Skip to main content

موقف القرآن السلبى من المعجزة ، و فلسفته عند أهل عصرنا - معجزة خاتم الأنبياء

الصفحة 5 من 6: معجزة خاتم الأنبياء

 

4 ) معجزة خاتم الأنبياء

" ما بعث الله رسولا إلا و قد أيده بالآيات الكونية و المعجزات المخالفة للسنن المعروفة للناس ، و الخارجة عن مقدور البشر ، ليكون إظهارها على يديه ، مع بشريته ، دليلا على أنه مرسل من عند الله . فعدم حرق النار إبراهيم ، و ناقة صالح ، و عصا موسى ، و ما ظهر على يدى عيسى من العجائب ، كلها من هذا القبيل .
" و كانت الآيات حسية يوم أن كان العقل الانسانى فى الطور الذى لم يبلغ فيه الرشد بعد ، و يوم ان كانت هذه العجائب تبلغ من نفسية الجماهير مبلغا لا تملك معه إلا الإذعان و التسليم .
" فلما بدأ النوع الانسانى يدخل فى سن الرشد ، و بدأت الحياة العقلية تأخذ طريقها الى الظهور و النماء ، لم تعد تلك العجائب هى الأدلة الوحيد على صدق الرسالة .
" و لم يعد من السهل على العقل أن يذعن لمجرد شىء رآه خارجا عن عرف الحياة . إنه يريد شيئا جديدا يتناسب و الطور الذى وصل اليه : يريد الإيمان الذى لا تخالطه الشكوك و اليقين الذى يبدد الظلمات .

" و ما كان الله ليمد النوع الانسانى فى طفولته بما يحفظ به حياته الروحية ، ثم يدعه بعد أن أخذ سبيله الى النظر العقلى و الاستقلال الفكرى دون أن يقيم له من الأدلة ما يتناسب و الارتقاء الذى انتهى اليه : فكانت ان بعث محمدا صلعم و أيده بالمعجزة العلمية و الحجة العقلية و هو القرآن الكريم : " قل لئن اجتمعت الانس و الجن على أنه يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ، و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا " .
و نقول : ان الاستاذ العقاد يرجع الى منطق علم الكلام ، فيعلن ضرورة المعجزة لصحة النبوة ، و يعطى اعجاز القرآن أفضل معجزة له .
لكنه جاء بتعليل لا يتماشى مع التاريخ العام ، و لا القرآن نفسه . و قد نقل فى الحاشية التعليل القديم الذى كان ضعيفا : " كان السحر مشتهرا فى عهد موسى ، و كان الطب و إنكار الروح فى عهد عيسى ، و كانت البلاغة فى عهد محمد : فكانت معجزة كل نبى من جنس ما اشتهر على عهده . مع ملاحظة ان المعجزة فوق مقدور البشر فهى أعلى مستوى و أرفع قدرا " .
و فات الاستاذ ان القرآن دعوة قومية قبل أن يمسى دعوة عالمية : " و كذلك أوحينا اليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى و من حولها " ( الشورى 7 ) . و لغة القرآن تدل على قوميته : " و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم " ( ابراهيم 4 ) . فالقرآن دعوة لمكة و ما حولها قبل أن يكون ذكرا للعالمين . فهل كان الحجاز فى الجاهلية قبل البعثة على ما وصفوه فى التعليل القديم و التعليل الجديد ؟
فهل كانت البلاغة فى الحجاز الجاهلى أبلغ منها فى أنطاكية و أثينة و رومة ، ناهيك عن عواصم الهند و الصين ؟ أم هل كانت عناية العصر الجاهلى بالبلاغة أكثر منها بالشعر ؟ و قد قالوا : " الشعر ديوان العرب " . و القرآن ينص : " و ما علمناه الشعر ، و ما ينبغى له " ( ياسين 69 ) . هل كان الطب فى فلسطين على عهد المسيح ، عند شعب مستعمر مقهور مغلوب على امره ، أعظم منه فى دولة الرومان و دولة الفرس ؟ و هل كان السحر فى مصر ، على زمن موسى ، أوغل منه فى كل عصر و مصر ؟ إن تعليلهم هذا لا يصح أن تقوم عليه حجية إعجاز القرآن .
و لا تقوم فلسفة إعجاز القرآن على التعليل الجديد الذى خرج به السيد السابق و أمثاله . فهل بلغت جاهلية الحجاز سن الرشد أبلغ من عواصم الهند و فارس و اليونان و الرومان ؟ بل

