Skip to main content

سيرة محمد البيتية - أسباب تعدد الزوجات فى سيرة محمد

الصفحة 4 من 5: أسباب تعدد الزوجات فى سيرة محمد

3 – أسباب تعدد الزوجات فى سيرة محمد
يقال : لتعدد الزوجات فى حياة محمد أسباب وجيهة :
هناك أسباب سياسية ظاهرة ، كما فى زواجه من بنت أبى بكر ، و من بنت عمر ، و من بنات زعماء القبائل . هذا أمر لا مراء فيه .
و هناك أسباب انسانية واضحة ، كما فى زواجه من سودة بنت زمعة ، أو السيدة القرظية التى فضلت أن تبقى ملك يمينه . هذا أيضا لا مراء فيه .
و هناك سبب آخر أقوى ، على زعمنا ، و هو شهوة الولد . يقول الاستاذ دروزة ( 1 ) : " روايات السيرة المتعددة ، التى بلغت مبلغ اليقين تخبر أن النبى صلعم قد رزق أولادا ذكورا من السيدة خديجة ر . زوجه الأولى ، و من أمته مارية ر . و لكنهم لم يعمروا إلا قليلا . و قد روى ان النبى صلعم التاع أشد اللوعة عندما مات ابراهيم بن مارية فى يثرب . و روح السورة ( الكوثر ) تلهم أن تعيير النبى صلعم ( بالأبتر ) قد حز فى نفسه كثيرا . و قد يكون فى هذا ما يدل على ان عدم تعمير أبنائه الذكور كان شديد الأثر فيه . و لقد ذكر بعض الكتاب أن مما يمكن أن يخطر بالبال أن يكون زواج النبى صلعم بعائشة و صفية و جويرية و ميمونة و مارية رضى الله عنهن ، و كلهن فتيات ( بينما هو قد تخطى الخمسين ) بسائق الرغبة فى الأولد الذكور . و لا يخلو هذا من بعض الوجاهة فيما نرى" .
لكن تلك الأسباب الوجيهة لا تكفى لتخطى النبى حدود الشريعة القرآنية ، أو لقيام شرعة للمسلمين و شرعة أخرى لمحمد فى النكاح . فكيف يكون بذلك " أسوة حسنة " لأمته ؟
و هناك سببان آخران لتعدد الزوجات يصرح بهما القرآن .
فالقرآن صريح ، بنصه القاطع ، بأن الهوى و الجمال من أسباب تعدد الزوجات : " لا يحل لك النساء من بعد ، و لا أن تبدل بهن من أزواج ، و لو أعجبك حسنهن " ( الاحزاب 52 ) ، " و تقديره : مفروضا اعجابك بهن " ( الزمخشرى ) .
و هذا التصريح بحسن النساء سببا للزواج ، يأتى فى قصة زواجه من زينب بنت جحش ، بعد أن كان عنده أربع نساء معا ، و لم تنزل التحلة المطلقة بعد . علق الزمخشرى على قوله : " و تخفى فى نفسك ما الله مبديه . فإن قلت : ما الذى أخفى فى نفسه ؟ قلت : تعلق قلبه بها . و عن عائشة ر . لو كتم رسول الله شيئا مما أوحى اليه ، لكتم هذه الآية . و ( الواو ) فى ( و تخفى و تخشى ) للحال . أى تقول لزيد ( امسك عليك زوجك ) مخفيا فى نفسك إرادة أن لا يمسكها ، و تخفى خاشيا قالة الناس ... ( و الله أحق أن تخشاه ) حتى لا تفعل مثل
.

