Skip to main content

سيرة محمد البيتية - المآسى الناجمة عن تعدد زوجات النبى

الصفحة 5 من 5: المآسى الناجمة عن تعدد زوجات النبى

ثالثا : المآسى الناجمة عن تعدد زوجات النبى
بدأت هذه المآسى ببدء استباحة محمد للشريعة القرآنية و المأساة تجر المأساة . فتظهر هذه لصورة القاتمة فى حياة محمد الزوجية . و هى ، على رأينا ، أخف وطأة من أزمة الضمير التى قامت فى وجدانه حتى نزول التحلة المطلقة ، فى أواخر حياة النبى ، فوضعت حدا للمآسى النفسية و البيتية و الشرعية .
المأساة الأولى فى نكاح زينب بنت جحش ، الزوجة الخامسة .
و هذه المأساة لها وجوه عديدة . الوجه الشرعى فى تخطى حدود الشريعة القرآنية . و منه أيضا اللجوء إلى إبطال عادة التبنى . يقول دروزة ( 1 ) : " هذه الآيات ( الاحزاب 36 – 40 ) نزلت على ما أجمعت عليه الروايات فى صدد زواج النبى صلعم بزينب بنت جحش ر . ، مطلقة دعيه أو متبناه زيد بن حارثة ر . و لقد روى بعض الرواة أن النبى صلعم مال إلى زينب بعد زواجها من زيد لما رآه من مفاتنها ، و أنها شعرت بذلك فأخت تكايد زوجها . و أن هذا شعر بالأمر فأراد تطليقها ليتسنى للنبى صلعم أن يتزوجها ... و لقد كانت الرواية موضوع نقد و نقاش قديما و حديثا . فاستبعدها بعض المفسرين القديميين و استنكروها و قالوا إنها مدسوسة " . إذا راجعنا الزمخشرى و الجلالين نرى أنها غير مدسوسة . لكن الاستاذ دروزة يأتى بتفسير جديد للقصة : " فى الآيات تعليل صريح بأن تزوج النبى صلعم مطلقة متبناه هو لإبطال تقليد حرمه زواج المتبنى بمطلقة المتبنى ، و رفع الحرج عن المؤمنين فى تزوج

مطلقات أدعيائهم أو أبنائهم بالتبنى . و نعتقد ان هذا التعليل هو مفتاح الحادثة . فقد كانت العادة قوية راسخة و لم يجرؤ – على ما يبدو – أحد على نقضها ، بعد أن عابت آيات ( الاحزاب 4 – 6 ) عادة التبنى و أمرت بإبطالها . فألهم الله النبى صلعم أن يقوم على إبطال هذه العادة بنفسه فى زينب ... و العتاب الربانى فى الآيات مصبوب على تردده فى الإقدام على تنفيذ ما ألهم الله خشية انتقاد الناس و حياء منهم " .
إنما تحليل الاستاذ و تعليله ينقضان صريح القرآن كما فسره الزمخشرى . و الاستاذ يقلب حقيقة النص السبب مسببا ، و المسبب سببا . إن إبطال عادة التبنى كان سبيلا للحادث ، لا سببا له ، كما نقلوا و نقلنا على لسان عائشة : " إن ربك يسارع لك فى هواك " ! و هل فى إبطال عادة التبنى المعمول بها فى عوائد الدنيا و شرائعها كلها من عبقرية فى التشريع ؟ هل من بطولة فى النبوة أن يقوم محمد " على إبطال هذه العادة بنفسه ، و لم يجرؤ أحد على نقضها " ؟ و فات الاستاذ انه ينظر الى الفرع ، من دون الأصل . و الأصل ليس إبطال عادة التبنى ، بقدر ما هو التعدى على حدود الشريعة القرآنية بالاقتصار على أربع نساء معا .
هذان العاملان سببا لمحمد أزمة ضمير دامت حتى نزلت التحلة الكبرى و معها الغفران . و ذلك أيضا لأن سبب الزواج من زينب بنت جحش كان فى الحقيقة و الواقع الهوى و الجمال ، كما فى القرآن و الحديث و السيرة . يكفى شاهدا تحريم النساء عليه من بعدها .
أخيرا الوجه الإجتماعى فى الجماعة . فقد زلزل المسلمون زلزالا عظيما أكثر زلزال غزوة الاحزاب . فهدد النبى باللعن من يخوض فى الأمر : " إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله فى الدنيا و الآخرة ، و أعد لهم عذابا مهينا " ( الاحزاب 57 ) . فلم تنته الأزمة . حينئذ هدد بالنفى و القتل ( الاحزاب 60 – 61 ) ، فهدأت الضجة الكبرى ، و عاد الرسول الى المؤالفة و المسايرة ( الاحزاب 69 – 71 ) .
المأساة الثانية: " حديث الافك " بحق عائشة
عند رجوع القوم من غزوة بنى المصطلق ، تخلفت السيدة عائشة عن المعسكر لحاجة ، و قدمت الى المدينة مع صفوان بن المعطل السلمى . فحامت الشبهة حول عائشة – و ان كانت فوق الشبهات . لكن ظروف الحال جعلت للشبهة مخرج صدق .

