معجزة حفظ القرآن - الاصدار الثاني للقرآن كان على زمن عثمان بن عفان
2 – الاصدار الثاني للقرآن كان على زمن عثمان بن عفان ، عام 25 بعد الهجرة .
رأينا أن سبب جمع عثمان الجديد للقرآن كان بسبب اقتتال الغلمان والمعلمين في المدارس ، واقتتال وتكفير المحاربين بعضهم بعضا في الحروب والفتوحات .
ولدينا روايتان على الجمع العثماني . الرواية الأولى أن اللجنة العثمانية لجمع القرآن كانت من أربعة : زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص وعبد الرحمان بن الحارث . روى البخاري : "فأرسل الى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردّها اليك . فأرسلت بها حفصة . وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : اذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن ، فاكتبوه بلسان قريش ، فإنه إنما نزل بلسانهم . ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ، ردّ عثمان الصحف الى حفصة . وبعث الى كل أُفق بمصحف ممّا نسخوا . وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرق" .
الرواية الثانية أن اللجنة العثمانية كانت من اثني عشر رجلا من قريش والأنصار ، وأن صحف زيد كانت في ربعة عمر ، لا عند حفصة . "أخرج أبو داود حديثا جاء فيه : "لمّا أراد عثمان أن يكتب المصاحف ، جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار ، فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيئ بها" .
وهنا تنهال علينا الشبهات تترى في الجمع العثماني .
أولا : بما أن عمل اللجان العثمانية يقتصر على نسخ مصحف زيد ، فلِم وصية عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : "إذا اختلفتم أنتم وزيد في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنه إنما نزل بلسانهم" – فالخلاف في القرآن واقع ، والاختلاف في تدوين حرفه منتظر . فهذه شهادة على شبهة مزدوجة : إن في مصحف زيد قرآنا ليس بلسان قريش ؛ وأنّ بمصادر القرآن التي يجمعونه منها ما ليس بلسان قريش الذي نزل به .
ثانيا : إذا كان الجمع العثماني مجرد نسخ للصحف التي كتبها زيد على زمن أبي بكر ، أو الصحيفة التي كتبها على زمن عمر ، فكيف يمكن الاختلاف فيما بين الجامعين ؟ فلم يكن الأمر إذن مجرد نسخ ، بل هو جمع جديد للقرآن ، كما قال : "يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما" (الطبري 60:1) . والجمع الجديد دليل الشبهة على الجمع الأول ، كما أن الجمع الأول دليل الشبهة على الجمع الثاني : فلو كان الجمعان واحدا ، لما وقع الخلاف .
ثالثا : في الروايتين على الجمع العثماني تعارض في تكوين اللجنة من أربعة أم من اثني عشر رجلا ، وفي وجود صحف زيد في بيت حفصة أم في ربعة عمر .
رابعا : إذا كان الخلاف محذورا في اللجنة الرباعية ، فهل يكون مأمونا في اللجنة الاثنعشرية ؟
خامسا : والشبهة الكبرى في إمامة زيد للجان العثمانية ، ولم يكن زيد قد بلغ الحلم في زمن النبي ؛ ولم يكن من الأربعة الذين أوصى بأخذ القرآن عنهم .
يقول طه حسين : "وقد يمكن أن يُعترض عليه في أنه كلّف كتابة المصحف نفرًا قليلا من أصحاب النبي ، وترك جماعة من القراء الذين سمعوا من النبي وحفظوا عنه ،
وعلّموا الناس في الأمصار . وكان خليقا أن يجمع هؤلاء القراء جميعا ويجعل إليهم كتابة المصحف . ومن هنا نفهم غضب ابن مسعود . فقد كان ابن مسعود من أحفظ الناس للقرآن وهو فيما كان يقول قد أخذ من فم النبي نفسه سبعين سورة من القرآن ، ولم يكن زيد بن ثابت قد بلغ الحلم بعد ! فإيثار عثمان لزيد بن ثابت وأصحابه ، وتركه لابن مسعود وغيره من الذين سبقوا إلى استماع القرآن من النبي وحفظه عنه ، قد أثار عليه بعض الاعتراض . وهذا شئ يفهم من غير مشقة ولا عناء"
وسادسا : إن أمر عثمان في طريقة جمع القرآن وتدوينه كانت أمره للرهط القرشيين الثلاثة : "إذا اختلفتم أنتم وزيد في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم" . وإعجاز القرآن يقوم على التحدي "بمثله" . وعند اختلاف الجامعين كانوا يكتبون القرآن بلسان قريش ، فهم اذن في تدوين القرآن قد أتوا "بمثله" .
سابعا : والشبهة الضخمة على المصحف العثماني هي تحريق ما عداه من المصاحف ، حتى مصاحف الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين . وهذه الشبهة الضخمة ذات حدين : فهي تلحقه لأنه قضى عليها ؛ وهي تلحقها لأنه يعارضها . ولو كانت المصاحف واحدة لما احتاج عثمان إلى تحريقها !
وكان الصحابة يتمسكون بمصاحفهم بسبب الحديث الشريف : "نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف" ! "فعثمان حين حظر ما حظر ، وحرَّق ما حرّق من الصحف ، إنما حظر نصوصا أنزلها الله ، وحرَّق صحفا كانت تشتمل على قرآن أخذه المسلمون عن رسول الله . وما ينبغي للإمام أن يلغي من القرآن حرفا أو يحرق من نصوصه نصًّا" . وهذا ، في رأينا ، سبب الفتنة البعيد الذي أودى بحياة عثمان في الثورة عليه وقتله . فقد "أنكر ابن مسعود ، وأنكر معه كثير من الناس ما كان تحرق المصاحف . واشتد نقد ابن مسعود لعثمان . وكان يخطب الناس يوم الخميس من كل أسبوع . وكان يقول في ما يقول . "إن أصدق القول كتاب الله ، وأحسن الهدى وكل ضلالة في النار" ! فكأنه أفتى باغتياله .
