Skip to main content

موقف القرآن السلبى من المعجزة ، و فلسفته عند أهل عصرنا - من تاريخ فلسفة أهل العصر فى النبوة و المعجزة

الصفحة 2 من 6: من تاريخ فلسفة أهل العصر فى النبوة و المعجزة

أولا : من تاريخ فلسفة أهل العصر فى النبوة و المعجزة

1 – بدأ النقد الذاتى الحر الجرىء ، تجاه تحديات العلوم القرآنية و التاريخية فى عصرنا ، الاستاذ حسين هيكل فى ( حياة محمد ) . لاحظ تأثير العصر فى العنوان نفسه ، حيث يقول " حياة " بدل " سيرة " . و قد أثار الكتاب ضجة كبرى بين نعض علماء الأزهر . لكنه وجد في
شيخ الأزهر فضيلة مصطفى المراغى سندا له فى " تقديم الطبعة الثانية " ( ص 50 – 51 ) حيث يقول : " و من الحق ان المسلمين قد بلغ اختلافهم بعد وفاة النبى صلعم حدا دعا الدعاة فيهم الى اختلاق الآلاف المؤلفة من الأحاديث و الروايات ... و لقد كان صلعم حريصا على ان يقدر المسلمون انه بشر مثلهم يوحى اليه ، حتى كان لا يرضى أن ينسب اليه معجزة غير القرآن ، و يصارح أصحابه بذلك ... فالقرآن وحده معجزة محمد " . و ما أجمل و أصدق و أصرح هذا التقرير من شيخ الأزهر المسؤول .
2 – أم الاستاذ حسين هيكل فيقول ( 1 ) : " فقد أضافت أكثر كتب السيرة الى حياة النبى ما لا يصدقه العقل ، و لا حاجة اليه فى ثبوت الرسالة " . ثم يقول : " إن كتاب الله هو وحده معجزة محمد " . و هو قول السلف من أهل الاعجاز . هذا التقرير الجامع المانع يقضى على كل معجزة يرونها فى القرآن ، أو يختلقونها فى الحديث و السيرة . و يختم بقوله : " فحياة محمد حياة انسانية بحتة بلغت أسمى ما يستطيع الإنسان أن يبلغ . و لقد كان صلعم حريصا على ان يقدر المسلمون انه بشر مثلهم يوحى اليه ، حتى كان لا يرضى أن تنسب اليه معجزة غير القرآن ، و يصارح أصحابه بذلك ... و هذا الذى جرى عليه النبى ... هو ما حال بين كثير من علماء المسلمين و كتابهم و الوقوف عند ما أضيف الى سيرة النبى من خوارق وضعها بعض الغلاة مضاهاة لما ورد فى القرآن عن عيسى و موسى ، أو دسها ( فى الحديث ) من دسوا الاسرائيليات على الاسلام و نبيه ، ليزيفوا بها العقائد ، و ليبعثوا بها الشك الى نفوس من يؤمنون بأن سنة الله لن تجد لها تبديلا . و ما كان محمد بحاجة الى الخوارق لإثبات رسالته " . و سنرى جديلة هذا التصريح الأخير عن قريب ، نسجل الآن انكاره لكل معجزة حسية تنسب إلى محمد .
3 – و فى ( سيرة الرسول ) عقد الاستاذ دروزة ( 2 ) فصلا قيما فى " موقف القرآن السلبى من المعجزة " – نقلناه فى بحث سابق . و يعقب عليه بقوله : " بقيت المعجزات المروية ، و خاصة التى وقعت فى مكة بناء على تحدى الكفار . و نعتقد أنا على صواب ، إذا قلنا : ان سكوت القرآن عنها ، مع كثرة تحدى الكفار ، و اقتصار الأجوبة القرآنية على السلب ، لا
يمكن أن يشجعا على التسليم بصحبتها . هذا إلى أن الروايات غير متواترة و لا وثيقة . و كثير منها ، إن لم نقل أكثرها ، لم ترد فى المدونات القديمة ، الى ما فيها من تخالف كبير فى الوقت نفسه " .
ثم يخلص إلى هذا التصريح الضخم : " و هذه النواحى الايجابية فى النصوص القرآنية يصح أن تكون مفسرة لحكمة ذلك الموقف السلبى ، بحيث يصح أن يستلهم منها و أن يقال و قد المح إلى ذلك غير واحد من الباحثين أيضا – ان حكمة الله اقتضت أن لا تكون الخوارق دعامة لنبوة سيدنا محمد عليه السلام و برهانا على صحة رسالته و صدق دعوته ، التى جاءت بأسلوب جديد : هو أسلوب لفت النظر إلى الكون و ما فيه من آيات باهرة ، و البرهنة بها ... ثم أسلوب مخاطبة العقل و القلب ... ( جعلها ) فى غنى عن معجزات خارقة للعادة لا تتصل بها بالذات " . سنرى جديلة و حقيقة هذا " الأسلوب الجديد " فى النبوة و المعجزة .
4 – و فى كتابه الحر الجرىء ( محمد الرسول البشر ) ، يقول الاستاذ عبد الله السمان ( 1 ) —و قد نقلنا شهادته كاملة فى بحث سابق – " لقد غرم كثيرون من المسلمين بأن يحوطوا شخصية الرسول بهالة كبرى من الخوارق ، منذ أن حملت به أمه ، إلى أن لقى ربه ، و بلغ الغلو بهم درجة لا تطاق . و من المتأكد انه ليس لهم سند من قرآن صريح أو حديث صحيح " .
و يقول عن مصادرهم ، فى السيرة : " و هذه الكتب على كثرتها لا يجوز أن تكون مرجعا أصيلا فى هذا الصدد ، لأنها كتبت فى عصور لم يكن النقد مباحا تماما فيها " ، و فى الحديث : " أصبح الحديث الصحيح فى الحديث الكذب كالشعرة البيضاء فى جلد الثور الأسود – كما يقول الدار قطنى أحد جامعى الحديث المعروفين " .
ثم يقول عن كتبة السيرة من المتقدمين و المحدثين : " إن كثيرا من العلماء الدينيين السابقين حرصوا على أن يكون لمحمد معجزات مشهورة ، حتى لا يكون أقل قدرا من غيره من اخوانه الرسل ، صلوات الله عليهم أجمعين . و هؤلاء لهم عذرهم ، فقد راحوا يجمعون الأحاديث صحيحها و ضعيفها و موضوعها ، دون ما نظر الى ان هذه القضية إنما
