النبى ، و خرج فى طلبه " و قال له : هذا أمان من رسول الله صلعم . قال : ويحك ! اغرب عنى ، فلا تكلمنى . قال : أى صفوان ، فداك أبى و أمى ! أفضل الناس ، و أبر الناس ، و أحلم الناس ، و خير الناس ! ابن عمك ، عزة عزك ، و شرفه شرفك ، و ملكه ملكك " ! فرجع معه مسلما . ( 2 )
و فى معركة حنين ، " لما انهزم الناس ، رأى من كان مع رسول الله صلعم من جفاة مكة ، الهزيمة ، تكلم رجال منهم بما فى أنفسهم من الضغن . فقال أبو سفيان ابن حرب : لا تنتهى هزيمتهم دون البحر ! و صرح جبلة بن الحنبل : ألا بطل السحر اليوم ! فقال له صفوان بن أمية : اسكت ! فض الله فاك ! فوالله لأن يربنى رجل من قريش أحب إلى من أن يربنى رجل من هوزان " ( 3 ) !
فالرأى العام المعاصر للسيرة النبوية ، رأى فى محمد ملكا أكثر منه نبيا .
و فى القرآن نفسه نرى أن النبى العربى اتخذ فى سيرته مظاهر الإمارة و الملك . فقد أخذ يقتفى فى المدينة آثار الملوك الأنبياء من بنى إسرائيل ، حتى حسده اليهود و عيروه ، فنزل : " أم يحسدون الناس ( أى محمدا ) على ما آتاهم الله من فضله ! فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب و الحكمة ، و آتيناهم ملكا عظيما ! " ( النساء 54 ) . فسره الجلالان : " فضل الله : النبوة

و كثرة النساء ! و كانت كثرة النساء من مظاهر الإمارة و الملك . فمثال محمد النبوة و الملك العظيم ، و ذلك بنص القرآن القاطع .
و قد أباح القرآن لمحمد ما فرض على المسلمين ( النساء 3 مع الاحزاب 50 ) لئلا يكون على النبى حرج ، " سنة الله فى الذين خلوا من قبل " ( الاحزاب 38 ) . قال الجلالان : " سنة الله فى الذين خلوا من الأنبياء أن لا حرج عليهم فى ذلك ، توسعة لهم فى النكاح " !
و من مظاهر السلطان كثرة الاسرى و الغنائم . و قد كان محمد يعلم أنه " ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض " ! فأباح له الأسرى و الغنائم ، من دون الأنبياء : " فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا " ( الأنفال 67 – 69 ) .
و سلك محمد فى مكة مسلك عيسى فى النبوة فكان يدعو الى الزهد فى الدنيا . و لكن بالهجرة الى المدينة أخذ يسلك مسلك الملوك الأنبياء ، فشرع القرآن له و للمؤمنين : " اليوم أحل لكم الطيبات " ( المائدة 5 ) .
و اقتضت مظاهر النبوة و السلطان أن يخاطبه الناس كما يخاطبون الملوك بالغض من أصواتهم فى حضرته : " يا ايها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله و رسوله ، و اتقوا الله ... لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ! و لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ... إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله ، أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ... و اعلموا ان فيكم رسول الله " ! ( الحجرات 1 – 7 ) . قال الجلالان : " لا تقدموا : لا تتقدموا بقول أو فعل بدون اذن . نزلت فى مجادلة أبى بكر و عمر عند النبى صلعم . و نزل فى من يرفع صوته عند النبى صلعم " .
و من مظاهر السلطان و الملك أن تحترم الرعية نساء النى " كأمهاتهم " ( الاحزاب 6 ) ، " و لا أن ينكحوا أزواجه من بعده أبدا " ( الاحزاب 53 ) – كما كانت عادة الملوك ! و لا أن يستأنسوا الحديث معهن ! " و إذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب " ( الاحزاب 53 ) . بذلك تقضى طهارة القلب و ضرورة الملك .
و بلغت الحرمة التى يطلبها النبى لنفسه أن أمرهم القرآن بتقديم " صدقة " قبل مقابلته ( المجادلة 12 ) . لكنه نسخها لما استثقل الجماعة ذلك : " أأشفقتم ان تقدموا بين يدى نجواكم صدقة " ؟ ! ( المجادلة 13 ) .
