شهادة العهد القديم - الشخص الذي كان مزمعاً أن يعد الطريق أمامه قد سماه أشعياء يهوه أي الرب والله
كان هذان تلميذي يوحنا المعمدان وكان أحدهما البشير يوحنا الحبيب الذي كتب بواسطة إعلان الروح القدس كل ما سمعه بأذنه من يوحنا المعمدان. وهنا نتعلم مما ذكرناه أن الشخص الذي كان مزمعاً أن يعد الطريق أمامه قد سماه أشعياء يهوه أي الرب والله (اقرأ إصحاح 40: 3) وفي هذا تأييد لألوهية المسيح المنتظر الرب يسوع المسيح.
ولنرجع الآن إلى النبي ميخا الذي كان معاصراً للنبي أشعياء وقد ذكر ميخا اسم الموضع المزمع أن يولد فيه المسيح المنتظر وصرح بوجوده منذ الأزل كما قال "أما أنت يا يبت لحم افراته وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (ميخا 5: 2) وقد فهم اليهود المعاصرون للمسيح أن هذه الآية تشير إلى مسيا المنتظر حقاً إذ لما تشاور هيرودس الملك مع الكهنة والكتبة وسألهم أين يولد المسيح أجابوه "في بيت لحم اليهودية" وذكروا له هذه الآية إثباتاً لأقوالهم وأيضاً في ترجوم يوناثان وكذلك في التلمود الأورشليمي وفي تفاسير قمخي وتنخوم وأبانيل يُقال أن المذكور في هذا المقام هو الملك المسيح- وعدم قبول اليهود للمسيح بصفته المسيا الحقيقي لا يؤثر أبداً في تفسيرهم لهذه الآية وقد بين ميخافي نبواته عن المسيح "أن مخارجه ( ) منذ القديم منذ أيام الأزل" وهذه الأقوال تؤيد صريحاً أن المسيح كان منذ الأزل وهذا إثبات صريح لذاته الإلهية لأن الله لا سواه هو الكائن منذ الأزل كما يقول صاحب المزامير "منذ الأزل إلى الأبد أنت الله" (مز 90: 2) وهذا ينطبق تماماً على ما في (يوحنا 1: 1و2) "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله هذا كان في البدء عن الله" ويعلمنا النبي أرميا عن ألوهية المسيح بقوله "ها أيام تأتي يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويجري حقاً وعدلاً في الأرض في أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمناً وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا" (أرميا 23: 5و6).
أن الشرح اليهودي القديم المسمى "الترجمة الآرامية" يقول أن العبارة "وأقيم لداود غصن بر" معناها "وأقيم لداود مسيا البار" ويقول ربي داود قمخي المفسر اليهودي المشهور أن "الغصن" معناه المسيح وهنا أيضاً العبارة الأخيرة التي تقول "الرب برنا" لا تثبت صريحاً ألوهية المسيح ولكن لو أضفنا إليها ما سبق ذكره من الآيات العديدة لتوصلنا إلى المعنى العميق المقصود. وهذه النبوة التي نحن بصددها الآن تشير إلى الحوادث التي ستحدث عند مجيء الرب يسوع المسيح ثانية عندما يقبله الإسرائيليون ويجدون فيه السلام.
وأننا نجد أيضاً آيتين مهمتين إثباتاً لألوهية المسيح في نبوات زكريا قال في الأولى منهما "وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات فينظرون إلى الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له ويكونون في مرارة عليه كمن هو في مرارة على بكره" (زكريا 12: 10). إن الترجمة اليونانية السبعينية القديمة التي عملت قبل ميلاد المسيح بزمن طويل تقول "وينظرون إلي" كما في الأصل العبراني الذي يستعمله اليهود. ولو صح ذلك فكان الله يشير إلى اتحاده ووحدته مع كلمته الذي جاء إلى العالم وطُعن على الصليب ولكن توجد بعض الكتب العبرانية تقول "وتنظرون إليه" بدلاً من "تنظرون إلي" ويمكنا اعتبار هذه صحيحة أيضاً لأن يوحنا ذكرها في إنجيله ولكن علماء المسيحيين يعتبرون غموض هذه الآية والتباسها ولذا نقول لهم أن لا أهمية لها ما دام توجد آيات كثيرة في العهد القديم تظهر صريحاً ألوهية المسيح أما الآية الثانية الموجودة في (زكريا 13: 7) تقول "استيقظ يا سيف على راعي وعلى رجل رفقتي يقول رب الجنود اضرب الراعي فتتشتت الغنم" أما معنى هذه الآية فلا يحتاج إلى إيضاح وقد ذكر المسيح جزءاً منها في الليلة التي كانت قبل صلبه فظهر أنها تشير إليه وإلى تلاميذه إذ قال "أن كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة لأنه مكتوب أني أضرب الراعي فتتبدد الخراف" (مرقس 14: 27) ونلاحظ هنا أن الله تكلم عن المسيح في نبوات زكريا كراعيه بل وأكثر من ذلك كرفيقه وصاحبه فمن من البشر أعطي له لقب كهذا؟- ذلك موضح في الإنجيل إذ يقول المسيح "أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف… أما أنا فإني الراعي الصالح وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب وأنا أضع نفسي عن الخراف… أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد… أن الآب فيّ وأنا فيه" (يوحنا 10: 11و14و29و30و38). ولو قارنا أقوال المسيح نفسه وبما كتبه النبي زكريا في هذا الشأن لوجدنا المعنى ظاهراً واضحاً وأن العهدين القديم والجديد متفقان كل الاتفاق على ألوهية كلمة الله.
نقرأ أيضاً في أخر سفر من أسفار العهد القديم وهو نبوة ملاخي ما يأتي "هاأنذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به هوذا يأتي قال رب الجنود" (ملاخي 3: 1) ويقول ابن عزرا المفسر اليهودي أن الرب يقصد بهذا الملاك ملاك العهد وأن ملاك العهد هو مجد الرب الذي ظهر في السحاب" (خروج 16: 19) وأن تلك السحابة هي "التي حلت على خيمة الاجتماع" (خروج 40: 34) والتي قادت بني إسرائيل في البحر الأحمر وفي البرية علامة على حضور الله معهم وقال ربي سليمان يرخي المشهور براشي أحد مفسري اليهود أيضاً أن "السيد" معناه "إله القضاء" أما ربي داود قمخي فيقول أن"السيد" معناه "مسيا الملك" وهذه التفاسير كلها متفقة مع أقوال العهد الجديد كما سنرى الآن وتظهر صريحاً ألوهية المسيح.
قال المسيح لتلاميذه أن الجزء الأول من هذه الآية يشير إلى يوحنا المعمدان (اقرأ متى 11: 10 ولوقا 7: 27 ومرقس 1: 2) ولما امتلأ زكريا بالروح القدس تنبأ عن ابنه يوحنا فقال "وأنت أيها الصبي نبي العلي تُدعى لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه" (لوقا 1: 76). هذه الآية لا تبين فقط أن يوحنا المعمدان هو الملاك الذي تكلم عنه ملاخي ولكن تبين أيضاً أن الشخص الذي كان مزمعاً أن يهيئ الطريق أمامه هو الرب وهذه حقيقة ظاهرة لان المتكلم هنا هو"رب الجنود" ويقول عن يوحنا المعمدان "فيهيئ الطريق أمامي" فمما لا يحتاج إلى بينة الآن أن الشخص الذي أعد يوحنا المعمدان أمامه الطريق هو يسوع المسيح كلمة الله.
- عدد الزيارات: 19784