الإعجاز في التاريخ - القرآن بين الدين والفنّ
ثالثا : القرآن بين الدين والفنّ
قيل : إن معجزة القرآن أن يجمع الدين والفن في حرفه ، بلفظه ونظمه . وهل يهمّنا الاعجاز بالفن في أمور الدين ؟ ننسى أن القرآن هو كتاب دين ، قبل أن يكون كتاب فن ؛ وأن ما يهم البشرية في كلام الله هو الدين لا الفن . قيل : ان القرآن "يجعل الجمال الفني أداة مقصودة للتأثير الوجداني فيخاطب حاسة الوجدان الدينية بلغة الجمال الفنّية" . – فهل الله في كلامه مع البشر خطيب مثلهم يجعل الجمال الفني أداة مقصودة للتأثير الوجداني فيهم ؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . إنما يتنازل الله ويكلّم الناس ليعلّمهم حقيقة سره وغاية أمره ؛ ويهمه كما يهمنا أولا حقيقة الدين ، لا اعجاز الفنّ . وجعل الاعجاز البياني والفني من مقاصد الله في كلامه هو قلب للمفاهيم وهو جعل العَرَض مكان الجوهر . وهب أن ميزة القرآن على كل تنزيل هو في إعجاز الحرف مع اعجاز المعنى ، ومعجزة العرض مع معجزة الجوهر ، لتكون معجزته منه وفيه ؛ فإن معجزة لغوية بيانية فنيّة ، هي للخاصة من العرب ، لا للعامة منهم ، فكيف بعامة البشر ! فيفوت على الله الغاية الأولى من تنزيله وكلامه ، لو كان الاعجاز في نظم القرآن مقصده ومعجزته . وحاشا لله أن يخاطب عامة العرب والبشر بمعجزة لا يفقهونها ! "ما لا يمكن الوقوف عليه لا يُتصوَّرالتحدي به"
إن التحدي بحرف التنزيل هو معجزة عند البعض ، لا عند سائر الناس . وما نراه في القرآن وقصصه اعجازا واقتدارا ، يراه سائر الناس في كل آدابهم عجزا وافتقارا ، كلّما زاد تكرارا .
فالقصص القرآني ، وهو أكثر القرآن ، مع ما فيه من اعجاز بياني ، هل هو معجزة في هدفه وموضوعه ؟
- عدد الزيارات: 13554