Skip to main content

تأثيرات الصابئين واليهود - في اقتباسات أخرى

الصفحة 9 من 9: في اقتباسات أخرى

(6) في اقتباسات أخرى:

(أ) في القرآن كلمات عبرية وكلدية وسريانية عجز مفسرو المسلمين عن تفسيرها لجهلهم بتلك اللغات. ومن هذه الكلمات: توراة - تابوت - جنة عدن - جهنم - حَبر - سكينة - طاغوت - فرقان - ماعون - ملكوت وغيره. فمن أراد معرفة حقيقة معنى هذه الكلمات القرآنية عليه أن يراجع قواميس اللغات العبرية والكلدية والسريانية. ومن له إلمام بعلم صرف اللغة العربية واشتقاقها لا يسعه إلا الاعتراف بأن كثيراً من هذه الكلمات ليست من أصل عربي، ولم تُصَغْ من أصولها حسب قواعد اللغة العربية. مع أن هذه الأصول نفسها موجودة في العربية، كما هي موجودة في اللغات الأخرى المذكورة.

(ب) واقتبس القرآن من اليهود أموراً أخرى، مثلما ذُكر في سورة الإسراء 17:44 وسورة المؤمنون 23:86 أنه يوجد سبع سموات، وتكلم في سورة الحِجر 15:44 عن سبعة أبواب لجهنم. وهذان الأمران مأخوذان من كتابين من كتب اليهود أحدهما يسمى «حكيكاه» Hagigah (باب 9 فصل 2) وثانيهما «زوهر» (فصل 2 ص 150). وقال الهنود أيضاً إنه يوجد سبع دركات تحت الأرض وسبع درجات فوقها. وكل من هذين القسمين مستند على رأس من رؤوس ثعبان ضخم اسمه «شَيشه» له ألف رأس. فالمدوَّن في الكتب الهندية وفي الخرافات اليهودية وفي الأحاديث الإسلامية أصله واحد. فما ورد في «عرائس المجالس» (ص 5-9) عن سبع دركات الأرض موجود في كتاب «أفستا» Avesta وهو كتاب ديني لقدماء الفرس يقول إن الأرض تشتمل على سبع «كثور» أو سبعة أقاليم. وورد في أحد أبواب الأفستا (يشت باب 19 فصل 31) إن جمشيد استولى على «الأرض التي تشتمل على سبعة أقاليم».

(ج) وورد في سورة هود 11:7 عن عرش الله: «كان عرشه على الماء» وهو يطابق الروايات اليهودية المذكورة في تفسير المفسر اليهودي المشهور «راشي» (اختصار لرابي شلومو يتسحاقي) الذي قال في تفسيره على تكوين 1:2 «إن العرش المجيد استقر في الهواء، وعام على المياه».

(د) وقال المسلمون إن الله سبحانه عيَّن على جهنم ملاكاً، وهو يطابق قول اليهود في كتبهم القديمة عن رئيس جهنم. غير أن المسلمين انتحلوا اسم هذا الملاك من عبدة أصنام فلسطين القدماء، الذين كانوا يسمّون أحد آلهتهم الكاذبة الذي كان يترأس على النار «مولك» وهو اسم فاعل باللغة العبرية، كما أن مالك هو اسم فاعل باللغة العربية.

(هـ) وورد في القرآن: «وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال» (سورة الأعراف 7:46) وقالوا إن الأعراف موجود بين السماء وجهنم، واقتبسوا هذا من اليهود، فقد ورد في كتاب «مدراش» في تفسير سفر الجامعة 7:14 «أنه لما استفهم بعضهم «ما هي المسافة بين السماء وجهنم؟» أجاب ربي يوحانان: «إن بينهما حائط». وقال ربي أخاه «إنها مسافة شبر». وقال الربانيون إنهما متقاربان بحيث تنفذ أشعة النور من أحدهما إلى الآخر. ومنشأ الوهم وجود الأعراف في كتاب «أفِستا» للزردشتيين (أي قدماء الفرس) واسم الأعراف بلغتهم «مسوانوكاتس» (فركند 19) واسمه بلغة بهلوي «مسوت كاس» ويقول مذهب الزردشتيين إن المسافة بين السماء وجهنم قدر المسافة بين النور والظلمة.

(و) وورد في سورة الحجر 15:18 و34 عن الشيطان الرجيم أنه «استرق السمع» ومثل هذا في سورة الصافات 37:8 وسورة الملك 67:5. وأصل ذلك مأخوذ من خرافة من الخرافات اليهودية وردت في كتاب «حكيكاه» (باب 6 فصل 1) عن الشياطين أنهم ينصتون من وراء حجاب ليطَّلعوا على الحوادث المستقبلة.

