Skip to main content

الإيضاحات المختصة بهذا السر الإلهي - التعليم متفق مع ما نتصفحه من موجودات العالم التي حولنا ومن طبيعة الإنسان الداخلية

الصفحة 2 من 5: التعليم متفق مع ما نتصفحه من موجودات العالم التي حولنا ومن طبيعة الإنسان الداخلية

أما غرضنا الآن فهو أن نبين أن التعليم متفق مع ما نتصفحه من موجودات العالم التي حولنا ومن طبيعة الإنسان الداخلية وإذا وجد أحد القراء أنه عاجز عن فهم بعض الإيضاحات التي سنذكرها أو وجدها شيئاً لا يُعتد به فنكون قد حاولنا عبثاً أن نزيل هذه الصعوبات التي تعترضه في سبيل فهم هذا التعليم ولكن فشلنا هذا لا يمنعه من أن يعتقد أن الكتاب المقدس يعلم هذا التعليم. إننا الآن لا نتكلم عما جاء في الكتاب ولكننا نريد أن نبين أن الطبيعة تعلمنا عن هذا السر الإلهي العظيم وإن اعترض بعضهم بقوله أن الطبيعة لا تعلمنا هذا السر بصراحة تامة فنحن نوافقهم على ذلك لأن غرضنا هنا كما قلنا هو أن نشرح مثله من الطبيعة الحقائق التي أعلنها الله لنا في كتابه.
أجمع الفلاسفة أن كل موجود له ثلاث نسب أو درجات وهذه النسب أو الدرجات هي الذات والصورة والقوة ( ) وعلى ذلك يمكنا أن نقول أن كل شيء منظور لدينا أو مدرك بحواسنا ينحصر تحت ثلاث مقولات وهي الكم والكيف والنسبة أو الإضافة ( ). إذن فمعرفتنا بهذا الشيء هي معرفتنا لثلاثة أشياء. ولو تركنا كل هذه الأفكار وتأملنا مثلاُ في النار نجد أنها تحتوي على ثلاثة أشياء وهي الحرارة والنور واللهيب وإن كانت هذه الأشياء الثلاثة تختلف عن بعضها البعض ولكنها تكون معاً ناراً واحدة ولا يمكنا أبداً أن نجد ناراً ينقضها شيء من هذه الأشياء الثلاثة. نجد أيضاً أن الشعاعة الواحدة من الشمس تتكون من ثلاثة ألوان وهي الحمرة والخضرة والزرقة ولكن جمع هذه الألوان لا تفقد وحدتها في الشعاعة الواحدة وفي هذه الشعاعة أيضاً نجد نوراً وحرارة وقوة كيماوية ولكن وجود هذه الأشياء الثلاثة لا يحول الشعاعة الواحدة ثلاثاً.
إن الإنسان يحتوي على جسد ونفس وروح (1تسالونيكي 5: 23) ولكن هذه الثلاثة لا تجعله ثلاثة أشخاص ولا تغير وحدة ذاتيته فروح الإنسان هي النسمة الداخلية التي يمكن أن تكون بواسطتها علاقة مع الله ويقدر أن يستمد منه الإرشاد والقوة التي يحتاجها حتى يعرف ويعمل واجبه الذي عليه أما النفس فهي الحلقة المتوسطة بين الجسم والروح وهي جوهر الحياة Vital principle .
يقول بعض فلاسفة المسلمين عن الروح أنها النفس الناطقة والعقل المدرك وقالوا عن النفس أنها الروح الحيوانية ولكن يسهل علينا معرفة الفرق بين الروح والنفس بأن نقول أن للحيوانات أنفساً وليست لها أرواح وأن الإنسان سيحيا بعد الموت لأن فيه روحاً ومن تعاليم الكتاب المقدس عن القيامة يتضح أن علاقتنا بالجسد غير وقتية (أي باقية بعد قيامة الأجساد) فيجوز لنا والحالة هذه أن نتكلم هكذا عن طبيعة الإنسان الثلاثية ولكننا حتى ولو تركنا الجسد جانباً نجد أن في ذات الإنسان الداخلية الغير منظورة ثلاث وجودات وهي الروح والنفس والعقل ولا ضرورة بنا أن نذكر الفرق بينها فكلنا مسلم بذلك إنما المهم هنا أن نبين أن التعدد لا يناقض وحدة الإنسان ولفظة "أنا" تُطلق على كل منها.
يقول الإنسان "أنا أؤمن بالله" يكون المتكلم حينئذ هو الروح ويكون الضمير "أنا" هنا عائداً عليها. ولما يقول "أنا أعيش" تكون النفس حينئذ ناطقة بالضمير عينه "أنا" ولما يقول "أنا أفكر" يكون المتكلم هنا العقل. من هنا يظهر أن ذاتية الإنسان لا تتغير أبداً فهي واحدة على الدوام. إن إخواننا المسلمين يسلمون بالقول أن تعدد الصفات متفقة مع وحدة الجوهر. ولكنا لا نتكلم الآن عن صفات الإنسان وإنما وجد أن تعدد الإنسان الداخلي أي (روحه ونفسه وعقله) لا يخالف وحدة شخصيته فمن الخطأ أن يقول أحد أن وجود تعدد مع وحدة مستحيل ويناقض العقل.

يستحيل إدراك الله كوحدة محضة مطلقة بلا صفات
الصفحة
  • عدد الزيارات: 11920