Skip to main content

الإيضاحات المختصة بهذا السر الإلهي - ظن البعض أنه من الممكن استخراج تعليم من ديانة قدماء المصريين يشابه تعليم الثالوث

الصفحة 4 من 5: ظن البعض أنه من الممكن استخراج تعليم من ديانة قدماء المصريين يشابه تعليم الثالوث

ظن البعض أنه من الممكن استخراج تعليم من ديانة قدماء المصريين يشابه تعليم الثالوث في الوحدة ولكنهم بعد أن طالعوا ودرسوا الكتابات الهيروغليفية وجدوا أنه قد خاب ظنهم إذ أن المصريين كانوا يعبدون آلهة كثيرة ولم تكن عبادتهم قاصرة على الحيوانات فقط وكانوا يعتقدون أن كل هذه الآلهة تفرعت من أصلين هما الأرض أبوها والجو أمها- أما أشهر آلهتهم فهي تسعة ولكنهم بعد زمن وجدوا أن هذه الآلهة زادت عن اللازم فاختاروا لأنفسهم منها ثلاثة آلهة عظيمة في ثلاثة أماكن مختلفة ففي هيليوبوليس كان معرفاً بتوم Tum ورع Ra وحورم خوتي Horem Khuti وهذه الثلاثة تمثل الشمس عند غروبها والشمس وقت النهار والشمس عند شروقها فكانوا يعبدون شمساً واحدة في ثلاثة أشكال مختلفة وفي ثيبا كان عمون Amonوموت Mut وبتح أوخوفو Ptah or Khonsu وهنا نجد أيضاً ثلاثة آلهة وهي الأب والأم والابن كما الحال في أوزيريس وإزيس وحورس ويحكي عن هؤلاء الثلاثة الآلهة خرافة مشهورة لكنها بلا فائدة.
وكان المصريون يعتقدون أن آلهتهم لها جسم هيولي فمن أناشيدهم التي كانت تُنشد للإله أوزيريس قولهم "أن جسمك من معدن جميل لامع ورأسك زرقاء كزرقة السماء وجمال وبهاء الفيروز يكللانك" وربما كان هذا الإله يمثل الشمس أيضاً والآن قد ظهر أن للمصريين آلهة كثيرة كل منها قائم بذاته فمن الخطأ إذاً أن نقول بوجود توحيد في ديانة المصريين القديمة وجود تعليم يشابه تعليم الثالوث في الديانة المسيحية ولا يوجد ما يشابه أيضاً في ديانة عبدة (لاما) في تبيت. قيل أن بعض فلاسفة اليونان وفلاسفة الأمم القديمة الأخرى توصلوا إلى الإيمان بعقيدة "الثالوث في الوحدانية" وكان من بين هؤلاء أفلاطون الفيلسوف اليوناني المشهور الذي عاش قبل المسيح بأربعمائة سنة، ففي كتبه شيء كثير من الحكمة يستحق الاعتبار ولكنا لم نر له معرفة صريحة بوحدة الله ولم يذكر شيئاً عن تعليم الثالوث وقد بين في كتابه المسمى "طيميوس" أن الخالق الذي يسميه صانع أو أب هذا الكون خلق العالم من المادة التي كانت فيه قبلاً ونظمه ورتبه وجعل كل الأشياء فيه طبقاً لأنموذج كائن من قبل لا يتغير وبما أن العالم حي لوجود العقل والنفس فيه فيسميه أفلاطون "إلهاً ثانياً" وهنا أظهر فكراً سامياً أفضل من قول الوثنيين بتعدد الآلهة ولكنه يصعُب جداً أن نقول أنه كان يؤمن بإله واحد لأنه كان يسلم بوجود آلهة الوثنيين ولم يظهر أنه كان يؤمن بخالق ذي ذاتية وكان يعتقد بقول وثني اليونان أن الآلهة هي أبناء السموات والأرض وكان يقول أن الخالق يعتبرها آلهة الآلهة. وفي الغالب أنه من وجهة لم يعبد هذه الآلهة ومن الوجهة الأخرى لم يعتبر الخالق مالك وحافظ العالم الذي خلقه لأنه قال بعدئذ أن الخالق بعد أن أرسل الآلهة رجع إلى حالة السكينة التي كان عليها قبل الخليقة وأن عقل ونفس العالم يشبهان تماماً عقل ونفس الإنسان وأن السيارات لا شك أنها ذات نفس حية لما لها من الحركة الدائمة.