أجل لقد كانت الهجرة انقلابا فى الرسول ، فتحولت النبوة إلى إمارة ، بشهادة القرآن و السيرة .
2 – انقلاب الرسالة الى دولة
بيعة العقبة الثانية كانت معاهدة عسكرية ، قبل الهجرة : " بايعهم رسول الله صلعم فى العقبة الأخيرة على حرب الأحمر و الأسود من الناس ... صائحا : الدم الدم ! و الهدم الهدم ! " ( 1 ) . و القرآن المدنى صورة لهذه البيعة العسكرية . فكانت الهجرة ، و تحقيق أهدافها بشريعة الجهاد ، انقلابا فى الدين الى دولة ، و فى الرسالة الى سياسة حربية .
قال الإمام حسن البنا ، مرشد الإخوان المسلمين فى مصر : " الاسلام دين و دولة ... و إنه تعرض لشؤون الحياة الدنيوية العملية بأكثر مما تعرض للأعمال التعبدية ... إن الدين جزء من نظام الاسلام ، و الاسلام ينظمه كما ينظم الدنيا ... و من ظن علمه بهذا الاسلام . و جميل قول الإمام الغزالى : " إن الشريعة أصل و الملك حارس ، و ما لا أصل له فمهدوم ، و ما لا حارس له فضائع " ( 2 )
و يقول عمر فروخ ( 3 ) : " كان الاسلام فى مكة دعوة دينية فصار فى المدينة دولة دينية " . ثم يقول : " الاسلام دولة . فى المدينة أصبح الاسلام دينا و دولة معا . فبدأت قواعد الدولة الاسلامية بالرسوخ . و أخذ الرسول يهتم بالأسس الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و العلمية التى يجب أن تقوم عليها الدولة . و سيبرز فى الوحى بعد ذلك ناحيتان : ناحية الجهاد لتثبيت الاسلام و إنشاء الدولة الجديدة ، و ناحية التشريع لإدارة هذه الدولة " .
و التشريع و الجهاد هما القرآن المدنى كله ، و كلاهما لإقامة دولة الاسلام . و بتحويل الدعوة الدينية " بالحكمة و الموعظة الحسنة " الى جهاد و تشريع لإقامة الدولة الاسلامية
تحولت الرسالة الى دولة : " لقد كان الاسلام الى ذلك الوقت عبارة عن دين فى دولة . أما فى المدينة بعد بدر ، فقد أصبح أكثر من دين دولة : انه أصبح الدولة نفسها . و من هناك ، منذ الوقت ، خرج الى العالم قوة حربية سياسية " ( 1 ) .
3 – انقلاب الدعوة الدينية الى حرب أهلية
كان اسلوب القرآن كله فى مكة دعوة دينية سمحاء : " ادع الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة ، و جادلهم بالتى هى أحسن : إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ، و هو أعلم بالمهتدين " ( النحل 125 ) . و كانت الدعوة بمكة فى وحدة تامة مع أهل الكتاب : " و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن – إلا الذين ظلموا منهم ( أى اليهود ) – و قولوا : آمنا بالذى أنزل الينا و أنزل اليكم و إلهنا و إلهكم واحد ، و نحن له مسلمون " ( العنكبوت 46 ) . فحتى آخر العهد بمكة كان التنزيل واحدا ، و الاله واحدا ، و الاسلام واحدا ، بين القرآن و أهل الكتاب النصارى .
و بالهجرة الى المدينة انقلبت الدعوة الدينية الى حرب أهلية .
اولا مع المشركين . فنزل الإذن بالقتال : " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و ان الله على نصرهم لقدير ، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ، إلا أن يقولوا : ربنا الله " ( الحج 39 – 40 ) . قال الزمخشرى : " هى أول آية أذن فيها بالقتال ، بعدما نهى عنه فى نيف و سبعين آية " . ثم صار الإذن فريضة و شريعة : " كتب عليكم القتال ، و هو كره لكم " ( البقرة 216 ) . فالقتال على المسلم واجب إلهى ، لفرض الاسلام و إقامة دولته .