تحتاج إلى أخبار معتمدة : و ليست هناك آية قرآنية صريحة فى القضية ، و لا حديث واحد متواتر".
و يختم بقوله فى المعجزات المنسوبة الى النبى : " ان كتب الأحاديث و كتب السيرة قد استوعبت آلاف المعجزات ،و منها ما بلغ الى درجة التطرف الذى يفرض علينا الضحك ... و الأحاديث المعتمدة معدودة على الأصابع ، و كلها آحادية لا تقطع بخبر ... و كتاب السيرة جميعا عنوا عناية كبرى بأمر الخوارق ليؤكدوا أن للرسول آلافا ، بل عشرات الآلاف من المعجزات . و هذه المعجزات أم اعتقاجى ، لابد لتصديقها من خبر قطعى ، و ليست هناك معجزة واحدة يؤكدها خبر قطعى مما نسب إلى رسول الله " .
لكنه يستنتج : " و لكن الله عز و جل أراد أن يرفع من قدر الرسالة فيجعلها عقلية منطقية تخاطب العقل و المنطق . و أيدها بكتاب الله ليعيش معها الى ان يرث الله الأرض و من عليها ، كآية خالدة معجزة . و قد شق محمد لدعوته طريقه الى القلوب و العقول ، غير مؤيد بالخوارق التى لم تصلح من قبل وسيلة لإقناع ، لأن معه نهجا واضحا من كتاب الله ، ليس فيه تعقيد و لا التواء " . و سنرى هذا " النهج الواضح " فى النبوة و المعجزة .
5 – و طلع علينا الدكتور نظمى لوقا فى كتابه " محمد الرسالة و الرسزل " بنظرية جديدة ترد المعجزة كدليل على النبوة ، و تجعل دليل النبوة و الوحى فى " صدق النبى " و مطابقة النبوة للحقيقة . قال : " ما من نبى حمل الينا توكيلا موثقا بأنه ينطق بلسان الوحى ، و إنما كانت آيته صدق ما أتانا به " . و هذه شهادة أخرى : " و أما المعجزات فلا حجية لها إلا لمن شهدها شهود العيان . و بيننا و بين تلك أجيال و أجيال . فتبقى بعد هذه الآيات المغايرة ، الآية الكبرى التى لا يثبت بغيرها صدق ، و لا يغنى عن غيابها ألف دليل مغاير مهما بلغت درجته من الاعجاز . و هذه الآية الكبرى هى صدق الكلمة من حيث هى . فإن الحقيقة آية نفسها تحمل برهانها فى مضمونها ، فيطمئن اليها العقل و يبدو ما يباينها هزيلا واضح البطلان " ( ص 49 ) .
فهو يضع مقياسين لصحة النبوة ، المقياس الأول فى ذات الرسالة : " ليس للمعجزات حجية ، و الآية الكبرى هى أن صدق الرسالة متضمن فى ذات الرسالة " . و المقياس الثانى فى ذات الرسول ، " ان أول مقياس يقاس به صدق صاحب الرسالة هو مبلغ إيمانه بها "
( ص 157 ) . و هذان المقياسان نقض لضرورة المعجزة ، و لوجودها فى الدعوة و السيرة عند محمد ، و تجاهل مقصود لاعجاز القرآن كمعجزة . و سيأتى البحث فى هذه المغالطات .
6 – و فى كتاب المؤتمر الاسلامى : " حقائق الاسلام و أباطيل خصومه " للاستاذ عباس محمود العقاد ، من عام 1376 ه – 1957 م ، جاء فى مبحث " النبوة " قوله :
" نمت فى الاسلام فكرة النبوة كما نمت فيها الفكرة الإلهية ... 1 ) فليست الخوارق مما يغنى النبى فى دعوة المكابر المفتون . إنه ليزعمها اذن ضربا من السحر أو السكر ، و لو فتح له الأنبياء بابا فى السماء ... 2 ) و لقد جاءت الخوارق طائعة لنبى الاسلام ، و أنى لهم أن يصدقوها أو يفهموها على غير حقيقتها ، و لو أنه سكت عنها لحسبوها له معجزة من المعجزات لم يتحقق مثلها من قبل لأحد من المرسلين ( حادث كسوف الشمس ساعة دفن ابنه ابراهيم ... 3 ) و ما نحسب ان النبوة تعظم بكرامة قط أكرم لها من التوكيد بعد التوكيد فى القرآن الكريم بتمحيص هذه الرسالة السماوية لهداية الضمائر و العقول ، غير مشروطة بما غبر فى الأوهام من قيام النبوة كلها على دعوة الخوارق و الإنباء بالمغيبات ... 4 ) فلا يرى عجبا أن تكون هذه النبوة خاتم النبوات ، إذ كان الاصلاح بعدها منوطا بدعوات يستطيعها من لا يدعى خارقة تفوق طاقة الإنسان ، و لا يهول العقول بالكشف عن غيب من الغيوب لا يدريه الإنسان ... 5 ) و الواقع ان النبوة الاسلامية جاءت مصححة متممة لكل ما تقدمها من فكرة عن النبوة ، كما كانت عقيدة الاسلام الإلهية مصححة متممة لكل ما تقدمها من عقائد بنى الإنسان فى الإله " ( ص 58 – 61 ) .
إن تلك المبادىء عند الاستاذ الإمام تنكر مفضوح لضرورة المعجزة و نكران لوجودها فى الدعوة و السيرة عند محمد . و نستغرب قوله : " و لقد جاءت الخوارق طائعة لنبى الاسلام " . و هو يعلم ما قاله زميله الاستاذ عبد الله السمان : " و ليس هناك آية قرآنية صريحة فى القضية ، و لا حديث واحد متواتر " ، " و من المتأكد أنه ليس لهم سند من قرآن صريح أو حديث صحيح " . و حديثه عن النبوة و المعجزة تجاهل مقصود لاعجاز القرآن كمعجزة .
7 – و فى كتاب المؤتمر الاسلامى " العقائد الاسلامية " للاستاذ العقاد ، من سنة 1383هــ – 1964 م ، جاء فى فصل " الرسل " :