هل كان فى الحجاز الجاهلى من الرشد نصيب زهيد مما كان فى دولة الأكاسرة و دولة الأباطرة ؟ أم هل كانت الحياة العقلية فى " أم القرى و ما حولها " أعظم من أنطاكية و أثينة ورومة ؟ هذا الزعم تحد لحقيقة التاريخ . و من المعروف أن العرب لم يأتوا سورية إلا بالدين ، و أخذوا الحضارة و الثقافة عن سورية المسيحية ، فى العهد الأموى . و فى العهد العباسى تكونت الحضارة و الثقافة الإسلاميتان بالعناصر التى أسلمت من الروم و الفرس و الهنود ، كما تشهد أسماء أعلامها الى اليوم ، و بالترجمات عن اليونانية و الفارسية و الهندية ، فكانت خلاصتها كلها .
لقد كانت جاهلية الحجاز فى طفولة عقلية و علمية بحاجة الى معجزة حسية ، أكثر منها الى معجزة عقلية و حجة علمية كالتى يرونها فى اعجاز القرآن ، لإثبات صحة النبوة و التنزيل . و القرآن نفسه شاهد عدل على وضعه التاريخى فى بيئته . فهو صراع متواصل بين محمد و المشركين على معجزة حسية من الله تؤيده : " لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله " ( الانعام 124 ) . فالمعجزة فى نظر أهل الشرك كما فى نظر القرآن هى " سلطان الله المبين " الذى كان " سنة الأولين " فى إثبات صحة نبوتهم : " و ما منع الناس أن يؤمنوا ... إلا أن تأتيهم سنة الأولين " ( الكهف 55 ) . لكن المعجزة منعت عن محمد منعا مبدئيا مطلقا ( الاسراء 59 ) و امتنعت عليه منعا واقعيا مطلقا ( الانعام 35 ، الاسراء 93 ) . فجدلية الاستاذ العقاد ينقصها الواقع القرآنى و التاريخى .
8 – و السيد عبد الكريم الخطيب ، فى " النبى صلعم إنسان الإنسانية ، و نبى الأنبياء " – سنة 1963 – يعرف أولا بالمعجزة : " المعجزة عند المؤمنين بالمعجزات : حدث خارق للعادة ، لم يجر على سنن الحياة ، و لا ناموس الطبيعة على الوجه الذى ألفه الناس و عرفوه ... و من أجل هذا لم تكن مخترعات المخترعين و لا أعمال العباقرة فى العلوم و الفنون و الآداب مما تدعى له " المعجزة " أو مما يتحدى به فى مقام الاعجاز ... و من هنا كانت المعجزة مصحوبة بالتحدى من جهة ، و بدعوى النبوة من جهة أخرى ... يقول ابن تيمية : انما تكون المعجزة آية إذا كانت من فعل الله ، مع التحدى بمثلها ، و دعوى " النبوة " ( ص 60 – 61 ) . و الخارق و التحدى و دعوى النبوة هى العناصر الثلاثة المكونة للمعجزة منذ أن قال بها المتكلمون ، و ان نازعهم فى ذلك الفلاسفة المسلمون .
ثانيا يقول مرددا مقالة قومه فى " اختلاف المعجزات باختلاف الأمم ... كما سنرى لماذا كانت معجزة النبى محمد معجزة عقلية تخاطب العقل الانسانى فى أعلى مستوياته و أدناها
جميعا ، فيما حمل القرآن من آيات بينات " ( ص 68 و 71 ) . " الرسالة الإسلامية اذن هى الرسالة التى أدركت الإنسانية حين بلغت رشدها و حين رفعت عنها وصاية السماء التى أقامتها على الناس عن طريق أنبياء الله و رسله الكرام . و شواهد التاريخ تؤيد هذا و تشهد له . فالانسانية لعهد محمد كانت فى آخر مرحلة من مراحل سيرها نحو النضج العقلى " ( ص 115 ) . " يتحدث الجاحظ فى كتابه ( حجج النبوة ) عن طبيعة الرسالة الاسلامية ، و أنها تتجه الى مجتمع يأخذ الأمور بمعيار العقل ، و ينظر فى اعقابها و ما تؤول إليه " ( ص 117 ) . فنظرية اعجاز القرآن معجزة عقلية ترجع الى الجاحظ . كذلك نظرية بلوغ البشرية فى عهد محمد سن الرشد و النضج العقلى .
ثالثا موقفه الضعيف علميا و نقديا تجاه أساطير السيرة قبل البعثة ، مثل النور فى جبين أبيه عبد الله ، و حلم آمنة أمه ، و قصة ولادته مختونا ، و قصة شق صدره طفلا : " موقفنا من جميع القصص التى رويت عن حياة النبى قبل البعثة ، أننا لا ننظر اليها بحسابها من دلالات النبوة ، و معجزات النبى ، و انما ننظر اليها جميعها على أنها – إن صحت – لم تكن لتزيد فى قدر النبوة و لا فى عظمة النبى ، و أنها – إن لم تصح – لم تكن لتنقص شيئا من قدر النبوة ، و لا من عظمة النبى ! " ( ص 196 ) . كذلك موقفه فى ما يسمونه " إرهاصات بين يدى النبوة " ( ص 197 ) ، و يرى فيها " صورا من الحق " ( ص 201 ) مثل دين الحمس من قريش ، و رجال فى الطليعة الى الاسلام ، و هم الحنفاء ، و أخبار الرهبان من النصارى و الاحبار من اليهود ، و الكهان من العرب الذين ينبئون بمجىء النبى العربى . فهوذا زيد بن نفيل الحنيف يطوف بالبلاد و الشام " فيلتقى براهب ينصح له أن يلتمس الحنيفية دين ابراهيم عند نبى سيبعث فى بلاده ، و ان زمانه قد أظل " ( ص 206 ) : راهب مسيحى ينصح بمتابعة دين غير دينه ، و نبى على غير دينه ! و أحبار اليهود الذين يحتكرون الله و كتابه و أنبياءه يتوعدون العرب بالنبى العربى ( ص 208 ) ! و يتابع السيد الخطيب فيقول : " و كان شق وسطيح أشهر كاهنين فى الجزيرة العربية قبيل مبعث النبى ، و لا نستبعد أن يكون لشق وسطيح استطلاعات فى موكب النبوة " ( ص 217 ) ثم ينقل لهما نبوءة مفصلة عن سيرة محمد و دعوته ( 218 – 220 ) ، و هو يستظرفها و ان شك فيها . كما ينقل لكاهنة مثلها ، و للكاهن ( خطر بن مالك ) ما هو أخطر: " مبعوث عظيم الشأن ، يبعث
بالتنزيل و القرآن ... ثم قال : هذا هو البيان أخبرنى به رئيس الجان . ثم قال : الله أكبر ، جاء الحق و ظهر ، و انقطع عن الجن الخبر ! ثم سكت فأغمى عليه : فما أفاق إلا بعد ثلاث . فقال : لا إله إلا الله ! ... ( ذكر ذلك فى حضرة الرسول ) فقال رسول الله صلعم : لقد نطق عن مثل نبوءة ، و انه ليبعث يوم القيامة أمة وحده " ( ص 221 – 223 ) . فلا يكفى القوم أن يستنطقوا الاحبار و الرهبان فى مبعث محمد ، حتى يستنطقوا الجن و العفاريت على لسان الكهان !
ثم ينتقل الشيخ الخطيب الى " معجزات الرسول بعد البعثة " ( ص 223 ) ، فيقول فيها قبل أن يعددها : " فإذا كان من الممكن ان يسلم – عقلا – بأن تخلو سيرة الرسول الى مبعثه من غير اشارات و دلالات تشير الى النبوة ... – و هو ما لا يمكن أن يسلم به أو يقبل بحال أبدا – فإن امكان عدم التسليم بهذا فى الفترة السابقة من حياة النبى قبل مبعثه يرتفع الى درجة المستحيل ان تخلو سيرة النبى خلال فترة النبوة من آيات و معجزات تشهد له " ( ص 224 ) . نحيل السيد الخطيب إلى أقوال زملائه " بأن القرآن وحده معجزة محمد " ، و إن استدرك فقال : " انها ليست من باب المعجزات التى تجىء للتحدى و تعجيز الناس عن الاتيان بمثلها ، ليعترفوا للنبى بمثلها " ( ص 225 ) ، بل " من نفحات النبوة ، و من شذاها العطر الذى لا ينفصل عنها بحال " ( ص 227 ) . فهو يقبل بها معجزات من النبوة ، لا معجزات تحدى لصحة النبوة ، مثل نبع الماء من أنامله ، وتكثير الطعام ، و شجرة تتكلم و تشهد لأعرابى ان محمدا رسول الله ، و شجرة يستنطقها فتشهد للنبى انه نبى : " فإذا تكلم الطير ! و سبح الحجر ! و مشى الشجر ! و شكا البعير ! و حن الجذع بين يدى الرسول ! فذلك مما لا ينكر أو يدفع " ( ص 236 ) . و ترى الخطيب يذهب بين الشك و اليقين فى أمر هذه المعجزات فيقول تارة : " و لا نريد أن نعيد القول هنا فيما يدور فى هذه المعجزات من جدل حول وقوعها أو عدم وقوعها على الوجه الذى رويت فيه و على الكثيرة التى تكاد تجعل حياة النبى و أعماله كلها خوارق و معجزات " ( ص 236 ) و يقول للحال : " و نعود فنقرر مرة أخرى ان كل هذه المعجزات و الخوارق التى رويت عن نبى الاسلام لم تكن – ان كانت – إلا شرارات من جذوة النبوة و إلاشعاعات من شموسها المشرقة . أما معجزة النبى الكبرى و آيته الخالدة فهى القرآن الكريم " ( 237 ) . لاحظ قوله : " لم تكن – إن كانت – إلا شرارات من جذوة النبوة " و صفة " معجزة النبى الكبرى " : أى تلك المعجزات كلها صغرى قائمة .