كان يوجد في الإسكندرية فيلسوف يهودي اسمه فيلون وكانت آراؤه التي اقتبسها من حكمة المصريين متفقة بعض الاتفاق مع آراء أفلاطون وقد زعم بعضهم أن هذا الفيلسوف علم تعليم الثالوث ولكن ليس الأمر كذلك، بل كان يؤمن بوحدة الله لأنه كان يهودياً وتعلم ذلك من الكتاب المقدس وبما أنه كان شاعراً باطنياً، فكان يستعمل عبارات مجازية لا حقيقية فيشرك بالله بعض صفاته أو أفعاله وبهذه الكيفية أورد التثليث ثم اقتداء بالثلاثة آلة المصرية أوزيريس وازيس وحورس التي كان يريد شرحها قال أن الخالق كأب والمعرفة كأم ومنهما خرج الكون كابن وتكلم عن الله كأنه قائم بين قواته المبدعة وقواته الحاكمة وأنه سيظهر في زمن ما واحداً وفي زمن آخر ثلاثة ولكن هذه الكتابة التصويرية الخيالية لا تعني وجود ثلاثة أقانيم في إله واحد، فشتان الفرق بينهما. ولما كان يذكر عبارة "كلمة الله" كان يعني بها تدبيراً إلهياً به خلق الله العالم أو العلاقة الرمزية التي بها يتحد جميع أجزاء الكون معاً وفي أقواله الصوفية يشبه عقل الله بابنه البكر ولكن لا يفهم من قرائن الأحوال ومن سياق كلامه أنه يقصد بذلك أن العقل أقنوم في الوحدة الإلهية ولم يذكر فيلون أن الروح القدس أقنوم وعلى كل حال فقد ختم كلامه بأن الجمع في بعض الأمور لا يخالف الوحدة.
وقد جرى بعض فلاسفة المسلمين مجرى فيلون في ما يختص بهذا الموضوع ولكن كل ما كتبوه في الغالب كان نتيجة تعمق في الفكر تعمقاً أبعدهم عن الحق أو عدم معرفة تعليم الثالوث في الديانة المسيحية معرفة تامة. ولما كان عندهم من التشامخ والكبر وما فيهم من التعصب الذي منعهم عن قبول تعليم الله بكل احترام وخضوع رأوا أنهم مضطرون أن يسلموا بأن ذات الله ليست واحدة محضة بل فيها بعض التعدد وقد جاء ذلك صريحاً في كتبهم.
ففي كتاب الاصطلاحات، قال الكاشاني عن ذات الله "التجلي الأول هو التجلي الذاتي وه تجلي الذات وحدها لذاتها وهي الحضرة الأحدية التي لا نعت فيها ولا رسم إذ أن الذات التي هي الوجود الحق المحض ووحدته عينه لأن ما سوى الوجود من حيث هو وجود ليس إلا العدم المطلق- التجلي الثاني هو الذي يظهر به أعيان الممكنات الثابتة التي هي شيوع الذات لذاته وهو التعين الأول بصفته العالمية القابلية" (باب تفصيل الذات).
لا بد من اعتراضات كثيرة ضد نظرية الصوفيين هذه ولكن أقوالهم أظهرت أنه لو كانت وحدة الله مجردة عن الصفات التعددية فألوهيته تعجز عن إعلان نفسها فالنتيجة المنطقية لتوحيد كهذا هي اللا أدرية المطلقة (أي أن الإنسان لا يعرف عن الله وعن الكائنات أدنى المعرفة) ومن آرائهم في خليقة الكون أنه حصل تغيير في الذات الإلهية الغير متغيرة. وطبقاً لهذا الزعم الفاسد تكون الكائنات ليست عمل يدي الله بل هي منبثقة منه وهذا هو الاعتقاد بألوهية الكون لأنه يفيد أن جميع الكائنات مشتركة في الطبيعة الإلهية. وهذا التجديف هو نتيجة السعي لرفض تعليم الكتاب المقدس عن الثالوث الأقدس ولذلك وجد الصوفيون أنهم مضطرون بالتسليم بالتعدد في الذات الإلهية ولكن هذا الجمع يفسد الوحدة ويقود إلى الإيمان بتعدد الآلهة المستقلين الذي هو ضد تعليم الثالوث الأقدس على خط مستقيم.