1 ) الأعمال الكبرى التى تمثل نجاح سيدنا محمد

العمل الأول : أنه قضى على الوثنية و أحل محلها الايمان بالله و اليوم الآخر .
العمل الثانى : أنه قضى على رذائل الجاهلية و نقائصها ، و أقام مقامها الفضائل و المكارم و الآداب .
العمل الثالث : أنه أقام الدين الحق الذى يصل بالإنسان إلى أقصى ما قدر له من كمال .
العمل الرابع : أنه أحدث ثورة كبرى غيرت الأوضاع و العقول و القلوب و نظام الحياة الذى درج عليه أهل الجاهلية .
العمل الخامس : أنه صلعم وحد الأمة العربية ، و أقام دولة كبرى تحت راية القرآن ...
" إن القيام بهذه الأعمال و النجاح فيها على هذا النحو لهو المعجزة الكبرى لحضرة رسول الله صلعم – فإذا كان عيسى له معجزة إحياء الموتى ، و موسى له معجزة العصا ، فإن هاتين المعجزتين فى جانب هذه الانتصارات ، و الى جانب هذه المعجزات لا تساوى شيئا " .
و نقول : لا يسعنا أن نسلم بهذا المنطق الذى يجعل النجاح مقياس الحقيقة و النبوة . فهل نجاح الهندوكية ، و البوذية ، أو الشيوعية الإلحادية ، مقياس لحقيقتها و دليل نبوتها ؟ ! و هل نجاح الاسكندر ذى القرنين ميزان لادعائه الألوهية ؟ و نرى أن السيد العقاد يدور فى حلقة مفرغة : الدعوة القرآنية منزلة – و هو المطلوب إثباته – لأنها نجحت - ، و كل الدعوات الدينية القائمة منذ آلاف السنين قد نجحت ، فهل هذا دليل على انها منزلة من الله ؟

دلائل صدقه
الصفحة
  • عدد الزيارات: 15324