فهذا السير بين الشك و اليقين غير مقبول . لكن نشهد له انه أصاب الحق فى قصة " انشقاق القمر " من انه " سيقع حين تقترب الساعة " ( ص 241 ) ، و ان " الاسراء – على ما تشهد به الآية – لم يكن للإعجاز و انما هو رحلة روحية الى بيت المقدس ، مجمع الأنبياء ، و أول قبلة للإسلام " ( ص 243 ) .
رابعا و أخيرا يصل الى معجزة اعجاز القرآن : " الرسول و المعجزة الكبرى " ( ص 265 ) . فيقرر لها الأساس القديم ، " و الدليل على أنه معجزة خارقة للعادة تدل على ان موحيه هو الله وحده ، ليس من اختراع البشر ، هو انه جاء على لسان أمى لم يتعلم الكتابة ، و لم يمارس العلوم " ( 271 – 272 ) . و عن عناية المسلمين بعلوم القرآن يشهد : " لهذا كان ذلك الاختلاف المتشعب فى كل علم و فى كل فن من فنون العربية و علومها ... و من هنا كان الاختلاف الذى لا يكاد يحصر ، و الذى لا نجد له شبيها عند أمة من الأمم ، أو فى لغة من اللغات . و حسبنا أن نشير الى الفقه و ما فى أحكامه من آراء ! و النحو و ما فى مسائله من خلاف " ( ص 273 ) . فهل هذا كله شاهد لمعجزة الاعجاز ؟
ثم يقول : " إن دلائل الاعجاز فى القرآن – مع أنها تنتظم القرآن كله و تجرى فى كل آية من آياته – لا تكفى وحدها فى حسن استقبال الناس لها ، و فى صدق نظرتهم اليها ، ووزنها بميزان الحق و الانصاف " ( ص 277 ) . فهل هذه الظاهرة تجعل اعجاز القرآن معجزة للعالمين ؟
و فى مقابلة معجزات الرسل بإعجاز القرآن يقول : " إن الاعجاز القرآنى يخاطب العقل و يناجى الوجدان . على حين ان الاعجاز فى معجزات الرسل إنما يجابه الحواس و يصادم ناموس الطبيعة القائم فى الناس ، فيحدث فى الحياة زلزلة عنيفة تنبه الغافلين و توقظ النيام . لهذا كان الاعجاز القرآنى فى حاجة ملزمة الى قوة تظاهره و تفتح له القلوب و توجه اليه العقول و تقيم له فى الحياة مكانا راسخا و تجعل له فى الناس قدما ثابتة . و هذه القوة التى يحتاج الاعجاز القرآنى الى مظاهرتها ينبغى أن تكون هى ذاتها معجزة ... فكان هو صلعم عنوان هذا الكتاب الكريم " ( ص 279 ) . فحاجة القرآن الملزمة الى معجزة شخصية تظاهره هى البرهان على ان اعجاز القرآن ليس بمعجزة فى ذاته . و سنرى المعجزة الشخصية فى فصل آخر .

و يرى معجزة أخرى تؤيد اعجاز القرآن فى خلق العرب دولة تفتح دولة الفرس و دولة الرومان ، " هذا الاعجاز الرائع لقوة الايمان " ( ص 305 ) . فهل هذا أيضا يشهد لمعجزة الاعجاز فى ذاته ؟
و يرى أيضا فى الشريعة القرآنية معجزة . و فاته ما قاله من اختلاف فى الفقه المبنى على أحكام القرآن و شريعته .
فجل ما عند الشيخ الخطيب ان معجزة الشخصية النبوية لازمة لإظهار اعجاز القرآن لقد شذ عن سربه ، و جعل قوة المعجزة فى غير اعجاز القرآن نفسه .
9 – و السيد محمد الغزالى فى ( عقيدة المسلم ) الذى تواترت طبعاته فى مصر و لبنان و الكويت و غيرها ، يقول فى ضرورة المعجزة لصحة النبوة : " من حق الناس أن يسألوا كل رجل يزعم انه مرسل لهم من عند الله : ما دليلك على صدق قولك ؟ " ( ص 239 ) " و الدليل على صدق أية دعوى قد يكون بامور حارجة ، أو يكون بحقيقتها فى نفسها " ( 241 ) . " و قد كان التعويل فى العصور الأولى على الخوارق المادية فحسب ، أما ما تضمنته الأديان من حقائق فكانت منزلته ثانوية ، حتى جاء الاسلام فغض من شأن الاعجاز المادى ، و نوه بالاعجاز العقلى و القيم المعنوية للرسالات " . " كانت معجزات الأنبياء شيئا آخر غير الرسالات التى يبشرون بها و يدعون اليها . إلا ان الله شاء أن يجعل معجزة الرسالة الأخيرة شيئا لا ينفصل عن جوهرها . فجعل حقائق الرسالة و دلائل صحتها كتابا واحدا " باعجاز القرآن ( ص 243 ) . " فلتكن اذا معجزة نبى الاسلام عقلية " ( 245 ) . هذا ما يردده المتكلمون منذ الجاحظ ، و الفلاسفة الاسلاميون منذ ابن رشد . فلم يأتنا السيد الغزالى بجديد .
لكن الجديد عنده موقفه من المعجزات فى القرآن و السيرة : " إن الحكمة الإلهية اقتضت أن تبث فى طريق الرسول أنواعا من الخوارق التى أيد بها النبيون الأولون ، فجاءت هذه الخوارق تحمل طابعا خاصا ينبغى أن نعرفه حتى لا نتجاوز به حدوده الصحيحة . هذه الخوارق ثانوية الدلالة فى تصديق النبوة و الشهادة لها .
" و الطريقة التى أرسلت بها من عند الله تشير الى ان الحكمة الإلهية لم تعلق عليها كبير أهمية ، و لم تغض بها من قيمة المعجزة العقلية التى انفرد بها الرسول . فقد حدثت جملة من
هذه الخوارق بين المؤمنين ... وحدث بعض آخر أمام أعين الكافرين . بيد ان الصورة التى تم بها تثير الدهشة ، اذ كانوا يقترحون معجزة فتأتيهم أخرى ، أو يأتى ما يقترحون بعد سنين طوال ، و على وجه يبدو منه أن إجابتهم الى ما طلبوا لم تقصد أصلا . و ربما تهمل مقترحاتهم كلها فلا ينظر لها قط " ( ص 246 (.
فالسيد الغزالى يقبل اذا بصحة و تاريخية الخوارق و المعجزات المنسوبة الى محمد فى السيرة و الحديث . نحيله الى قول زميله الاستاذ عبد الله السمان الذى نقلناه : " و من المتأكد انه ليس لهم سند من قرآن صريح أو حديث صحيح " . فنظرية الغزالى ساقطة لاغية . و الاصرار عليها ضعف ، و ان اعتبرها " ثانوية الدلالة " .
و الجديد عنده أيضا نظريته فى الشخصية النبوية : " لئن كانت العبقرية امتدادا فى موهبة واحدة أو فى جملة مواهب ، إن النبوة امتداد فى المواهب كلها ، و اكتمال عقلى و عاطفى و بدنى ، و عصمة من الدنايا و رسوخ فى الفضائل كلها و عراقة فى النبل و الفضل " ( ص 254 ) . و مع النبى العربى " انتقل العالم من عهد الى عهد . و الكلام فى عظمة الشخصية التى حملت عبء هذه الرسالة يطول . و حسبنا ان الله عز و جل جمع فى سيدنا محمد صلعم من شارات السيادة و النبل ما تفرق فى النبيين من قبل " ( ص 256 ) ، " فإن خصال الكمال التى توزعت عليهم التقت أطرافها فى شخصية الكريم " ( ص 257 ) . و سنرى فى فصل " المعجزة الشخصية " فى السيرة و النبوة و فى الرسالة مدى الاعجاز فيها ، و هل " جمع الله ما تفرق فى النبيين من قبل " . تكفى شهادة القرآن التى عنها يغفلون : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك ، و ما تأخر " ( الفتح 1 ) ، " ألم نشرح لك صدرك ، ووضعنا عنك وزرك ، الذى أنقض ظهرك " ( الشرح 1 – 3 ) . و الوزر الذى ينقض الظهر ليس " باللحم " و لا بالصغيرة ، و هذا يدحض تفسير السيد الغزالى فى قصة استغفار محمد : " فليس استغفار الانبياء عن مثل ما نقارف من خطايا ، أو ترتكب من سيئات " ( ص 239 ) .
و الجديد عنده أخيرا تطرفه على أقرانه فى قصة تحريف التوراة و الانجيل و العقيدة فيهما : " و سريان الفساد الى الديانتين الكبيرتين السابقتين على الاسلام ، اليهودية و النصرانية ، و ما طرأ عليهما من تغيير ، و داخل كتبهما من تحريف ، جعل الاسلام هو الطريق الفذ للإيمان