ثانيا مع اليهود أهل الكتاب فى ديار العرب . و الحرب الأهلية مع اليهود تعقب الجدال الدينى المتواصل معهم فى سورة البقرة و آل عمران و النساء و المائدة . قامت الحرب معهم لأنهم كانوا " أول كافر به " ( البقرة 41 ) ، و لأنهم " كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ، بل أكثرهم لا يؤمنون " ( البقرة 100 ) . فنزل الأمر : " و إما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على سواء ، ان الله لا يحب الخائنين " ( الأنفال 58 ) . فنابذهم فريقا حتى قضى على بعض منهم و أجلى بعضا عن المدينة ، و حتى أخضعهم فى الشمال ، كخيبر ووادى القرى .

و كانت الحرب الأهلية مع اليهود حربا دينية و عنصرية معا لتحرير الجزيرة منهم . تحالف فيها مع النصارى للتنكيل بهم : " فآمنت طائفة من بنى اسرائيل ( بالمسيح ) و كفرت طائفة : فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين " ( الصف 14 ) . نزلت بعد فتح الشمال و كمال اخضاع اليهود لسلطان الدولة الاسلامية .
و كان يجرى التنكيل بفريق من اليهود كلما فشل فى حملة على مشركى مكة : كان التنكيل ببنى قينقاع ، و كانوا أشجع اليهود ، بعد بدر الأخرى لتهكمهم بالنبى ، كما نقل ابن سعد فى ( طبقاته ) : " يا محمد إنك ترى أنا قومك ! لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب ، فأصبت منهم فرصة : إنا و الله إن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس " . و بعد هزيمة أحد حاصر بنى النضير حتى أجلاهم . و بعد حصار غزوة الخندق ، غزا بنى قريظة حتى " استنزلوا من حصونهم فحبسهم رسول الله فى دار . ثم خرج الى سوق المدينة فخندق بها خنادق . ثم بعث اليهم فضرب أعناقهم فى تلك الخنادق ( 1 ) و كانت غزوة الشمال الى خيبر ووادى القرى بعد فشل الحملة فى الحديبية : " أثابهم فتحا قريبا ... و مغانم كثيرة تأخذونها ، فعجل لكم هذه ، و كف أيدى الناس عنكم ، و لتكون آية للمؤمنين " ( الفتح 18 – 20 ) . حتى صار يساوى فى العداوة والكفر ما بين اليهود و المشركين ( البينة 1 – 6 ، المائدة 82 ) .
ثالثا مع المسيحيين على حدود الشام و فى اليمن ، وهم غير النصارى من بنى اسرائيل المقيمين بمكة و الحجاز . غزاهم النبى لأنهم عرب مسيحيون ، لإقامة الوحدة العربية الشاملة . و فيهم نزلت آية براءة : " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و اليوم الآخر ، و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله ، و لا يدينون دين الحق ، من الذين أوتوا الكتاب ، حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون " ( براءة – التوبة 29 ) .
و فى حرب المشركين واليهود و المسيحيين يردد : " هو الذى أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله ، و لو كره المشركون " و اليهود العرب و المسيحيون العرب .
و يختتم القرآن بهذه الصورة فى الحرب الأهلية القائمة : " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ، فى كتاب الله ، يوم خلق السماوات و الأرض . منها أربعة حرم ، ذلك الدين القيم ، فلا تظلموا فيهن أنفسكم . و قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ! و اعلموا أن
الله مع المتقين " ( براءة 36 ) . فالحرب الأهلية شاملة طول السنة ، مدى الحياة ، ما عدا الأشهر الحرم الأربعة ، و اذا اقتضى الأمر " قتال فيه ( الشهر الحرام ) كبير ( البقرة 217 ) . على هذه الصورة ينتهى القرآن : " و قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة " .
انها تحويل الدعوة الدينية الى حرب أهلية شاملة .
4 – الرحمان الرحيم ، رب العالمين ، يصير إله الحرب
إن الدعوة المتواصلة ، فى القرآن المدنى ، للجهاد باسم الله ، تعطى إله القرآن ، مثل إله التوراة ، صورة إله الحرب ! " فالرحمان الرحيم " ، الذى باسمه يستفتح كلسورة ، و باسمه يصلى كل صلاة يتوارى وصفه الكريم ذلك فى القرآن المدنى و السيرة النبوية . فقد تبدل التنزيل و النبوة و صار ، الرحمان الرحيم ، رب العالمين ، إله الجهاد و الغزو و القتال .