ذلك " . فالهوى و الجمال كانا سبب زواجه من زينب بنت جحش ، الذى جعله يتخطى شريعة القرآن ، قبل نزول التحلة المطلقة ، و كان سببا فى إبطال التبنى ، العادة الرحيمة القائمة فى كل الشرائع عند جميع الشعوب ( الاحزاب 37 ) .
و السبب الآخر لهذين التجاوزين كان رفع الحرج عن محمد ، الحرج الشرعى و الحرج الشخصى ، و الحرج الاجتماعى ، فى تحليل النساء له بلا حد و لا قيد : " قد علمنا ما فرضنا عليهم فى أزواجهم و ما ملكت أيمانهم ، لكى لا يكون عليك حرج . و كان الله غفورا رحيما " ( الاحزاب 50 ) . ففى التحلة المطلقة الشاملة كان السبب الأول رفع الحرج عن النبى ، و السبب الثانى المغفرة للنبى لأنه تعدى العدد المفروض ، و الرحمة به : " و كان الله غفورا رحيما " . فذكر الغفران عند إباحة النساء له ، دليل على أنه فى زواجه من زينب ، و فى تعدد الزوجات ، كان ما يستوجب الغفران ، قبل التحلة .
و يؤيد هذا كله كما نقل الصحيحلن و كما جاء فى ( أسباب النزول ) قول عائشة فى زواج الهبة : " إن الله يسرع لك فى هواك " ، و قول عائشة أيضا لما نزلت التحلة من الشريعة القرآنية فى النكاح : " أرى ربك يسارع لك فى هواك " .
فتعدد الزوجات فى حياة محمد لأسباب سياسية و انسانية و شخصية ، لا يمنع أن يكون أيضا سببه الهوى و الجمال ، بنص القرآن القاطع : " و لو أعجبك حسنهن " .
ثانيا : من المشاكل التى نشأت عن استجابة الشريعة القرآنية
نقول : " إستباحة الشريعة القرآنية " ، لأننا لا نعلم بالتدقيق زمن نزول آية التحلة المطلقة ( الاحزاب 50 ) . و الظاهر انها مقحمة على سورة ( الاحزاب ) من أواخر النزول و حياة الرسول : أولا بسبب نصها الذى يحمل التحلة الشاملة : " يا أيها النبى إنا أحللنا لك أزواجك اللاتى آتيت أجورهن " ، مما يدل على أنهن كن قبل هذه التحلة غير حلال ، و نكاحهن كان استباحة للشريعة القرآنية ، ثانيا لأنها ناسخة لآية المنع التى نزلت بعد الزوجة الخامسة ، زينب بنت جحش ، و الآية تابعة لها فى النسق ( الاحزاب 52 ) . و هذا من غريب الناسخ و المنسوخ فى القرآن كما جاء فى ( الاتقان 2 : 24 ) للسيوطى : " ليس فى القرآن ناسخ إلا و المنسوخ قبله فى الترتيب ، إلا فى آيتين ، آية العدد فى ( البقرة ) و قوله :( لا
يحل لك النساء من بعد ) " . يدل أيضا على اقحامها حديث عائشة ثم حديث عائشة و حفصة : " ما مات رسول الله صلعم حتى أحل له النساء " ، مما يدل على التحلة كانت من أواخر النزول و حياة الرسول . قال دروزة ( 1 ) : " و قد ذكرت روايات السيرة ان النبى صلعم كان يجمع فى عصمته حين نزول الآيات ( الاحزاب 50 – 52 ) تسع زوجات بعقد " . و المسألة الضخمة ان محمدا ، الاسوة الحسنة لأمته ، قد استباح شريعة القرآن و عاش أزمة ضمير حادة ، فى زيجاته كلها ، بعد الأربع الشرعيات ، حتى نزلت آية التحلة فى آخر حياته ، و معها الغفران .
فالاستباحة الأولى كانت فى زواجه من زينب بنت جحش ، الزوج الخامسة . كان من نتائجها و مشاكلها آية المنع : " لا يحل لك النساء من بعد " ، لكن النبى استحلهن . كذلك كان إبطال عادة التبنى ، و فيه رفع رحمة انسانية من الشريعة القرآنية ، بخلاف عادة العالمين و شرائعهم . ثم " حديث الإفك " بحق عائشة ، كما سيأتى بيانه ، و أنفة ريحانة القرظية من الزواج حرة بمحمد . فبعد تصفية بنى قريظة من المدينة ، " اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة ، احدى نساء بنى عمرو بن قريظة ... و قد كان رسول الله صلعم عرض عليها أن يتزوجها و يضرب عليها الحجاب . فقالت : يا رسول الله ، بل تتركنى فى ملكك ، فهو أخف على و عليك . فتركها " ( 2 )