السليم " ( ص 262 ) ، " و لا تحسبن هذا غلو فى تزكية مخلوق ، أو افتياتا على حق الخالق ، أو تجنيا على أتباع الرسل الأولين . فإن عيسى و موسى صلوات الله عليهما سارا بالناس الى الله على بصيرة ، و هم لا يدرون ما فعل أتباعهم من بعدهم . و لو عادوا إلينا لكانوا أول من يبرأ من الكتب الدسوسة عليهم ، و أول من يستمع الى آيات الذكر الحكيم و يبادر الى تنفيذ أحكامها ووصاياها ؟ " ( ص 263 ) . هذا غلو و تجن على القرآن نفسه الذى يعتبر الكتاب كله ، و على عهده نفسه " كتاب الله " فى عشر سور ( 2 : 101 ، 3 : 23 ، 5 : 44 ، 8 : 75 ، 9 : 36 ، 22 : 8 ، 30 : 56 ، 31 : 20 ، 33 : 6 ، 35 : 29 ) . يكفى قوله فى اليهود و النصارى : " الذين يتلون كتاب الله " ( 35 : 29 ) ، و يكفى تحدى القرآن للمشركين بالكتاب و القرآن على السواء : " قل : فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه ، إن كنتم صادقين " ( 28 : 49 ) . و تسمية القرآن للتوراة و الانجيل " كتاب الله " بتواتر شاهد قاطع على فساد مقالتهم بتحريف التوراة و الإنجيل القائم على تفسير خاطىء مغرض للفظة " تحريف " الواردة بمعنى تأويل مخالف " للكلم عن مواضعه " فى آية أو آيتين من التوراة ، و لا ذكر فيه للإنجيل على الاطلاق ( 1 ) . و قد نقلنا فى كتابنا ( مدخل الى الحوار الاسلامى المسيحى ) عشر شهادات كل واحدة من مجموعات قرآنية تشهد ان " صحة الكتاب و الانجيل عقيدة فى القرآن " ( ص 94 – 124 ) . و شهادة القرآن ان " هدى " القرآن و الكتاب واحد ( 28 : 49 ) برهان قاطع على ان عقيدة أهل التوراة و أهل الانجيل سالمة سليمة كما وصلت الى زمن محمد . و هذه الشهادة القرآنية الناطقة تسقط قول السيد الغزالى الذى يتهجم على عقيدة المسيحيين بقوله : " لم تصادف خرافة من الرواج فى العالم مثل اخرافة التى تعد عيسى إلها لهذا العالم – أو شريكا فيه مع الله ! ! " ( ص 65 ) . و نسى ان القرآن نفسه ينسب مرتين الى السيد المسيح المقدرة على الخلق ، مرة على لسان السيد المسيح : " انى أخلق لكم من الطين " ( آل عمران 49 ) ، و مرة على لسان الله نفسه : " و إذ تخلق من الطين " ( المائدة 110 ) . و لا غرابة فى قول السيد الغزالى بحق المسيحية ، فقد بلغ نقده القرآن نفسه ، حيث ينكر بعث المسيح و رفعه حيا الى الله ، قال : " لأنه فى حياته عبد ضعيف ، و بعد مماته رفات موارى فى حفرة من التراب " ( ص 67 ) . فما نظر حضرته بقوله :
و ما قتلوه و ما صلبوه ، و لكن شبه لهم " ؟ ( النساء 157 ) . و ما نظر حضرته فى قوله : " يا عيسى انى متوفيك و رافعك الى " ( آل عمؤان 55 ) ، " بل رفعه الله اليه " ( النساء 158 ) . ان رفع المسيح الى الله حصل فى آخرته على الأرض ، و لا ينتظر اليوم الآخر ، حتى يجعله السيد الغزالى " بعد مماته رفاتا موارى فى حفرة من التراب " !
فالسيد الغزالى مثل الشيخ الخطيب ، من القوم الذين يصعب عليهم التسليم بواقع القرآن و موقفه السلبى من كل معجزة تنسب الى محمد ، مهما قال العلماء المسلمون الصادقون بانتحال الخوارق و المعجزات لمحمد فى الحديث و السيرة ، كما نقلنا عنهم .
10 – و السيد عفيف عبد الفتاح طبارة أصدر ( روح الدين الاسلامى ) فى أربع طبعات من 1955 إلى 1960 ، أهداه الى " أهل الفكر الانسانى " . و فيه يقسم القول الى فصلين . الأول " بعض وجوه اعجازه " ( ص 20 ) . و سبب اختيار الله لأعجاز القرآن معجزة له أن " العرب كانت مفطورة على حب البلاغة و الأدب و الشعر و الخطابة ... جاء القرآن الكريم أفصح منها فيما هى قوية به " ( ص 27 ) – فهل فاقت العرب ، أم سبقت اليونان و الرومان ، و من قبلهم الهنود و الفرس ، بصناعة الكلام و الفطرة عليه ؟ فمناسبة الاعجاز معجزة ليست العلة القائمة . فما " اقتضت حكمة الله أن تكون معجزته من جنس ما نبغت فيه أمته " ( ص 30 ) . فقد كانت المعجزة الحسية " سنة الأولين " من الأنبياء أجمعين ، بشهادة القرآن نفسه . و المؤلف يكرر ما قالوه قبله . و إنما فاته ان القرآن نسخ التحدى بإعجازه عندما أنهى فترة التحدى به للمشركين – لا لغيرهم – بإعلان " متشابه القرآن " ( آل عمران 7 ) و المتشابه و الاعجاز لا يجتمعان . و بهذا النسخ لإعجازه لم " يسن نهجا جديدا فى البرهان على صحته " ( ص 31 ) ، و لم يقبله العرب حجة على صحة النبوة ، بدليل تحديهم الدائم له بمعجزة مثل الأنبياء الأولين ( الأنبياء 5 ) ، و امتنعوا عن التصديق حتى تأتيهم سنة الأولين " ( الكهف 55 ) .
و فى وجه الاعجاز على الاجمال يقول : " و أسلوبه مخالف لأساليب كلام العرب و مناهج نظمها " . و يستشهد على ذلك بأقوال الدكتور طه حسين ، و الباقلانى ، و الرافعى . وفاته وفاتهم أنه أسلوب نظم الكتاب ، كما كان يقرأه مع أستاذه و ابن عمه ورقة بن نوفل
قس مكة ، و ذلك بنص القرآن القاطع : " و شهد شاهد من بنى إسرائيل ( النصارى ) على مثله " ( الاحقاف 10 ) .
ثم يفصل بعض وجوه الاعجاز البيانى فيه : التصوير الفنى ، ضرب الأمثال ، التكرار ، الايقاع الموسيقى ، فى فصل " بعض خصائص أسلوب القرآن " ( ص 34 ) . و ينقل عمن سبقه " وجوه أخرى من إعجاز القرآن " ( ص 37 ) : فصاحته فى كل المواضيع ، وفرة بلاغته ، سلامته من التناقض و الخطإ ، سمو روحه ، غزارة معانيه . هذا هو الوجه البيانى ، الذى لا يمارى فيه أحد . لكن هل اعتبره القرآن معجزة له ؟ و هل يصح بذاته معجزة لتحدى العالمين ؟
و يرى وجها آخر فى " اشتمالته على أنباء غيبية " ( ص 40 ) . و هى على نوعين : نبوءات للمستقبل القريب و البعيد يراها فى استخلاف المسلمين فى الأرض ( النور 55 ) ، و عصمة محمد من الناس اعدائه ( المائدة 67 ) ، انتشار الاسلام بين العرب ( غافر 51 ، التوبة 32 ) ، تفرق المسلمين شيعا و محاربة بعضهم بعضا ( الانعام 65 ) ، و النوع الآخر : " و من الأنباء الغيبية التى أتى بها القرآن ، الأنباء عن قصص الأولين من الأنبياء " ( ص 4 ) . و هو يرى فى القصص القرآنى معجزة لسببين : الأول أمية محمد ، و هى تفسير لا يصح لاصطلاح قرآنى كما سنرى ، و الثانى " مما يشهد للقرآن أنه وحى إلهى أن قصص القرآن تخالف كثيرا ما ورد فى الكتب المقدسة و تسمو عليها " ( ص 41 ) . و فات حضرة المؤلف أن الخلاف الموجود بين القرآن و التوراة فى قصص الأنبياء وارد فى التلمود ، و ان عصمة الأنبياء مما ورد فى التوراة من ذنب لهم أو هفوة هى أيضا فى التلمود . و فات السيد طبارة شهادة القرآن لنبيه : " و لا أعلم الغيب " ( الانعام 50 ) . " و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسنى السوء : إن أنا نذير و بشير لقوم يؤمنون " ( الاعراف 188 ) ، " و لا أقول لكم : عندى خزائن الله ! و لا ( انى ) اعلم الغيب ! و لا أقول : انى ملك ... إنى إذا لمن الظالمين " ( هود 31 ) . فالقرآن يشهد بامتناع المعجزة الغيبية على محمد ، كما يشهد بامتناع المعجزة الحسية عليه ( الاسراء 59 و 93 ، الانعام 35 ) .
و يرى السيد طبارة وجها جديدا من الاعجاز فى روحانية القرآن ( ص 42 ) التى أتت بمعجزتين : الأولى جعل العرب " أمة موحدة قوية تنشر الفضل و الفضيلة و الكمال فى أرجاء