جاء فى ( السمط الثمين ، ص 39 ) عن عائشة أنهن كن فى بيت النبى حزبين : حزب عائشة ، و منه حفصة و سودة ، و حزب زينب بنت جحش و منه أم سلمة و سائر الأزواج . و كبرحزب زينب بانضمام فاطمة بنت النبى اليه ، مع على نفسه ، و انضمام المنافقين و على رأسهم زعيم يثرب عبد الله بن أبى بن سلول . و جرى " حديث الافك " يشنع على عائشة .
روت السيرة لابن هشام ( 3 : 312 ) عن عائشة : " و كان كبر ذلك عند عبد الله بن أبى بن سلول ، فى رجال من الخزرج ، مع الذى قال مسطح و حمنة بنت جحش . و ذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلعم . و لم تكن من نسائه امرأة تناصينى ( تساوينى ) فى المنزلة عند غيرها . فأما زينب فعصمها الله تعالى بدينها فلم تقل إلا خيرا ، و أما حمنة بنت جحش فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضادنى لأختها . فشقيت بذلك " . و اعتزلت عند أبيها .
فتنة فى بيت النبى . فتنة بين محمد و أحب نسائه اليه . فتنة بين المسلمين . و كادت تقع الواقعة بين الأوس و الخزرج .
و كانت تلك الحادثة السبب البعيد لحرب أهلية فى الاسلام بين العلويين أهل البيت ، و بين سائر المسلمين ، قاتلت فيها عائشة عليا و هى على ظهر بعير فى صفين . و هذا أدى الى الانقسام فى الاسلام الى شيعة و سنة .
المأساة الثالثة : " حديث المغافير " ، و تحلة القسم
جاء فى سورة ( التحريم 2 ) : " قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم "
قال عبد المتعال الصعيدى ( 1 ) : " نزلت هذه السورة فى ما كان من عائشة و حفصة حين شرب النبى صلعم عسلا عند زينب بنت جحش . فتواطأتا و قالتا له : إنا نشم منك رائحة المغافير . و ريحه كريهة منكرة . فلما سمع منها ذلك حرم العسل على نفسه . فنزلت هذه السورة لعتابه على تحريم العسل الذى أحل له ، ابتغاء مرضاة أزواجه . و ذكر انه شرع لهم أن يتحللوا من ايمانهم بالكفارة . ليتحلل من يمينه و يعود الى شرب العسل ، و تهديد نسائه