لقد صار " رب العالمين " عدو الكافرين : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى و عدوكم أولياء ، تلقون إليهم بالمودة ، و قد كفروا بما جاءكم من الحق " ( الممتحنة 1 ) .
و صار " رب العالمين " رئيس حزب : " رضى الله عنهم و رضوا عنه : أولئك حزب الله ! ألا إن حزب الله هم المفلحون " ( المجادلة 22 ) . و حزب الله هم الذين يتبعون محمدا من دون العالمين : " لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله ، و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " ( المجادلة 22 ) ، " انما وليكم الله و رسوله ... و من يتول الله و رسوله و الذين آمنوا ، فإن حزب الله هم الغالبون " ( المائدة 55 – 56 ) .
و صار الرحمان الرحيم فى الجهاد ، خير الماكرين ، لأن " الحرب خدعة " كما يقول الحديث . من مكر الله بالمكذبين استدراجهم الى كيده : " و الذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ، و أملى لهم إن كيدى متين " ( الاعراف 182 – 183 ) . و من مكر الله بهم استباق الخيانة : " فإما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على سواء " ( الانفال 58 ) و الدفاع عن المحاربين المؤمنين ( الحج 38 ) . فالله يحارب مع النبى ( الأنفال 64 ) و يرسل ملائكته يقاتلون مع المسلمين جنودا لا يرونها ( الانفال 50 ، آل عمران 124 – 125 ) يمدهم طورا بألف من الملائكة مردفين ( الآنفال 9 ) ، و طورا بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ( آل عمران 124 ) . و طورا بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ( آل عمران 125 ) . و هكذا " يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين " ( الانفال 30 ) .
و من مكر الله بسائر الناس ، " حزب الشيطان " ( المجادلة 19 ) أن يحتال عليهم بواسطة الشيطان : " و اذ زين لهم الشيطان اعمالهم و قال : لا غالب لكم اليوم من الناس ، و انى جار لكم ، فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه " ( الانفال 48 ) . فالله يحتال على النبى ليقويه : " يريكهم الله فى منامك قليلا " ! و على المسلمين ليشد أزرهم : " و اذ يريكموهم فى أعينكم قليلا " ! و على المشركين ليكيد لهم : " و يقللكم فى أعينهم ، ليقضى الله أمرا كان مفعولا " ( الأنفال 43 – 44 ) . و يستغل الله عناصر الطبيعة لمحالفة المسلمين : " إذ يغشيكم النعاس أمنة منه ! و ينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به " ! ( الانفال 11 ) .
و يزين الله الجهاد للمؤمنين بالوعد العظيم بالجنة أو بالنصر ، فعاقبة الجهاد " احدى الحسنيين " : استشهاد أو شهادة ( التوبة 52 ) . و يحرض الله على القتال المجاهدين فيعدهم بالغفران و الجنة ، مهما كانت حالهم قبل الجهاد ، و مهما كان سلوكهم فى الجهاد : " فالذين هاجروا ... و قاتلوا و قتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ، و لأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار " ( آل عمران 195 ) . و ما الجهاد ، فى عرف القرآن ، سوى مبايعة الله على القتال و الجنة : " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة : يقاتلون فى سبيل الله ، فيقتلون و يقتلون ... و ذلك هو الفوز العظيم " ( التوبة 111 ) .
تلك هى صورة الله فى القرآن المدنى : ان الله ، الرحمان الرحيم ، رب العالمين ، صار إله الحرب الشاملة الدائمة : " و قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة " طول السنة ، ما عدا الأشهر الأربعة الحرم ، و مدى الحاة ، فإن " الله قد أرس رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله ، و لو كره المشركون ! فقد كان النبى العربى ، فى شريعة الجهاد ، و القيام بها ، " بدعا من الرسل " ( الاحقاف 9 ) لأنه كان فى رسالة السماء " الرسول و السياسى و المجاهد و الفاتح " .

خاتمة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 12467