العالم المضطرب : أى حجة أكبر من هذه على أن القرآن وحى الهى ، و انه روح من عند الله " . و الثانية : " هذه الروحانية اشتملت على العلوم الإلهية و أصول العقائد الدينية و قوانين الفضائل و الآداب ، و قواعد التشريع السياسى و المدنى و الاجتماعى و غيرها من الأصول التى أتى بها القرآن ، و سبق بها كل الأوضاع البشرية التى من نوعها و التى يؤلف مجموعها الصرح الأدبى الضخم لهذه المدنية الحديثة ... كل هذا مشمول بالنص ، لا بالتأويل ، فى الأصول التى جاء بها القرآن فى القرن السابع الميلادى " ( ص 42 ) .
هذا ما يسميه " روح القرآن " ( ص 42 ) . و هو يستند إلى هذه الآية :" و كذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا : ما كنت تدرى ما الكتاب و لا الإيمان ، و لكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا ، و انك لتهدى ( قراءة أخرى أصح : لتهدى ) الى صراط مستقيم " ( الشورى 52 ) . وفاته ان تعبير " روحا من أمرنا " لا يعنى " روح القرآن " أو روحانيته ، بل ملاكا من عالم الأمر أى مخلوقا ، جاءه و هو معتكف فى غار حراء أمره ( الدخان 1 – 5 ) بالإيمان بالكتاب الذى جعله " نورا نهدى به من نشاء من عبادنا " ، لذلك يأمره : " قل : آمنت بما أنزل الله من كتاب " ( الشورى 15 ) . لاحظ القرينة " من أمرنا " و القرآن غير مخلوق فى ملته و اعتقاده .
و السند الثانى للإعجاز فى العقيدة و الشريعة هو أيضا أمية محمد : " فكيف يستطيع رجل أمى لم يقرأ و لم يكتب ، و لا نشأ فى بلد علم و تشريع أن يأتى بمثل ما فى القرآن منها تحقيقا و كمالا ، يؤيده بالحجج و البراهين " ( ص 43 ) . و نعرف أن أمية محمد مبنية على تفسير خاص لاصطلاح قرآنى متواتر . وفاته ان القرآن ينقض الاعجاز فى العقيدة بقوله : " فبهادهم اقتده " ( الانعام 90 ) ، و هو فى الهدى مع الكتاب سواء : " قل : فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه ان كنتم صادقين " ( القصص 49 ) . كما ينقض الاعجاز فى الشريعة بقوله : " يريد الله ليبين لكم و يهديكم سنن الذين من قبلكم " ( النساء 26 ) ، أى " الأنبياء فى التحليل و التحريم فتتبعوهم " ( الجلالان ) .
و الاعجاز فى الشرائع و الاخلاق و الآداب لمن يغلب الروح على الجسد ، و الآخرة على الدنيا ، و الدين على الدولة ، و الشريعة القرآنية دين و دولة ، دنيا و آخرة ، جسد و روح ، كما يرى العقاد نفسه ، فقد جمع القرآن مادية التوراة الى روحانية الانجيل فى " أمة وسط " .
و بعد هل من تحد بإعجاز بمثله بعد قوله : " و شهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله " ( الاحقاف 10 ) .
فترى ان السيد طبارة فى هذا الفصل لم يأت بجديد ، بل كرر ما رددته الأجيال من قبله . و علماء العصر المسلمون لا يرون فيه معجزة .
أما الفصل الثانى ، " معجزات القرآن العلمية " فهو من حاجة المحتاجين إلى معجزة لإثبات النبوة . و القرآن مثل الانجيل و التوراة كتاب هداية دينية ، لا كتاب علوم كونية . مع ذلك فهو يقول فى مغالطات مكشوفة : " إن القرآن لم تكن مهمته أن يتحدث الى عقول الناس عن مشكلات الكون و حقائق الوجود العلمية ، و انما هو كتاب هداية و إرشاد للناس فى حياتهم الدينية و الدنيوية . و لكن مع ذلك لم تخل آياته من التعبيرات الدقيقة و لا من الإشارات الخفية الى حقائق كثيرة من المسائل الطبيعية و الطبية و الجغرافية ، مما يدل على اعجاز القرآن و كونه وحيا من عند الله . و من الثابت تاريخيا أن محمدا صلعم ، فضلا عن كونه أميا لا يقرأ و لا يكتب ، قد نشأ فى مكة حيث لم تكن علوم و لا معارف و لا جامعات و لا مدارس تقرأ فيها العلوم الكونية ، كما ان محمدا كان بعيدا عن ذلك المحيط العلمى الذى كان موجودا فى الشام و الاسكندرية و أثينا و رومية . و مع ذلك فإن النظريات العلمية التى أشار اليها القرآن لم تكن معلومة فى ذلك العصر فى القرآن السابع الميلادى ، و لم يكتشف العلم أسرارها إلا منذ أمد قريب " ( ص 44 ) .
هذا هو الجديد الذى أتى به السيد طبارة ، مع من يحذو حذوه : فى القرآن اعجاز علمى ، سبق العلم العصرى بنيف و ثلاثة عشر قرنا . هذه معجزة ضخمة لو صحت . لكنها فى ذاتها و فى ظروفها سراب بسراب . إن أساس هذا الاعجاز العلمى واه جدا ، و هو يبنيه على ثلاث ركائز ضعيفة : أمية محمد ، نشأته فى مكة البعيدة عن مراكز العلم ، و عدم اتصال محمد بتلك المراكز . وفاته أن قريش كانت سيدة التجارة بين أطراف الجزيرة ، و أن محمدا كان شيخ تجارها فى تجارة زوجه خديجة التى " كانت تجارتها تعدل تجارة قريش كلها " ، و القرآن يعد رحلتى الشتاء و الصيف الى اليمن و الشام من نعم الله عليهم ، و أن تجار قريش و سيدهم محمدا كانوا على اتصال بمراكز العلم فى اليمن و دول الشمال العربى حيث علم الروم و الفرس و الهنود يتسرب و يتفاعل ، و حيث كان محمد خصوصا يتصل بالاحبار
و الرهبان حملة العلم فى كل زمان و مكان . و ورقة بن نوفل ، استاذ محمد بعد زواجه من ابنة اخيه خديجة ، كان محجة علم لأنه كان قسا على اتصال بالراهب بحيرة فى بصرى ، كما نقل الحديث و السيرة . و القرآن بنقل : " و أعانه عليه قوم آخرون " ( الفرقان 4 ) ، ان لم يصح قولهم فى القرآن نفسه ، فيصح فى " الكونيات " القرآنية ، و نعرف فى صحابته سلمان الفارسى ، صاحب فكرة الخندق ، و صيب الرومى ، و غيرهما . فقد كانت مكة أكبر سوق للتجارة و الثقافة فى الجزييرة ، و يحضرها التجار العرب و غيرهم ، و التجارة باب الى الثقافة . فإذا لم يذهب محمد فى طلب العلم الى الاسكندرية و الشام و أثينة و رومة ، فقد أتى أهلها بعلمهم و تجارتهم اليه فى مكة و فى أطراف الجزيرة . فأسس الاعجاز العلمى ساقطة .
ثم ان " التعبيرات الدقيقة و الإشارات الخفية الى حقائق علمية " لم يأخذها القرآن على حسب اصطلاحها كما يفعلون به ، و لم يفهمها المخاطبون العرب بحسب هذا الاصطلاح ، بل أخذها القرآن و فهموها بحسب معناها اللغوى ، مثل قوله فى الذرة : " من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، و من يعمل مثقال ذرة شرا يره " ( 99 : 7 و 8 ) ، " لا يعزب عنه مثقال ذرة " ، " لا يملكون مثقال ذرة " ( 34 : 3 و 22 ) ، " لا يظلم مثقال ذرة " ( 4 : 39 ) : فالمعنى اللغوى بارز ظاهر ، و ر أدنى اشارة الى اصطلاح علمى . فالقرآن أخذ بلغة قومه و نظرة زمانه الى ظواهر الكون ، و لم يقصد إلى تحدى الناس بالاعجاز العلمى . و كيف فاتتهم عناصر التحدى الثلاثة للمعجزة : العمل الخارق للطبيعة ، التحدى به ، و سلامته من المعارضة لدى العالمين . فأى شىء من هذه العناصر الثلاثة لصحة المعجزة فى " الكونيات " القرآنية ؟ ! حسب أهل المنحى العلمى فى موقف القرآن من كروية الأرض ، فقال مثل أهل زمانه بأنها مبسوطة ، و لذلك سموها " البسيطة " . انظر الى قوله : " و الله جعل لكم الأرض بساطا " ( نوح 19 ) أى " مبسوطة " ( الجلالان ) ، " و الأرض بعد ذلك دحاها " ( النازعات 30 ) أى بسطها و كانت مخلوقة قبل السماء من غير دحو " ( الجلالان ) : أهذا فى النص و التفسير من العلم فى شىء ؟ و كل تعابيره تدل على أن الأرض مبسوطة لا كروية : " و اذا الأرض مدت " ( 84 : 3 ) ، " و الأرض مددناها " ( 15 : 19 ) ، " و هو الذى مد الأرض " ( 13 : 3 ) ، " ألم نجعل الأرض مهادا " ( 78 : 6 ) ، " جعل لكم الأرض مهدا " ( 20 : 53 ، 43 : 10 ) ، " جعل لكم الأرض فراشا " ( 2 : 22 ) ، " و الأرض فرشناها " ( 51 : 48 ) . و يلاحظ الجلالان أن قول القرآن يخالف قول " علماء الهيئة " . و هل صحيح ان