فكان ما كان مما لستُ أذكره فظن خيرًا ولا تسأل عن الخبر !
ثامنا : وهذه هي ميزات توحيد النص العثماني :
- شهد علي بن أبي طالب : "رأيت كتاب الله يزاد فيه" فنقّحه ، فلم يأخذ عثمان بذلك .
- وكتب علي في مصحفه الناسخ والمنسوخ كله ، فأسقط عثمان من المنسوخ كثيرا .
- شهد ابن عمر أنه بعد الجمع العثماني "ذهب منه قرآن كثير" !
- وشهدت عائشة أنه كان من القرآن "قبل أن يغيّر عثمان المصاحف" .
- وعدل عثمان عن الترتيب التاريخي الذي أخذ به علي وآل البيت ، الى الترتيب التنسيقي بحسب الطول فالقصر ، كما اعتمد جماعة بني أمية . والترتيب ناحية من الإعجاز فتلك الميزات في التوحيد العثماني للنص القرآني شبهات عليه .
تاسعا : يقول السيوطي بأن في الحرف العثماني الناجي ما هو "بغير لغة الحجاز" ، وما هو "بغير لغة العرب" ، مع أن القرآن نزل بلغة قريش ، وقد أمر عثمان بكتابته بلسانهم . وهذه الرواسب دلائل على أن حرف التنزيل لم يبق سالمًا في المصحف العثماني مع ما بذلوه من حرص حين جمعه وتدوينه .
عاشرا : ما معنى تعدّد جمع القرآن ؟ يقول محمد صبيح : "لماذا لم يأمر أبو بكر أو عمر بنسخ صور ممّا كتب زيد بن ثابت ؟ ...ولماذا لم يحرص كبار الصحابة على أن يكون لكل واحد منهم ، أو لدى بعضهم على الأقل ، نسخ من هذه الصحف ؟ – الجواب على هذا السؤال عسير" . وأعسر منه الجواب على هذا السؤال : لماذا فُضّل مصحف زيد بن ثابت ، وكان غلاما لم يبلغ الحلم بعد في حياة النبي ، على مصحف عليّ بن أبي طالب ، وهو الشاهد الأسبق للقرآن والدعوة والسيرة ؟ وعلى مصحف ابن مسعود ، وهو الذي "لزم النبي لزوما متصلا في سفره وإقامته ، حتى كاذ يُعدّ من أهل بيته . فكان أثناء إقامة النبي صاحب اذنه ؛ وكان اذا قام النبي ليخرج ألبسه نعليه ومشى بين يديه بالعصا فإذا بلغ مجلسه خلع نعليه فوضعهما في كمه ودفع إليه العصا وقام على إذنه . وكان في السفر صاحب فراش النبي وصاحب وضوئه . وكان النبي يحبه حبًّا شديدًا ويوصي بحبه" . فكأن محمدا يسلك سلوك اسقف النصارى في جماعته ، وابن مسعود "قوّاصه" !
وأعسر أكثر الجواب على هذا السؤال أيضا : لقد رضى أبو بكر ثم عمر بمصحف زيد : فَلِمَ يرفضونه في زمن عثمان ، كما يظهر من وصيته لجامعي الحرف العثماني : "اذا اختلفتم أنتم وزيد في شئ من القرآن" ، ويفرضون بالحديد والنار المصحف العثماني ؟ يحق لنا أن نقول : ألا يترك هذا التصرف شبهة لا تزول على مصحف زيد ثم على المصحف العثماني الناجي معا ؟
أخيرا ، بعد نزول القرآن على سبعة أحرف ، وبعد الرخص النبوة الأربع بقراءة القرآن على سبعة أحرف ، "وقد كانت المصاحف بوجوه القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أُنزل بها القرآن" ، وإجازة القراءات المختلفة ، على الحروف المختلفة بلغات العرب جميعها ، وإباحة القراءَة بالمعنى من دون الحرف ، وذلك مدة أربعين سنة ، منذ بدء التنزيل حتى الجمع العثماني سنة خمس وعشرين للهجرة كما روي عن ابن حجر ، بعد هذا كله واختلافهم في حرف القرآن حتى التكفير والاقتتال قبل التوحيد العثماني –هل كان بإمكان اللجان العثمانية ، وقد مات أكثر حفظة القرآن وقرائه ، وجميع الجامعين غير معصومين ، أن تصل الى النص المنزل الذي لا تشوبه شائبة ؟ إن البرهان القاطع على أنه لا يمكن أن تصل اليه أن عثمان قد أتلف سائر المصاحف ليحمل الأمة على مصحفه . وقد استأذن السيدة حفصة في خرق الصحف التي جمعها زيد بأمر أبي بكر وعمر ، وكانت أمانة عندها من أبيها عمر بن الخطاب . كلها شبهات يحار فيها العقل والايمان ، ولا جواب لها . والنتيجة الحتمية لهذا كله شبهة على صحة الحرف العثماني ، وعلى صحة التحدّي بإعجازه .
- عدد الزيارات: 34397