الوحي الحقيقي - يظهر حق الإنجيل من انتشار المسيحية في العصور الأولى
(تاسعا) يظهر حق الإنجيل من انتشار المسيحية في العصور الأولى وغلبتها على وسائل التدمير التي أثارها عليها إبليس والأشرار (مت 16 :18) ولا تزال رافعة أعلام النصر إلى عصرنا الحاضر. والعجب العجاب أنها انتشرت وغلبت بدون وسائط بشرية لأن الرجال الذين وكلت إليهم الكرازة بالإنجيل كانوا فقراء مالاً وعلماً وكرزوا بما يخالف رغبات الناس وميولهم وعاداتهم وبما هو بعيد عن عقولهم وتصوراتهم واشترطوا على الذين يقبلون كرازتهم أن يقبلوا الاضطهاد من الأعداء مهما اشتدت وطأته حتى الموت الأليم بدون أن ينتقموا لأنفسهم أو يطلبوا النقمة من الله على مضطهديهم، بل الأحرى يباركوهم ويدعوا لهم بالدعوات الصالحات (أع 7 :60) فمن كان يظن أن ديانة كهذه يروج سوقها في هذا العالم الأثيم ولكن بما أنها من عند الله راجت بالرغم عن سهام الأعداء الملتهبة حتى أنه لم يمض عليها بضعة قرون حتى امتدت إلى كل جهات العالم وقلبت كيان الوثنية رأساً على عقب في سوريا ومصر وآسيا الصغرى واليونان والرومان إلى غير ذلك من البلدان المشهورة، بدون سيف ولا إكراه، بل بالإيمان واللطف والمحبة والشجاعة الأدبية والأمانة حتى موت الاستشهاد مع الكرازة ببساطة الإنجيل. ألا يدل ذلك على أن روح الله القدوس أيد المسيحيين الحقيقيين ووهبهم صبراً وشجاعة حتى شهدوا لسيدهم واستمالوا قلوب الأعداء وربحوهم للإيمان بالمسيح إلى أن صاروا له جنوداً وأعواناً. نعم إننا لا ننكر أن بعض الأديان الأخرى انتشرت ولكن بالترغيب والتهديد العاجلين والآجلين مثل أن يأتي الداعون البلاد يحملون في اليد الواحدة الكتاب الذي يدعون إليه وفي اليد الأخرى السيف. ولست أخالك تجهل أن السيف عند الكثيرين برهان قاطع حتى قالوا إنه أصدق أنباءً من الكتب. وأما الترغيب مثل أن يرغبوا الناس بتعدد الزوجات وتبديلهن من حين إلى حين بما لذ وطاب في هذه الحياة الدنيا وتعليق رجائهم في الحياة الأخرى بزوجات أكثر وجمال رائع فتان. فإن انتشرت ديانة بمثل هذه الوسائل لا يكون انتشارها دليلاً على أنها من عند الله لأن الله قدوس يبغض الشر ويمقت الفجور والبغي والبهتان فشتان بين المسيحية وبين الأديان الأخرى.
فإن قِسْت الكتاب المقدس على الشروط التي نتوقعها بالبداهة في الوحي الحقيقي حسبما ذكرنا في المقدمة نجدها متوفرة فيه بحيث لا نتردد في الجزم بأنه موحى به من الله وخصوصاً لأنه يشهد من أوله إلى آخره للمسيح كلمة الله، أي مظهره الكامل الحقيقي.
- عدد الزيارات: 11122