و الاستباحة الثانية لشريعة الزواج القرآنية ، بعد غزوة بنى المصطلق ، فى زواجه من جويرية بنت الحارث المصطلقية ، سيد قومه . قالت عائشة : " و كانت امرأة حلوة ملاحة ، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه . فوالله ما هو إلا ان رأيتها على باب حجرتى ، فكرهتها ، و عرفت أن النبى صلعم سيرى منها ما رأيت . فدخلت عليه فقالت : يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار ، سيد قومه . و قد أصابنى من البلاء ما لم يخف عليك . فوقعت فى السهم لثابت بن قيس بن الشماس – أو لابن عمه – فكاتبته على نفسى . فجئتك استعينك على كتابتى . قال : فهل لك فى خير من ذلك ؟ قالت : و ما هو ، يا رسول الله ؟ قال : أقضى عنك كتابك ، و أتزوجك . قالت : نعم يا رسول الله . قال : قد
فعلت " ( 1 ) . أجل لهذا الزواج سبب انسانى ، و هو الرفع من كرامة السيدة المسبية . لكن حديث عائشة قاطع بأن سبب الزواج الحقيقى الهوى و الجمال . لكن ذلك خلف الكره فى نفس عائشة .
و الاستباحة الثالثة كانت فى زواج محمد من صفية الخيبرية . بعد صلح الحديبية مع قريش غزا محمد معاقل اليهود فى الشمال . فكانت غزوة خيبر فى آذار 628 م و كان من غنائمها صفية بنت حيى الخيبرية التى قتل " أباها ة زوجها و قومها " ، " أعرس بها صلعم فى خيبر أو ببعض الطريق " . كان لهذا الزواج مسحة انسانية ، التخفيف عن سيدة قومها . لكن ما نظن محمدا بغافل عن خلق مثل هذه اليهودية حتى يوقن أن زواجه " ممن قتل أباها و زوجها و قومها " يخفف عنها . و ما ظن ذلك الصحابة ، فإنه لما أعرس محمد بها ، " بات أبو أيوب ، خالد بن زيد ، أخو بنى النجار ، متوحشا سيفه ، يحرس رسول الله صلعم و يطيف بالقبة حتى أصبح رسول الله صلعم ، فلما رأى مكانه قال : ما لك يا أبا أيوب ؟ قال : يا رسول الله خفت عليك من هذه المرأة ، و كانت امرأة قد قتلت أباها و زوجها و قومها ، و كانت حديثة عهد بكفر ، فخفتها عليك " ( 2 ) . انما هى عادة الملوك الغزاة ، حين الظفر بخصومهم ، أن يتزوجوا من نسائهم ، دليل السيطرة و الاستذلال الكامل . و نعرف من السيرة ان الهوى و الجمال كان لهما دور فى القصة : " و لما افتتح رسول الله صلعم القموص حصن بنى أبى التحقيق ، أتى رسول الله صلعم بصفية بنت حيى بن أخطب ، و بأخرى معها ... فلما رآها ( الاخرى ) رسول الله صلعم قال : أغربوا ( أبعدوا ) عنى هذه الشيطانة . و أمر بصفية فحيزت خلفه ، و ألقى عليها رداءه . فعرف المسلمون أن رسول الله صلعم قد اصطفاها لنفسه " ( 3 ) .
و الاستباحة الرابعة كانت زواجه من أم حبيبة ، رملة أخت أبى سفيان ، زعبم مكة ، و زوجة عبد الله بن جحش الذى توفى على المسيحية فى الحبشة . فى هذا الوقت رجع المسلمون الباقون من لحبشة بقيادة جعفر بن أبى طالب ، و معهم أم حبيبة . فتزوجها محمد أيضا ليرتبط مع أخيها أبى سفيان برباط المصاهرة ، كما فعل مع أبى بكر و عمر ، توكيدا

