Skip to main content

طريقة الوحي القرآني أدنى طرق الوحي - تعارض نزول القرآن جملة ومفرّقا

الصفحة 4 من 6: تعارض نزول القرآن جملة ومفرّقا

رابعا : تعارض نزول القرآن جملة ومفرّقا

وهم انما قالوا بتعدّد الوسائط في التنزيل القرآني ، وفي نزوله جملة فمفرّقًا ، للجمع بين تعارض القرآن في تصاريحه عن كيفية انزاله ، وللردّ على ادعاء اليهود والمشركين بنزول التوراة جملة .

فالتعارض قائم ما بين تصريح القرآن المتواتر من جهة : "حم . والكتاب المبين ، إنّا أنزلناه في ليلة مباركة – إنّا كنّا منذرين – فيها يُفرق كل أمر حكيم ، أمرًا من عندنا ، إنّا كنا مرسلين" (الدخان 1 – 5) "إنّا أنزلناه في ليلة القدر" (سورة القدر) ؛ "شهر رمضان الذي أُنزٍل فيه القرآن" (البقرة 185) – وتصريحه من جهة أخرى : "وقال الذين كفروا : لولا نُزّل عليه القرآن جملة واحدة ! – كذلك ، لنثبّت به فؤادك ورتلناه ترتيلا" (الفرقان 32) ، "وقرآنا فرّقناه لتقرأه على الناس على مُكْث ، ونزّلناه تنزيلا" (الاسراء 106) .

فآية الفرقان تؤكد ضمنا بأن القرآن نزل مفرقا ؛ وآية الاسراء تصرّح به ، وتشير الى ان اسم "قرآن" وفعل "نزّل" يدلاّن على النزول مفرقا . "أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : (قالت اليهود : يا أبا القاسم لولا نُزّل هذا القرآن جملة واحدة كما أُنزلت التوراة على موسى) ؟ فنزلت ، وأخرجه من وجه آخر عنه بلفظ (قال المشركون) . وأخرج نحوه عن قتادة والسدي" . فالقرآن نزل مفرقا "لنثبت به فؤادك" ، "وقرآنا فرّقناه لتقرأه على الناس على مُكْث" .

وآية (الدخان) وآية (القدر) تجزمان بأن القرآن نزل جملة في ليلة مباركة هي ليلة القدر ، من شهر رمضان .

فالتعارض ظاهر بين نزول القرآن جملة ، ونزوله مفرّقا . وللتخلّص من هذا التعارض قيل بنظرية نزول القرآن جملة الى السماء الدنيا ، وتنزيله مفرّقا على محمد . ولا أساس لهذه النظرية في القرآن ؛ والأمر الواقع المشاهد أنه نزل مفرقا مدة ثلاث وعشرين سنة . والنزول جملة لا يعني القرآن نفسه ، بل الأمر بالرسالة ، كما تصرّح به آية (الدخان) : "إنّا أنزلناه في

ليلة مباركة ... أمرا من عندنا ؛ إنا كنا مرسِلين" . وآية (الشورى) تكشف ان هذا الأمر بالرسالة كان هداية الى الايمان بالكتاب : "وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا : ما كنت تدري ما الايمان , ولا الكتاب ، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ، وإنك لتُهدى الى صراط مستقيم" (52) . فملاك الوحي هداه ، ليلة القدر ، الى الايمان بالكتاب ، وهذا هو الصراط المستقيم . وتؤيد سورة القدر سورة الدخان بقولها : "ليلة القدر خير من ألف شهر . تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر" (3 – 4) . فقرائن السورتين تدل على ان الضمير في "أنزلناه" ليس القرآن ، بل الأمر بالايمان بالكتاب والدعوة له . وهكذا يزول التعارض ، وتذوب النظرية القائمة عليه من تنزيل القرآن جملة ثم مفرّقا .

وهل نزلت التوراة جملة ؟ ان الآية : "وقال الذين كفروا : (لولا نُزّل عليه (القرآن جملة واحدة) ؟ – كذلك ، لنثبت به فؤادك" (الفرقان 32) تشير الى ذلك . "فإن قلت : ليس في القرآن التصريح بذلك ، وانما هو على تقدير ثبوت قول الكفار . قلتُ : سكوته تعالى عن الرد عليهم في ذلك ، وعدوله الى بيان حكمته دليل على صحته" . وينقل السيوطي رأي المفسرين والمحدثين والمتكلمين في نزول التوراة جملة ، ويختم بقوله : "فهذه آثار صحيحة صريحة في انزال التوراة جملة" .

وهذا الادعاء بنزول التوراة جملة ، الذي أثاره اليهود ومن بعدهم المشركون بوجه القرآن ، ممّا حمل القرآن على ذكره وعلى الرد عليهم . وبناءً على آية الفرقان (32) في الرد على المشركين ، ومن ورائهم اليهود ، بنوا رواية نزول القرآن جملة إلى بيت العزة في السماء الدنيا !

وما هو اجماع عندهم بشأن التوراة نفسها ، لا يقول به الراسخون في العلم من أهل الكتاب . نقل السيوطي (1) أيضا إجماعهم : "ان سائر الكتب أُنزلت جملة هو مشهور في كلام العلماء وعلى ألسنتهم حتى كاد أن يكون إجماعا . وقد رأيت بعض فضلاء العصر أنكر ذلك ، وقال : إنه لا دليل ، بل الصواب أنها نزلت مفرقة كالقرآن" . لم ينزل جملة من التوراة الى موسى سوى الوصايا العشر على لوحين ؛ وسائر التوراة نزل مفرقا ، وعلى أجيال .

ونقل أيضا ، في الحكمة بنزول القرآن مفرّقا : "وانما لم ينزل جملة واحدة لأن منه الناسخ والمنسوخ ، ولا يتأتى ذلك إلاّ فيما أُنزل مفرّقا . ومنه ما هو جواب لسؤال . ومنه ما هو انكار
ــــــــــــــــــــــــ
(1) الاتقان 43:1

على قول قيل أو فِعل فُعِل . وقد تقدم ذلك في قول ابن عباس : "ونزّله جبريل بجواب كلام العباد وأعمالهم" ؛ وفُسِّر به قوله (ولا يأتونك بمثل إلاّ جئناك بالحق) . أخرجه عنه ابن أبي حاتم" .

فهل ينسجم هذا الواقع القرآني المشهود ، مع التنزيل من لوح محفوظ ؟ إن تنزيل القرآن "بجواب كلام العباد وأعمالهم" ، مفرّقا على مقتضى الحال هل هو من الاعجاز في التنزيل ؟ وانما الاعجاز في التنزيل أن يأتي مبتدئا من الله .

نزول القرآن بحسب الحاجة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 21360