Skip to main content

الوحي الحقيقي - إن إعلان الله أو مظهره لا يمكن أن يكون كتاباً، بل يجب أن يكون شخصاً

الصفحة 2 من 7: إن إعلان الله أو مظهره لا يمكن أن يكون كتاباً، بل يجب أن يكون شخصاً

(ثانيا) إن إعلان الله أو مظهره لا يمكن أن يكون كتاباً، بل يجب أن يكون شخصاً. وحتى تطَّلع الناس على حياته وأعماله وتعليمه يجب أن تُكتب في كتاب تحت إرشاد وهيمنة من هو معصوم من الخطأ ومنزَّه عن الكذب. ومن يطلع على الكتاب المقدس بروح الإخلاص والصلاة تنجلي له الحقيقة، ويجد المسيح الموعود به في التوراة والمسطورة حياته في الإنجيل بأنه المخلّص وكلمة الله وهو الشخص الوحيد الكفؤ لإعلان الله للناس، وقد أعلنه في صفاته وحياته وسيرته وموته وقيامته وتعليمه ووعوده. وبمقتضى هذا الإعلان الوحيد يحل الإنجيل معضلة الدهور التي لم يستطع كتاب آخر أن يحلها، ألا وهي: كيف يعلن الإله الغير محدود نفسه لمخلوقاته المحدودة؟ هذه معضلة أجهدت الفلاسفة في حلها وأسفر اجتهادهم عن خيبة، حتى أن علماء اليهود الذين لم يؤمنوا بالمسيح عجزوا أيضاً عن الإجابة على هذا السؤال، وكذا عجز علماء الإسلام. ومن أقوالهم في هذا الصدد ما ورد في كتاب ميزان الموازين حيث قال المؤلف: كل مُدرَك لا بد له من وسيلة يُدرَك بها، فيجب أن يكون بين المدرَك والمدرِك صلة توصّله إلى الإدراك. ولما كان الله غيرمحدود وخلائقه محدودة، عُدمت كل علاقة وانقطعت كل صلة بين الطرفين، وعليه لم تكن هناك وسيلة للإنسان أن يدرك الله. ولا يقدر أي مخلوق كائناً ما كان أن يدرك الخالق إلا أن مؤلف ميزان الموازين زعم أنه يوجد مخلوق يُدعى المخلوق الأول هو الحق الأعظم، خليقة الله الوحيدة، وجمال الأزل المطلق والنور الكلي ومظهر الله الكامل. فلما قصد الله أن يخلق الخلق ويعلن لهم ذاته خلق هذا المخلوق الأول، فصار موضوع محبته ومظهر صفاته. وبما أن الله أحبه فقد أحب الله كذلك وهذا المخلوق - على زعم المؤلف - هو الوسيط الأعظم والنبي المطلق، وكل ما حدث من بدء الخليقة وما يحدث إلى المنتهى حدث بواسطته!
هذا الرأي كيفما كان ليس له أصل في الإسلام، وإنما تطرق إليه أصحاب البدع وفلاسفة الوثنيين، ومنهم آريوس الهرطوقي الذي زعم أنه يوجد مخلوق أول خلق الله به العالم، وهكذا زعم ماني الفارسي. إلا أن ماني قال أن الشيطان بعد ذلك خلق الإنسان على صورة المخلوق الأصلي وصورته هو، أي جمع فيه النور الأعظم والظلمة كما في العالم الصغير. وتوجد طائفة يقال لها النحشية أو عبدة الأفاعي أو العرفاء، هؤلاء اعتادوا أن يحترموا الخنثى ويدعونه غير المغلوب، ويزعمون أن معرفته بداية معرفة الله. ومن أقوالهم إن بداية الكمال هي معرفة الإنسان، ونهايته هي معرفة الله، وعندهم أن آدم خُلق على صورة ذلك الإنسان الذي يدعونه الإنسان الأعظم والأكمل. ويزعم قوم من فرق اليهود يدعون بالقبالاه أخذوا عن الوثنين أيضاً، كما أخذ عنهم المسلمون، فقالوا إن الله الغير المحدود أراد من الأزل أن يُعرَف، وللوصول لهذا الغرض انبثق منه كائن، ومن ذلك الكائن انبثق كائن آخر وهلم جراً إلى العشرة. ومن هؤلاء العشرة يتألف الإنسان الأصلي ويسمونه بلسانهم اذام قذمون أو الإنسان السماوي، ورأسه مؤلفة من الانبثاقات الثلاثة الأولى، وأن آدم - أو الإنسان الترابي - خُلق على صورته بدون وضوح.
غير أن هذه التخمينات مع كونها من مواليد الأوهام لم تمهد السبيل قط إلى حل المعضلة المتقدمة، لأن المخلوق الأول مهما بلغت عظمته وسمت صفاته لا يزال مخلوقاً وبينه وبين الله ما لا يُقاس، وعليه لا يقدر أ ن يدرك الله لأنه لا توجد صلة بين المحدود والغير المحدود -كما قرر مؤلف ميزان الموازين- فضلاً عن أن بدعة المخلوق الأول تؤدي إلى عبادته دون الله، وهذا هو الشرك الذي يقول القرآن إنه خطية لا تُغتفر.
أما الإنجيل فيجيبنا على السؤال الغامض أفضل إجابة بينما الفلاسفة والعلماء عجزوا عن تصور وجود كلمة الله الذي هو واحد مع أبيه بالذات (يو 10 :30) وصار واحداً مع الإنسان بتجسده. فالكتاب الذي

أظهر لنا هذه الحقيقة يجب أن يكون صادراً عن الله. فالفرق إذاً بين تعليم المسيحيين وفلاسفة الإسلام في ما تقدم ذكره هو أن أولئك الفلاسفة استنبطوا من عالم الخيال كائناً لا هو إله ولا إنسان وقالوا إنه هو الوسيط بين الله والناس وشفعوا استنباطهم لهذا الكائن بآراء يهودية ووثنية مبنية على الحدس والتخمين. وأما نحن النصارى فنقول إن الوسيط الوحيد بين الله والناس، هو يسوع المسيح الذي هو إنسان تام وإله تام واستندنا في قولنا لا على رأي الفلاسفة ولا المبتدعين، بل على كتاب الله الأمين. ومن المعلوم أن المسيح كائن حقيقي ليس وهميا افترض وجوده للضرورة بل له وجود حقيقي، كما هو مثبوت في الإنجيل والقرآن. هذا الذي أعلن الله لنا بمثال حياته الكاملة في القداسة كما بأقواله وهو الذي قدم لله كفارة عن خطايانا بذبيحة نفسه على الصليب. فإن قارنت بين آرائهم وآرائنا ظهر لك الحق من الباطل وعرفت أي الفريقين المبتدع وأيهم المتبع لتعليم الله على لسان أنبيائه ورسله الذين أوحى إليهم الكتاب بالروح القدس.

من الأدلة على أن الإنجيل من الله أنه يملأ فراغ النفس من حيث شوقها لمعرفة الله
الصفحة
  • عدد الزيارات: 10705