لصلح الحديبية و تسهيلا لفتح مكة . هنا السبب السياسى ظاهر . لكن هل فيه ما يبيح لمثال أمته استباحة شريعة القرآن ؟ و زواجان يقعان فى فترة وجيزة ، فى ختام غزوة خيبر !
و الاستباحة الخامسة كانت نكاح ميمونة الهلالية ، وقعت عمرة القضاء سنة تسع ، أى 629 م تنفيذا لمعاهدة الحديبية . ففى هذه العمرة تزوج محمد ميمونة بنت الحارث الهلالية ، أخت زوجة العباس عمه ، و خالة خالد بن الوليد . و تولى العباس نفسه إنكاحه إياها . فارتبط النبى بالمصاهرة مع جناحى مكة ، بنى أمية و بنى هاشم . فكان ذلك الزواج حافزا لخالد بن الوليد أن يسلم ، فأسلم و أهدى محمدا أفراسا له . و تبعه عمرو بن العاص و عثمان بن طلحة ، حارس الكعبة . و قد أسلم بإسلام هؤلاء كثيرون من مكة . فبات حزب محمد قويا فيها . و بات فتح مكة ميسورا سياسيا . و الدافع السياسى لزواج محمد من ميمونة ظاهر . لكن كان فيه نصيب أيضا للهوى و الجمال ، " و يقال انها هى التى وهبت نفسها للنبى صلعم . و ذلك أن خطبة النبى صلعم انتهت اليها و هى على بعيرها . فقالت : البعير و ما عليه لله و لرسوله . فأنزل الله تعالى و تبارك : و امرأة مؤمنة ، إن وهبت نفسها للنبى ... ( 1 )
لكن هذه البدعة بزواج الهبة أثارت حفيظة عائشة . فأحلها الوحى القرآنى للنبى بتحلة مطلقة لكل " امرأة مؤمنة ، إن وهبت نفسها للنبى ، إن أراد النبى أن يستنكحها ، خالصة لك من دون المؤمنين " ( الاحزاب 50 ) . قال دروزة ( 2 ) فى تبرير هذه البدعة : انها " تنطوى على صورة من صور زواج النبى صلعم الخاصة . فهو ، فوق أنه كان يخطب نساءه و يمهرهن جريا على العادة المعروفة ، كان بعض النساء المؤمنات يعرضن أنفسهن عليه هبة . و مما لا ريب فيه ان هذا إنما كان قصد التشرف بالصلة به و الحرص على نيل الكرامة العليا فى الزوجية النبوية . و قد أباح الله له الاستجابة لمن شاء منهن ، تقديرا لهذه الرغبة فى نيل شرف هذه الزوجية الكريمة " .
لكن لماذا يستثنى النبى عن أمته بزواج الهبة ، و هو " الاسوة الحسنة " لهم ؟ و لماذا هذه الاباحة المطلقة لكل " امرأة مؤمنة " ) و ما هذا التسلط على نساء المسلمين : " خالصة لك من دون المؤمنين " ؟ و لماذا هذه الإباحة بالهبة من قيود الشريعة القرآنية ؟ و لماذا جعل زواج الهبة

للنبى مرهونا بمشيئتشه ، " إن أراد أن يستنكحها " ، لا بأمر الله و شريعته ، مما يجعل رغبة محمد فوق شريعة الله ؟ أليست " الكرامة العليا " المذكورة ، فى احترام النبى لشريعته ، و فرض احترامها على النساء المسلمات ، لا تحررهن من قيودها بزواج الهبة له ؟
لذلك من الحق أن يقال : مهما كانت الاسباب وجيهة فى تعدد زوجات محمد ، على خلاف الشريعة القرآنية ، فتلك الزيجات براهين ناطقة على أن " بشرية " النبى تحد كثيرا من إعجاز الشخصية النبوية .

المآسى الناجمة عن تعدد زوجات النبى
الصفحة
  • عدد الزيارات: 12901