Skip to main content

الكيفية التي انتصرت بها الديانة المسيحية في القرون الأولى - المسيح نهى عن الجهاد بالأسلحة الجسدية لنشر الدين

الصفحة 2 من 4: المسيح نهى عن الجهاد بالأسلحة الجسدية لنشر الدين

ومن المعلوم أن المسيح نهى عن الجهاد بالأسلحة الجسدية لنشر الدين، واعتبره جرماً عظيماً، وعلى ذلك قوله لبطرس حالما استل سيفه ليدافع عنه "رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لِأَنَّ كُلَّ الذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ" (مت 26 :52). أيضاً يكره المسيح الرّياء، وفي الجهاد بالسلاح يضطر البعض إلى اعتناق الدين خوفاً من الموت أو الاضطهاد، وهذا عين الرياء والنفاق. فإذاً لا يقدر السيف أن يصيّر الإنسان مسيحياً،كما أنه ليس بالسيف انتشرت الديانة المسيحية في القرون الأولى، وحتى في عصرنا الحاضر الذي رجحت فيه قوة النصارى على العالم أجمع لا تجبر المسيحية رعاياها المسلمين أو الوثنيين على اعتناق ديانتها بالسيف ولا بما هو دونه من وسائل الإجبار، بل تتركهم وشأنهم يبتغون الدين الذي يصادف استحسانهم، لأنهم يعلمون أن الإيمان الحقيقي لا يمكن أن يكون بالإلزام والضغط. وعليه فكل دين ينتشر بالإكراه ليس بحق، وبالتالي ليس من عند الله، وفضلاً عن أن السيف لم يستخدم قط لصالح المسيحيين فإنه استخدم لمقاومتهم واضطهادهم أكثر من أي دين آخر على وجه الأرض، فإن أكثر رسل المسيح استُشهدوا في ختام حياتهم بعدما عانوا أتعاباً وضيقات تفوق الوصف في خدمة الإنجيل، وأوصوا أتباعهم بالصبر في احتمال أنواع العذاب حباً بالمسيح وعمل السيف فيهم وعملت النار مما أدهش مضطهديهم واستمال قلوب أعدائهم فانجذبوا إلى المسيح حتى قال كبريانوس إن دماء الشهداء بذار الكنيسة، وبات قوله مثلاً مضروباً، وليس بالفصاحة والبلاغة جُذب الناس إلى الإيمان، بل بالعكس كانت كرازتهم بسيطة معنى ولفظاً - 1كو 2 :1-5 و12 و13.
ولما كتبوا البشائر والرسائل - التي أطلق عليها الإنجيل - بإلهام الروح القدس، لم يستعملوا لغة عالية لا يفهمها إلا الراسخون في العلم، بل كتبوا ما كتبوه بأبسط العبارات مما يستطيع أن يفهمه الجمهور بغير عناء ليحصلوا من أقرب طريق على رحمة الله ونعمته ومحبته وصلاحه وحكمته، فتُستأثر قلوبُهم إلى الخلاص. والحق يُقال إن كلام الله ينبغي أن يكون من النوع البسيط قريب التناول حتى ينتفع به السواد الأعظم من الناس الذين لا يفهمون إلا قليلاً، وهم عند الله كالعلماء، لأنه ليس عند الله محاباة (مز 145 :9). وربما لأجل هذا السبب كتب الفيلسوف العظيم أفلاطون رسائل سقراط بلغة عصره المتداولة حتى يفهمها كل من يطلع عليها.
ثم أن الإنجيل لا يشجع أحداً على إشباع شهواته البهيمية، ولا يوهمه أنه بمجرد اعترافه بالمسيحية ينجو من عقاب الدنيا والآخرة

مع إصراره على خطاياه (مت 1 :21 ويو 8 :34 ورو 6 :1 و2 و11 و15-23). ووصف طريق الخلاص بأنها ليست واسعة يعبر فيها الإنسان وخطاياه معه، بل ضيّقة لا تسع إلا الإنسان وحده (مت 7 :13 و14) وعلَّم المسيح ورسله جماعة المؤمنين أن ارتكاب الخطية عبودية لإبليس، وأنه مستعد أن يمنح الحرية الحقيقية من نيرها الثقيل ومن نير الأهواء الجسدية والشهوات الرديئة، ومن ذلك قول الرسول بطرس "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ كَغُرَبَاءَ وَنُزَلَاءَ أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ الجَسَدِيَّةِ التِي تُحَارِبُ النَّفْسَ" (1بط 2 : 11) وأن يكونوا جنوداً أمناء للمسيح مستعدين أن يقدموا حياتهم، وذلك أولى من أن يرجعوا إلى عبودية إبليس وعبادة الأصنام.
ولم يشتغل الرسل بين المتمدنين فقط، بل اشتغلوا في كل البلاد المعروفة في عصرهم مثل مصر والشام ومكدونية وإيطاليا وغيرها، وظهرت نعمة الله للعيان في تحويل الأشرار إلى صالحين.

ابتدأت المجامع المسيحية تنعقد في كثير من المدن الشهيرة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 9678