الجبال رواسى تثبت الأرض و تمنعها أن تميد بالشر بحسب قوله : " و ألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم " ( 16 : 15 ) أى " جبالا ثوابت تتحرك بكم " ( الجلالان ) . و المعجز عنده أن السماوات قائمة بغير عمد تحملها ، و جبال الأرض تمنعها من أن تتحرك : " خلق السماوات بغير عند ترونها ، و ألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم " ( 31 : 10 ) . و العلم عنده أن السماء " سقف " للأرض : " و جعلنا السماء سقفا " ( 21 : 32 ) أى " سقفا للأرض كالسقف للبيت " ( الجلالان ) .
و نحن نقول : إن هذه التعابير لغوية بيانية تقول بظواهر الكون كما فهمها أهل زمانه ، و تشنيع على القرآن إذا أخذ بها بحسب اللغة و مجازها و بيانها . لكن هذا الواقع يمنع أمثال السيد طبارة من أن يرى معجزات علمية فى بعض أوصاف القرآن الكونية مثل : وحدة الكون و سر الحياة ( الأنبياء 30 ) ، نشأة الكون من دخان ( فصلت 9 – 11 ) ، تمدد الكون و سعته ( الذاريات 47 ) ، تحركات الشمس و القمر و الكرة الأرضية ( يسن 38 – 40 ) ، وجود أحياء فى السماء ( أى الفضاء الكونى ) ( الشورى 29 ، الاسراء 44 ، و 55 ، مريم 93 ) ، نقص الأوكسجين فى الارتفاعات ( الأنعام 125 ) ، تقسيم الذرة ( يونس 61 ) ، الزوجية فى كل شىء ( الذاريات 49 ) ، تلقيح السحاب ( النور 43 ، الحجر 22 ) ، اهتزاز الأرض بسبب المطر ( الحج 5 ، حم السجدة 27 ) ، توازن العناصر الكونية ( الرعد 8 ، الحجر 19 ) ، الأمواج الداخلية و السطحية ( النور 40 ) ، عالم الحيوان و الطير " أمم أمثالكم " فهو شبيه بعالم الانسان ( الانعام 38 ) ، مراحل نمو الجنين ( المؤمنون 12 – 14 ) ، أغشية الجنين فى " ظلمات ثلاث " ( الزمر 6 ) ، مصدر تكون الانسان من " الظهر " ( الاعراف 172 ) ، كيفية تكون الذكر و الأنثى من منى الرجل وحده الحامل صبغيات ذكرية أو أنثوية ( القيامة 37 – 39 ) ، الحيوان المنوى للانسان يشبه العلق ( العلق 1 و 2 ) ، اختلاف بصمات الانسان ( القيامة 1 – 4 ) . إذا أضفنا اليها العسل الذى " فيه شفاء للناس " ( النحل 68 – 69 )، فتلك عشرون معجزة علمية للقرآن تشهد بأنه " وحى إلهى " ( ص 44 – 59 ) .
يقول السيد طبارة فيها : " و هذه ( تلقيح السحاب ) مسألة لم يكن شىء منها يخطر ببال بشر قبل هذا العصر " ( ص 54 ) ، " و هذه الآية ( خلق الانسان من علق ) معجزة بليغة من معجزات القرآن لم تظهر وقت نزولها و لا بعده بمئات السنين ، الى ان اكتشف
المكروسكوب و عرف كيف يتكون الانسان من هذه الحيوانات " ( ص 58 ) . إن السيد طبارة بتسميته تلك الأوصاف الطبيعية " معجزات " يحيد عن جادة الصواب ، لأنه ليس فيها شىء من شروط المعجزة كما حددها علماء الكلام ، و لا اتخذها القرآن معجزة له على الاطلاق . و هو " يحرف الكلم عن مواضعه " ليقوله ما لا يريد ، ليرى فيه إعجاز علميا . فيه ما يرونه من اعجاز علمى ، فقد خاطب القرآن أهل زمانه و المسلمين ، قبل ثلاثة عشر قرنا بما لا طاقة لهم بمعرفته و فهمه ، و خطاب يعجز الناس عن إدراكه ليس بمعجز على الاطلاق . و القول الفصل هنا أيضا أن المعجزة منعت مبدئيا عن محمد ، و امتنعت عليه واقعيا ، فاكتشاف معجزات فى القرآن تناقض معه و نقض له .
11 – نختم ، من حيث وجب أن نبدأ ، بالسيد مصطفى صادق الرافعى فى ( إعجاز القرآن ، و البلاغة النبوية ) . صدر سنة 1923 . و لدى الطبعة الخامسة من سنة 1952 . لقد حاول الرافعى ان يفتح فتحا جديدا فى معجزة القرآن ، غير ما تداوله أهل الاعجاز ، فجاء كتابة قسمين . الأول يحاول أن يجد معجزة تاريخية فى " تاريخ القرآن " ( ص 30 – 74 ) " فالقرآن معجز فى تاريخه دون سائر الكتب ( ص 175 ) ، وفاته التفسير الصحيح لحديث الاحرف السبعة كما فصله الطبرى ، و معجزة لغوية فى تخليد العربية بخلود القرآن ( ص 74 – 86 ) وفاته تاريخ توحيد اللغات من قبل القرآن و من بعده ، فها التوراة تخلد العبرية ، و الانجيل يخلد اليونانية ، و معجزة سياسية فى تكوين القرآن للعرب دولة تفتح العالم و تؤدبه بأدب القرآن ( ص 86 – 99 ) ، و فاته تاريخ تكوين الامم و الامبراطوريات من قبل الاسلام و من بعده ، و معجزة اجتماعية بالاعجاز الأدبى الذى لقن الناس آداب الفطرة فى الاجتماع الانسانى ( 99 – 125 ) ،و فاته ان الفتح العربى لم يأت دول الهند و الفرس و الروم إلا بالدين ، و استجمع الاسلام حضارته من صفوة الحضارات المغلوبة ، و معجزة علمية ، و هى على نوعين ، الأول كان القرآن على أساس العلوم العربية كلها – و هذا لا مماراة فيه ، و الثانى " الآيات الكونية و العلمية فى القرآن " ( ص 126 – 155 ) فكان الرافعى على أساس القول بالاعجاز العلمى المشبوه فى القرآن . تلك خمس معجزات ليس فيها شرط من شروط المعجزة كما حددها المتكلمون من قبله . إنها من أفضال القرآن ، لا معجزات له .
يبقى القسم الثانى يسميه " إعجاز القرآن " ( ص 156 ) كما ورثه عن أسلافه . لكنه جدد البحث فيه و طوره الى مداه .
فى فصل أول يفصل " تاريخ الكلام فى القرآن " ( ص 160 ) . فكانت أول مقالة بخلق القرآن للبنانية أو البيانية . و تلقفتها الجعدية " فأضافت الى القول بخلقه أن فصاحته غير معجزة ، و أن الناس يقدرون على مثلها و على أحسن منها " . نجمت مقالة الجعد بن درهم مؤدب مروان بن محمد ، آخر خلفاء بنى أمية ، فى دمشق فأخذها عنه الخليفة نفسه ( ص 161 ) . و فى مطلع العهد العباسى بلغ التطرف قمته . فكانت " الرافضة " و على رأسهم الحكمية ، جماعة هشام بن الحكم " يزعمون ان القرآن بدل و غير و زيد فيه و نقض منه و حرف عن مواضعه " . " أما إنكار أشياء من القرآن نفسه ، على أنها ليست منه ، فقد وقع لبعض الغلاة ، كالعجاردة ، الذين ينسبون الى عبد الكريم بن عجرد ، فى أواخر المائة الأولى . فإنهم ينكرون أن سورة يوسف من القرآن لأنها قصة ، زعموا " ( ص 161 ) .
و ممن أنكر الاعجاز فى القرآن أيضا " الحسينية ، أصحاب الحسين بن القاسم العنانى ، الذين يزعمون أن كتبهم و كلامهم أبلغ و أهدى و أبين من القرآن " ( ص 169 ) .
" و أشدهم بعد الجعد بن درهم ، عيسى ابن صبيح المزدار ، و أصحابه المزدارية " ، " يقولون إن القرآن غير معجز ، لا بقوة القدر ، و لا بضعف القدرة " . " و قد زعم أن الناس قادرون على مثل القرآن فصاحة و نظما و بلاغة " ( ص 168 – 169 ) .
و ظهرت المعتزلة فحاولوا الجمع بين قول العامة و قول الخاصة ، فنادت النظامية " بأن الاعجاز كان بالصرفة ، و هى ان الله صرف العرب عن معارضة القرآن ، مع قدرتهم عليها . فكان هذا الصرف خارقا للعادة . قلنا : و كأنه من هذا القبيل هو المعجزة ، لا القرآن " ( ص 162 ) .
و الجاحظ ، مؤسس الجاحظية ، كان على رأيين مختلفين . فكان أول من ألف " نظم القرآن " لبيان إعجاز بيانه الذى جعله فى لفظه و نظمه – و هو القول الحق الى اليوم . لكنه تستر وراء مقالته بخلق القرآن و عدم اعجازه بالقول المشهور عنه : " ان القرآن جسم يجوز أن يقلب مرة رجلا و مرة حيوانا ، أو مرة رجلا و مرة أنثى " ( ص 165 ) .
و اختلف القوم حتى اليوم فى وجه الاعجاز . فنادى أهل الاعجاز فى كتبهم على اختلاف بينهم أنه الاعجاز البيانى ، مثل الواسطى و الرمانى و الباقلانى و الجرجانى و الخطابى و الرازى و ابن أبى الأصبع و الزلكانى ، مدة ثلاثماية سنة ، على اختلاف فى وجه الاعجاز .