(ز) وورد في سورة ق 50:30 «يوم نقول لجهنم: هل امتلأتِ؟ وتقول: هل من مزيد؟». وورد في الكتاب اليهودي «أوتوت دربي عقيباه» ما يطابق ذلك، قوله: «رئيس جهنم يقول يوماً فيوماً: أعطني طعاماً حتى أستكفي».

(ح) وورد في سورة هود 11:40 وفي سورة المؤمنون 23:27 أنه في أيام طوفان نوح «فار التنور» وأصل هذا المعنى مأخوذ من كتابين من كتب اليهود أحدهما كتاب «روش هشاناه» فصل 16:2 وثانيهما رسالة تسمى «سنهدرين» فصل 108 ونص عبارتيهما أن جيل الطوفان دينوا بالماء المغلي.

(ط) وقد قلنا إن صوم رمضان ليس مطابقاً لعادة اليهود بل لعادة الصابئين. غير أن محمداً انتحل من اليهود شيئاً له ارتباط بهذا الصيام، فقد ورد في سورة البقرة 2:187 أمر بخصوص الأكل والشرب في الليل في شهر رمضان، ونصها «كلوا واشربوا». وورد في «مشناه برأخوت» (باب 1 فصل 2) أن أول النهار هو الوقت «الذي يمكن للإنسان أن يميِّز فيه الخيط الأزرق من الخيط الأبيض». فهل حصل هذا الاتفاق الغريب بين القرآن والكتاب اليهودي اتفاقاً؟ وهل يمكن أن يكون هذا الاتفاق من قبيل توارد الخواطر؟

(ي) وجرت عادة المسلمين في جميع البلاد أن يؤدّوا كل يوم الصلوات الخمس المفروضة عليهم في أوقاتها المقررة حيثما كانوا، سواء في بيوتهم أو في الشوارع أو في أي محل آخر. وهم يؤدون الصلاة في المحال التي يكثر فيها مرور الناس بالمصلّين، واختصّوا بهذه العادة غير المستحسَنة، لأن جميع الملل يستهجنونها وينكرونها. ولا شك أن اليهود الذين كانوا في بلاد العرب في عصر محمد اعتادوا هذا الأمر، لأن كثيرين منهم كانوا من ذرية الفرقة التي اسمها «فريسيون» والتي ذُكرت كثيراً في البشائر الأربع، فتناسلوا منهم تناسلاً طبيعياً. ومن لم يتناسل منهم طبيعياً كانوا على مذهبهم، وقد وصفهم الإنجيل بأنهم كانوا «يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع، لكي يظهروا للناس» (متى 6:5). ونعرف بالاستنتاج أن المسلمين أخذوا هذه العادة منهم، فقد قال محمد إن اليهود هم أهل الكتاب وذرية إبراهيم الخليل، فاقتدوا بهم متوهمين أن تلك العادة أيضاً مأخوذة عن إبراهيم.

(ك) ومن الغرائب أن القرآن قرر أنه نزل للتصديق على الكتب اليهودية المقدسة، واقتبس صريحاً آية واحدة منها وردت في سورة الأنبياء 21:105 «ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذِّكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون». والوعد المذكور في الزبور الذي استشهد به القرآن جاء في مزمور 37:11 «أما الودعاء فيرثون الأرض».