كتب أحد علماء الإسلام في كتابه (الاصطلاحات المستعملة في علم الفقه) "التعين الأول يعنون به الوحدة التي انتشت عنها الأحدية والواحدية وهي (أي الواحدة) أول رتب الذات وأول اعتباراتها وهي القابلية الأولى يكون نسبة الظهور والبطون الياء على الواو ( ) - يعتبر بالتعين الأول عن النسبة العلمية الذاتية باعتبار تمييزها عن الذات الامتياز النسبي لا الحقيقي. فإما أن الوحدة هي أول التعينات للذات من جهة أنه لا يصح أن يعقل وراءها إلا الغيب والاطلاق- التعيين الثاني هي رتبة الذات وهي الرتبة التي تظهر فيها الأشياء ظهوراً وتمييزاً علمياً ولهذا تسمى هذه الحضرة حضرة المعاني- وهذا التعيين الثاني هو صورة التعيين الأول وذلك أنه لما وجب انتقاء الكثرة في التعين الأول وكذا التمييز والغيرية لكون التعين الأول هو حقيقة الوحدة الحقيقة النافية جميع ذلك مع أنها (أعني الوحدة) لكونها متضمنة لنسب الواحدية واعتباراتها التي لا تتناهى تعينات أبديتها لزم من ذلك أن يكون التعين القابل الكثرة (التي هي صورة ظلالات الاعتبارات المندرجة في الوحدة) تعيناً ثانياً لها فذلك هو التعين الثاني لا محالة- فجميع الأسماء الإلهية المنتهى التأثير والفعال وجميع الشئون والاعتبارات مندرجة في الوحدة فجملة وحدانية ( )- فإنما تصير مفعولة متميزة في هذا التعين الثاني الذي يُسمى بالمرتبة الثانية وتسمى هذه المرتبة بمرتبة الألوهية وبالنفس الرحماني وبعالم المعاني وبحضرة الارتسام وبحضرة العلم الأزلي وبالحضرة العمائية وبحقيقة الإنسانية الكمالية وبحضرة الأماكن- فكل ذلك إنما هذا التجلي حسب الاعتبارات الثابتة فيه مع توحد عينه.
وأما تسميته بالمرتبة الثانية فلكون صورة التعين الأول الذي هو مرتبته الذات الأقدس- وإنما تسميته بمرتبة الألوهية فذلك لما عرفته من كون التجلي الثاني الظاهرية وفيه هو أصل جميع الأسماء الإلهية التي جمعها الاسم الجامع وهو اسم الله تعالى ولهذا يسمى هذا التجلي الكائن في هذه المرتبة باسم الله ولا إله إلا الله لرجوع جميع العابدين إلى هذه المرتبة المتجلي فيها وكونها مقصدهم الذي تسكن إليه نفوسهم وتطمئن بها قلوبهم" (انتهى).
وقد قال الجيلاني في شرحه لجلثان الراز المحمودي "أصبح جوهر الأحدية في حاجة إلى التعين الأول الذي هو الخليج الفاصل بين الوجوب والإمكان صارت الأحدية بمناسبة هذه الأحوال أسماء مقدسة لا شبيه لها (وهم يسمون التعين العقل والقلم والروح الأعظم) وأما كثرة الأسماء فهو راجع لتعدد الصفات وقد ثبت مصدر كل الموجودات المنظورة وغير المنظورة (التي سموها الوجودين) في صورة هذا التعين الأول بواسطة تفاوت وامتياز علم الله وفي هذا التجلي ظهرت النفس الرحيمة التي معناها ظهور الحقيقة في صورة الموجودات وهذا التجلي نفسه سبب وجود جميع الكائنات والمرتبة الأولى التي قبلت هذه النعمة هي التعين الأول" وقد ذكر الشاعر جامي في كتابه "تحفة الأحرار" ما يفيد هذا المعنى أيضاً.

بعض عقلاء الإسلام وعلمائهم وأئمتهم يسلمون بوجود تعدد في وحدة الذات الإلهية
الصفحة
  • عدد الزيارات: 11889