بطلاقهن إن لم يتبن عن هذه الغيرة فيما بينهن . ثم أمر النبى صلعم بمجاهدة الكفار و المنافقين لئلا تشغله تلك الأمور من نسائه عنها " .
هكذا جاء " حديث المغافير " من عائشة و حفصة ، انتقاما لحديث الافك من جماعة زينب بنت جحش . ففى سورة ( النور ) نزلت براءة عائشة من " حديث الافك " ، و فى سورة ( التحريم ) نزلت خيانة عائشة و حفصة لسر النبى فى حديث المغافير . و يتحلل محمد من يمينه بتشريع تحلة اليمين بالكفارة .
المأساة الرابعة : شهر الهجر لنسائه ، أو شهر العسل فى قصة مارية
أهدى مقوقس مصر لمحمد جارية حسناء اسمها مارية القبطية . و كان لابد من شهر عسل معها ، عل الله يرزقه منها ولدا . أخرج الطبرانى عن ابى هريرة قال : " خلا رسول الله صلعم بمارية سريته فى بيت حفصة . فجاءت فوجدتها معه . فقالت : يا رسول الله ، فى بيتى ، دون بيوت نسائك . قال : فإنها حرام على أن أمسها ، يا حفصة ، و اكتمى هذا على . فخرجت حتى أتت عائشة فأخبرتها . فأنزل الله " تحلة الايمان " ليستحل هو سريته . لكن الفتنة نجمت فى بيته ، و تحولت الى مأساة ، بسبب اعتزاله نساءه شهرا . قال دروزة ( 1 ) : " و خلاصة الرأى الأقرب الى الصحة من غيره من أسباب نزول الآيات ، أن النبى صلعم كان يطيل المكث عند زوجته زينب و يشرب عسلا ، فتواطأت عائشة و حفصة على الكيد لها ، و اتفقتا على ان تقولا له : ان رائحته رائحة مغافير .. ففشا الحديث . فغضب النبى صلعم و حلف ان لا يقرب زوجاته شهرا و هجرهن ، حتى قيل إنه طلقهن . و هناك رواية تذكر أن النبى صلعم اجتمع بمارية فى بيت حفصة . فلما علمت استرضاها بيمين أن لا يقرب مارية ، و استكتمها الخبر . و لكنها أفشته لعائشة . و مهما يكن من أمر الروايات ، فالآيات تحتوى صورة حادث بيتى وقع بين النبى صلعم و بعض زوجاته . و أنه وقع بسبب الغيرة النسائية ، و أن اثنتين كانتا فيه متآمرتين . و ان هذا آلمه و حز فى نفسه حتى هم بتطليق نسائه ، ثم أوحى الله اليه بالآيات التى اكتفى فيها بالتنديد و الانذار " .
فالروايات تخلط بين حديث العسل ، و حديث مارية . لكن قصة مارية أصح الروايات لأن أكل العسل لا يقتضى يمينا و لا سرا مصونا ، و لا تنزيلا لتحلة اليمين . فشهر العسل مع
مارية سبب شهر هجران لنسائه ، أو طلاق ، تحولت فيه الأزمة البيتية الى مأساة . و هذه ليست صورة مثالية للحياة الزوجية فى بيت النبى . و كان من معالمها تحليل القسم بالكفارة الشخصية . و متى كانت تحلة القسم بيد صاحبه ، فأية حرمة أو قدسية تبقى للقسم بين الناس ؟
المأساة الخامسة : التهديد بالطلاق لنسائه ، بسبب تصرفاتهن
اشتد التحزب و الفتنة فى بيت النبى ، حتى صارا مأساة عائلية . فلم يكن لمحمد من سيطرة على نسائه إلا بتهديدهن بالطلاق : " عسى ربه ، إن طلقهن ، ان يبدله أزواجا خيرا منكن ، مسلمات مؤمنات فاتنات تائبات عابدات سائحات ، ثيبات و أبكارا " ( التحريم 5 ) . هذا تعريض صريح " بأمهات المؤمنين " الاسوة الحسنة لنساء المسلمين .
هل كانت تقع فاحشة فى بيت النبى ؟ يقول : " يا نساء النبى من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين " ( الاحزاب 30 ) .
هل كان بعض نسائه تتوغل بالحديث مع الرجال ؟ يقول : " يا نساء النبى لستن كأحد من النساء ، إن اتقين فلا تخضعن بالقول ، فيطمع الذى فى قلبه مرض ، و قلن قولا معروفا " ( الاحزاب 32 ) .
و كانت نساء محمد كسائر بنات حواء يحببن التبرج أى " اظهار النساء محاسنهن للرجال " ( الجلالان ) . فقال : " وقرن فى بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " ( الاحزاب 33 ) .
لهذه المشاكل كان يهددهن بالطلاق ليحل السلام و الفضيلة فى بيته . فتلك التصرفات كانت سبب مأساة متواصلة .
المأساة السادسة : هل الأعجاز الجنسى دليل النبوة ؟
يقول دروزة ( 1 ) أيضا : " قد ذكرت الروايات أن النبى صلعم كان يجمع فى عصمته حين نزول الآيات ( الاحزاب 50 – 52 ) تسع زوجات بعقد ، ست منهن قريشات ، و ثلاث غير قريشات . أما الاماء أو ملك اليمين فكان له منهن اثنتان .

" و مهما يكن من أمر فآيات ( الاحزاب ) استهدفت : 1 ) استثناء النبى صلعم من التحديد الذى ورد فى سورة ( النساء 3 ) ، 2 ) تحريم زواج جديد عليه ، 3 ) تنظيم علاقاته الزوجية ، أو صلاته الجنسية بأزواجه .
" و النقطة الأخيرة مستلهمة من مضمون الآية ( 51 ) ، إذ تكاد توحى بأنها تتضمن تعليما للنبى صلعم بأن يتصل جنسيا فى وقت واحد بأربع من أزواجه ، و يغير فى هذا الاتصال ... بل تكاد تقول : " إن هذا القصد ظاهر فى مضمون الآية ظهورا قوبا " . و يأتى الحديث فيزيد على التفسير ، قال القاضى عياض فى ( الشفاء ) عن ميزة النبى فى قدرته الخارقة على الجماع الجنسى : " و قد روينا عن انس انه صللعم كان يدور على نسائه فى الساعة ، من الليل و النهار ، و هن احدى عشرة . و قال انس : كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين رجلا – خرجه النسائى . و روى نحوه عن أبى رافع عن طاوس : قوة أربعين رجلا فى الجماع . و فى حديث أنس عنه عليه السلام : فضلت على النساء بأربع : السخاء ، و الشجاعة ، و كثرة الجماع ، و البطش " . و جاء فى السنن : أحب شىء الى من دنياكم العطور و النساء ، و جعلت قرة عينى فى الصلاة " .
فميزات محمد من شريعة الزواج القرآنية كانت مصدر مشاكل و مآس . و هكذا فإن القرآن و الحديث و السيرة تجمع كلها و تقطع بأن حياة محمد البيتية و العائلية و الزوجية لا تحمل براهين الأعجاز فى الشخصية النبوية ، بل دلائل جازمة على " بشرية " النبى فيها .

الصفحة
  • عدد الزيارات: 12505