(ل) وهناك أمران آخران اقتبسهما المسلمون من اليهود. فقد قال المسلمون إن القرآن كُتب في اللوح المحفوظ قبل إنشاء العالم «بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ» (سورة البروج 85:21 و22). وقبل الخوض في الكلام على اللوح المحفوظ ينبغي أن نسأل علماء الإسلام: هل كان الزَّبور قبل القرآن أم لا؟ وهل هو أقدم منه عهداً وأسبق زمناً أم لا؟ لأنه ذكر في الآية التي أوردناها من سورة الأنبياء أن ما اشتملت عليه هذه الآية بخصوص ميراث عبيد الله الصالحين كُتب قبلاً بأمر الله في الزبور. ومما يؤيد هذه القاعدة المصطلح عليها أننا إذا عثرنا مثلاً في كلام «مثنوي» لمولانا الرومي على شطرة من بيت شعر ضمَّنها بعض عبارات مقتبسة من كتاب «شاه نامه» مثلاً أو عبارات القرآن، جزمنا جزماً أكيداً بأن الشاه نامه أو القرآن متقدم على تأليف «مثنوي». وعلى هذا القياس نقول إننا إن رأينا في القرآن آية من آيات مزامير داود النبي يتضح لنا جلياً أن القرآن لم يكن موجوداً قبل أيام النبي الذي أُوحي إليه الزبور. ولكن إذا أخذنا في البحث والتحري عن معلومات المسلمين التي استفادوها بخصوص اللوح المحفوظ وجدنا هذه البينات في مثل هذه الكتب وهي «قصص الأنبياء» (ص 3 و4) ونصها «ومن تحت العرش خلق (الله) لؤلؤة، ومن تلك اللؤلؤة خلق اللوح المحفوظ، وارتفاعه سَفَر سبعمائة سنة وعرض سَفَر ثلثماية سنة، وكان مرصَّعاً بالياقوت الأحمر. ثم بقوة الله تعالى ثم صدر الأمر إلى القلم: اكتب علمي في خلقي وما هو كائن إلى يوم القيامة - كتب أولاً في اللوح المحفوظ بسم الله الرحمن الرحيم، أنا الله لا إله إلا أنا. من يستسلم لقضائي ويصبر على بلائي ويشكر على نعمائي كتبتُه وبعثتُه مع الصديقين. ومن لم يرضَ بقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر على نعمائي فليطلب رباً سوائي، ويخرج من تحت سمائي. ثم كتب القلم علم الله في خلق الله تعالى كل شيء أراده إلى يوم البعث، حتى مقدار تحريك الشجرة أو نزولها أو صعودها وكتب كل شيء مثل هذا بقوله تعالى».

وأصل هذه القصة موجود في كتب اليهود، غير أن المسلمين توسَّعوا وبالغوا فيما كتبه اليهود في هذا الصدد. فقد ورد في توراة موسى أن الله لما أراد أن يسلِّم الوصايا العشر لبني إسرائيل (خروج أصحاح 20) سلَّمها لموسى كليمه، فكتب: «في ذلك الوقت قال لي الرب: انحت لك لوحين من حجر مثل الأوَّلين واصعد إليّ إلى الجبل، واصنع لك تابوتاً من خشب، فأكتب على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الأولين اللذين كسرتهما وتضعهما في التابوت. فصنعت تابوتاً من خشب السنط ونحت لوحين من حجر مثل الأولين وصعدت إلى الجبل واللوحات في يدي، فكتب على اللوحين مثل الكتابة الأولى الكلمات العشر التي كلمكم بها الرب في وسط النار في يوم الاجتماع، وأعطاني الرب إياها ثم انصرفت ونزلت من الجبل، ووضعت اللوحين في التابوت الذي صنعت فكانا هناك كما أمرني الرب» (تثنية 10:1-5).

وورد في 1ملوك 8:9 وفي رسالة العبرانيين 9:3 و4 أن هذين اللوحين حُفظا في تابوت العهد الذي صنعه موسى حسب أمر الله. وهذا هو معنى اللوح المحفوظ أو بالحري معنى اللوحين المحفوظين. وقد ورد في سورة البروج 85:21 و22 «بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ» ولم يقل في «اللوح المحفوظ» فوردت كلمة «لوح» نكرة بدون أداة التعريف. فمن الواضح إذاً أن قوله إن القرآن كُتب على لوح محفوظ ليس أنه كتب على اللوح الواحد المحفوظ، بل لابد من وجود لوح آخر أقل ما يكون. فإذا قيل: لماذا قال محمد إن القرآن كُتب على لوح محفوظ؟ قلنا: يجب أن نبحث في الكتب اليهودية لنرى ما قاله اليهود في عصر محمد وقبله عما كتب في اللوحين اللذين حُفظا في تابوت العهد. ومع أن التوراة صرحت بما لا يقبل الشك أن ما كُتب على اللوحين كان الوصايا العشر (تثنية 10:4) أو العشر كلمات كما ورد باللغة العربية، إلا أن اليهود توهَّموا بعد مدة من الزمان أن جميع كتب العهد القديم وأيضاً كل التلمود كُتب عليهما أو على الأقل نزلت معهما. ولما سمع محمد من اليهود هذا القول عن شريعتهم حذا حذوهم، ونسب إلى شريعته ما نسبه اليهود إلى شريعتهم، فادَّعى أن القرآن كان مكتوباً في لوح من اللوحين المحفوظين، أو كما قال في سورة البروج «في لوح محفوظ». ولما كان المسلمون لا يعرفون معنى قوله «لوح محفوظ» ابتدعوا هذه القصة التي تقدم ذكرها. وقال اليهود عما اشتمل عليه هذان اللوحان: قال الربي شمعون بن لاقيش: أما الذي كتب فهو «فأعطيك لوحي الحجارة والشريعة والوصية التي كتبتها لتعليمهم» (خروج 24:12) واللوحان هما الوصايا العشر والتوراة هي التي تُتلى، والوصية هي «المشناة»، والتي كتبها هي «الأنبياء والكتب» ولتعلمهم «الجمارا». ويُستفاد من هذا أنه أوحى جميعها لموسى من جبل سيناء.

