Skip to main content

تأثيرات الصابئين واليهود - اليهود

الصفحة 3 من 9: اليهود

 اليهود:

كان لليهود في عصر محمد، ولا سيما قبل الهجرة، سطوة عظيمة في بلاد العرب، وكانوا أيضاً كثيري العدد. ومن أشد القبائل اليهودية بأساً وأعظمها شأناً بنو قريظة وبنو قينقاع وبنو النضير. ولما اتضح أنهم مصممون على عدم الاعتراف بنبوَّة محمد ورسالته، نشبت بينهم وبين المسلمين معارك، وبكل صعوبة ومشقة تمكَّن المسلمون من أن يغلبوهم بقتلهم أو طردهم من بلاد العرب. ومع أن أولئك اليهود لم يكونوا مشهورين بالمعارف، إلا أنهم حافظوا بغاية الحرص على كتب أنبيائهم، مثل خمسة أسفار موسى ومزامير داود وغيرها. ولهذا السبب قيل عنهم (وعن النصارى أيضاً) في القرآن إنهم «أهل الكتاب». ومع أن كثيرين منهم لم يكونوا يعرفون اللغة العبرية حق المعرفة، إلا أنهم نقلوا (كاليهود القاطنين في مصر وغيرها) بطريق التواتر كثيراً من القصص والروايات الموجودة في التلمود وغيره من الخرافات الباطلة. وكثيراً ما كانوا يكررونها، مع أنه لا أصل لها في توراتهم، عوضاً عن ذكر تعاليم الوحي الإلهي المدونة في الكتب السماوية. وما ذلك إلا لعدم فهمهم لشريعة موسى وسائر الكتب الربانية. وكانت العرب في أيام الجاهلية يراعون مقام اليهود، لأنهم كانوا متأكدين أنهم ذرية إبراهيم خليل الله، وأنهم كانوا لا يزالون حفظة كلمة الله.

فلما رأى محمد أن عبادة الأصنام ليست مناسبة، بل مكروهة أمام الله الواحد، ولما كان قد عزم على إرجاع قومه إلى دين إبراهيم الخليل، فالأرجح أنه وجَّه أنظاره إلى اليهود للاستفادة منهم. فاستفهم منهم عن عقائد دين إبراهيم وفرائضه. وإذا قارنا بين التعاليم والأخبار الواردة في القرآن والأحاديث، وبين التعاليم والقصص والحكايات التي كانت متداولة بين اليهود في تلك العصور يتضح لنا العلاقة والارتباط والمشابهة العجيبة. وما يؤيد أن محمداً تعلم من اليهود وأخذ عنهم كل ما أمكنهم أن يفيدوه به عن دين إبراهيم هو ورود آيات كثيرة في القرآن نصَّ فيها صريحاً بأن دين إبراهيم كان حقاً. وزِد على ذلك أنه شهد أن الله هو الذي أنزل كتب اليهود الموحى بها، وأن عندهم الديانة الحقيقية، فقال: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم، وقولوا: آمنا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون» (سورة العنكبوت 29:46). «قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسمعيل ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النبيون من ربهم. لا نفرِّق بين أحدٍ منهم، ونحن له مسلمون» (سورة البقرة 2:136). وبناءً على اقتناع محمد بصحَّة هذا الاعتقاد جعل بيت المقدس (أورشليم) في مبدأ الأمر قِبلة للمسلمين، لأنها كانت قِبلة اليهود.

وقد ردَّ بعض علماء المسلمين على أن محمداً أخذ من اليهود التعاليم والقصص الواردة في القرآن، والتي تشبه التعاليم والقصص الواردة في التلمود وفي كتب اليهود الأخرى بقولهم إن محمداً تسمَّى في (سورة الأعراف 7:157) «النبي الأمي» لعدم معرفته القراءة والكتابة، وعليه فهو لم يقرأ كتب اليهود. فكيف اقتبس منها تعاليمه؟

ونردُّ على ذلك بأن سبب تسميته «الأمي» هو أنه لم ينشأ بين اليهود بل نشأ بين الأمم، وقد اعتاد اليهود أن يطلقوا لقب «الأمم» على كل من لم يكن يهودياً، كما كان العرب يطلقون لقب «العجم» ليس على الفارسي فقط، بل على كل من لم يكن عربياً. ومعنى «عجمي» في الأصل «من ليس ذلق اللسان وفصيح المنطق». فإذا قرأنا في بعض الكتب العربية أن حافظ الشيرازي كان عجمياً، فليس المقصود أنه لم يكن فصيحاً، بل أنه لم يكن من العرب. وإذا فرضنا جدلاً أن محمداً كان أمياً لا يعرف القراءة ولا الكتابة، فهل كان يبعد عليه أن يستفهم من غيره فيعرف تعليم اليهود وعقائدهم؟ ولا شك أن هذا كان متيسِّراً له، ولا سيما أن بعض الصحابة كعبيد الله بن سلام وحبيب بن ملك وورقة بن نوفل كانوا من اليهود، أو يدينون بدين اليهود أولاً، ثم آمنوا بمحمد. ومع أنه لم يكن لهم إلمام تام بحقائق تعاليم العهد القديم الصحيحة، إلا أنهم كانوا يعرفون على الأقل بعض القصص والحكايات والخرافات التي كانت متداولة في تلك الأيام بين اليهود، وبلغت مبلغ التواتر. وإذا قارنا بين القرآن وبين تلك القصص المدوَّنة في التلمود وفي غيره من الكتب المشحونة بالأوهام التي لا تزال متداولة بين اليهود، اتضح لنا أن محمداً استعارها من كتب اليهود الفارغة. نعم لا ننكر أنه كثيراً ما ورد في القرآن أخبار عن سيرة إبراهيم وغيره من الأفاضل أكثر مما ورد في أسفار موسى الخمسة، ولكن أورد معارضو الإسلام القصص الآتية ليؤيدوا بها أن القرآن اقتبس قصصه وحكاياته من خرافات اليهود الفارغة:

قصة قايين وهابيل
الصفحة
  • عدد الزيارات: 75419