مع ذلك " فشت مقالة بعض المعتزلة بأن فصاحة القرآن غير معجزة " . و لجماعة من المتكلمين و أهل التقسيمات المنطقية ، على اختلاف بينهم ، شبه و مطاعن يوردونها على القرآن ، و هى نحو عشرين وجها " ( ص 167 ) .
و على الجملة فأهل السنة و الجماعة يقولون بإعجاز القرآن البيانى . أما المعتزلة عموما فيقولون : " ان الله لم يجعل القرآن دليلا على النبوة " . و الذين يقولون بالاعجاز ، فهم على خلاف فى وجه الاعجاز فيه . فقضية الاعجاز القرآنى مختلف فيها . و ما أختلف فيه لا يصح أساسا للعقيدة . و سنرى أن القرآن لا يعتبر إعجازه معجزة له .
لكن الرافعى غالى على كل من سبقه فقال بالاعجاز المطلق فى القرآن ، " و انه معجز من كل الوجوه " ، " و انما مذهبنا بيان اعجازه فى نفسه ، من حيث هو كلام عربى " ( ص 176 ) . مع ذلك وجه الاعجاز عنده ان " أسلوب القرآن " ( ص 213 ) " مخالف لكل الأساليب " ، و هذه هى الناحية الأولى من اعجازه . الناحية الثانية ، " سر الاعجاز فى النظم " أى فى تركيب الحروف و الكلمات و الجمل ( ص 238 ) : إعجاز النظم الموسيقى فى الحروف و أصواتها ( ص 241 ) و فى الكلمات و حروفها ( ص 249 ) بأصوات ثلاثة مجتمعة : صوت النفس و صوت العقل و صوت الحس ، و فى الجمل و كلماتها ، " بنظم القرآن صورة واحدة من الكمال ، و ان اختلفت أجزاؤها فى التركيب ، بذلك التناسب البديع فى الترتيبات و الروابط من ربط كل كلمة بأختها ، و كل آية بضريبتها ، و كل سورة بما إليها . " و هو علم عجيب أكثر منه الإمام فخر الدين الرازى فى تفسيره " ( ص 277 ) . ذلك هو الاعجاز فى التركيب و التأليف ،و غرابة أوضاعه التركيبية هى شطر الاعجاز فى القرآن ( ص 283 ) ، و هى الناحية الثالثة منه : " كتاب واحد يستوفى وجوه البلاغة " ، أى الاعجاز بسياستى البيان و المنطق ، أو ما يقال له فى العرف : البيان و البلاغة ( ص 291 ) . و الناحية الرابعة منه هى وجه اعجازه البيانى : " الطريقة النفسية فى الطريقة اللسانية " ( ص 277 ) . و الناحية الخامسة هى وجه اعجازه البلاغى ، على سبيل الخطاب و الجدل ، لا على سبيل البرهان المنطقى إلا ما ندر ( 299 ) . و هذا الوجه كان أول من نبه اليه الفيلسوف ابن رشد . ( 1 )