وكل يهودي ذكي يرى وجوب رفض التفسير الباطل لهذه الآية، لأنه يعرف إن كتاب «المشناة» كُتب نحو سنة 320م وكُتب «الجمارا الأورشليمي» نحو سنة 430م، وكُتب «الجمارا البابلي» نحو سنة 530م. ولكن لما كان المسلمون يجهلون هذا قبلوا ما قاله جهلة اليهود وطبَّقوه على قرآنهم. فنرى من هذا أن هذه الرواية مأخوذة من هذا المصدر كغيرها من الروايات والقصص المدوَّنة في الأحاديث.

ولم ينفرد المسلمون بالاعتقاد أن لوحهم المحفوظ كان قديماً، فقد توهَّم اليهود أن اللوحين المشتملين على الوصايا العشر كانا قديمين جداً. فقد ورد في فرقي أبوت (باب 5 وفصل 6) أن هذين اللوحين مع تسعة أشياء أخرى خُلقت وقت خلق الدنيا وقت غروب الشمس قبل يوم السبت.

(م) وأصل ما ورد في الأحاديث الإسلامية عن «جبل قاف» الذي لا وجود له إلا في الوهم والخيال هو الكتب اليهودية، فأخذه المسلمون منها ونقلوه عنها. والبرهان على ذلك إننا إذا قارنا بين ما ورد في «عرائس المجالس» و«قصص الأنبياء» وبين ما يقوله اليهود نجد الأمرين واحداً. فقد ورد في «عرائس المجالس» (صفحتا 7 و8): «خلق الله تعالى جبلاً عظيماً من زبرجدة خضراء خُضرة السماء منه، يُقال له جبل قاف فأحاط بها كلها (أي الأرض) وهو الذي أقسم الله به فقال «ق والقرآن المجيد» (سورة ق 50:1). وورد في «قصص الأنبياء» (ص 5) أن عبد الله بن سلام سأل محمداً: «ما هي أعلى قمة في الأرض؟ قال: هي جبل قاف. فقال: جبل قاف ممَّ هو؟ فقال: من زمرد أخضر وخضرة السماء هي منه. قال: صدقت يا رسول الله. قال: ما هو ارتفاع جبل قاف؟ فقال: إنه سَفَر خمسمائة سنة. وقال: كم هي المدة التي يقطع الإنسان فيها محيطه؟ فقال: إنها سَفَر ألفي سنة».

وأصل حكاية جبل قاف ما جاء في كتب أحد اليهود المسمى حكيكاه (باب 11 وفصل 1) في تفسير الكلمة العبرية «توهو» النادرة الاستعمال، ومعناها الفضاء والفراغ وقد وردت في تكوين 1:2. ويقول كتاب حكيكاه «توهو هو الخط الأخضر الذي يحيط بجميع العالم قاطبة، ومنه تنبعث الظلمة» فالكلمة العبرية التي ترجمناها «الخط» هي «قاف»Qav . فلما سمع محمد والصحابة قصة «قاف» لم يعرفوا أن معناها خط، وتوهَّموا أنها سلسلة جبال عظيمة اسمها قاف، تنبعث منها الظلمة . ولا حاجة للقول إن الجغرافيين الذين يبحثون في الكرة الأرضية وأقطارها جابوا أطراف الدنيا للاكتشاف، ولم يكتشفوا سلسلة جبال يصدق عليها الوصف الوارد في الأحاديث عن جبل قاف.

يتضح مما قيل في هذا الفصل صِدق ما ذهب إليه المعترضون من أن كتب اليهود (ولا سيما كتب التلمود المشحون بالخرافات) هي أهم مصادر الديانة الإسلامية . وإذ تقرر ذلك فيجدر بنا أن نبحث في المصادر الأخرى لهذه الديانة، وننظر إذا كانت الديانة الإسلامية قد انتحلت باقي عقائدها من الديانة المسيحية، خصوصاً من الكتب الملفقة والخرافات الباطلة التي كانت متواترة في عصر محمد بين بعض الفرق المسيحية الضالة وأصحاب البدع الباطلة.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 75669