و يختم الرافعى كتابه بقوله : القرآن هو نفس الوحى ، حيث الوحى هو المعجزة ، و المعجزة هى الوحى . و ذلك تمام اعجازه . " و هذا الحديث يجمع كل ما قدمناه من القول فى اعجاز القرآن ، لأنه وحى بمعانيه و ألفاظه ، فهو بائن بنفسه من الكلام الانسانى . و لابد أن يكون فائدة للناس ليعملوا ، و صادقا على الناس كافة ليستفيدوا ، و معجزا للناس كافة ليصدقوا " ( ص 307 ) .
و فات الاستاذ الرافعى فصل ( الاتقان 1 : 44 ) " فى المنزل على النبى صلعم ثلاثة أقوال : ( أحدها ) انه اللفظ و المعنى ، و ( الثانى ) ان جبريل إنما نزل بالمعانى خاصة ، و أنه صلعم علم تلك المعانى و عبر عنها بلغة العرب ، و ( الثالث ) ان جبريل ألقى اليه المعنى و أنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب ، و أن أهل السماء يقرؤونه بالعربية " . فالتنزيل الإلهى باللفظ و المعنى قول واحد من ثلاثة . و عليه يكون لفظ القرآن و نظمه ، على قولين من ثلاثة ، إما من جبريل ، و إما من محمد نفسه . و هذا يقضى على نظرية الرافعى ان " القرآن هو نفس الوحى " ، و أنه الاعجاز المطلق .
المعنى و أنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب ، و أن أهل السماء يقرؤونه بالعربية " . فالتنزيل الإلهى باللفظ و المعنى قول واحد من ثلاثة . و عليه يكون لفظ القرآن و نظمه ، و على قولين من ثلاثة ، أما من جبريل ، و إما من محمد نفسه . و هذا يقضى على نظرية الرافعى ان " القرآن هو نفس الوحى " ، و أنه الاعجاز المطلق .
و نظرية الرافعى تجعل الدين حرفا ، و الوحى حرفا ، و أهلهما عباد الحرف . و ذلك لارتباط الاعجاز بحرفه و نظمه .
و بما أن حرف القرآن و نظمه هما من جبريل أو من محمد نفسه ، على قولين من الثلاثة ، فهذان القولان ينقضان اعجاز القرآن نفسه بحرفه و نظمه .
فتاريخ الكلام فى اعجاز القرآن يقود أهل العصر من المسلمين أنفسهم ، تجاه اختلاف السلف فى وجهالاعجاز على ايجاد فلسفة جديدة للقرآن يستعيضون بها عن المعجزة و الإعجاز .

فلسفة أهل العصر فى النبوة و المعجزة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 16015