Skip to main content

البحث عن اليقين - كيف وجدتُ النور

الصفحة 6 من 9: كيف وجدتُ النور

كيف وجدتُ النور:

كرَّسْتُ نفسي عندئذٍ لدراسة شخصيّة المسيح وعمله. فعلتُ ذلك باستعادة الآيات والفصول القرآنيّة التي تشير إلى المسيح ومعرفتي المتزايدة في الكتاب المقدّس.

كنت أبحث عن إيضاح أكثر لعصمة المسيح وسلطانه أن يغفر خطايا الآخرين. وكنت أشكُّ في هذا. وكان من الصعب تجنّب المفارقة بين عصمة المسيح وبين الفصول القرآنيّة التي تشير إلى خطايا الأنبياء الآخرين. خذ مثلاً بنوع خاصّ قول القرآن مخاطباً محمّداً:

فَا صْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِا لْعَشِيِّ والْإِبْكَارِ (سورة غافر 40:55).

وحيث أنه لا يمكن لأيّ نفس مثقلة أن تحمل وزر نفس أخرى (سورة فاطر) فكيف يمكن لأيّ نبيّ أن يحمل ثقل شخص آخر،

لكنّ القرآن يذكر أنّ الملاك جبرائيل قال لمريم:

إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّا (سورة مريم 19:19).

وهذه الحقيقة يؤيّدها الحديث بقوله: ما من بني آدم مولود إلاّ مسّه الشيطان حين يولد فيستهلّ صارخاً مِن مسّ الشيطان غير مريم وابنها (مشكاة المصابيح 1:27).

والإنجيل يذكر أنّ النقاوة والعصمة هي للربّ يسوع وحده. ويضيف إلى ذلك أنّ المسيح هو الذي يرفع خطايانا.

كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضاً. والْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي. وَتَعْلَمُونَ أَنَّ ذَاكَ أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا، وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ (1يوحنا 3:4 ، 5).

هل كان من الضروريّ أن يكون المسيح يسوع بلا خطيّة لكي يستطيع أن يحمل أثقال الآخرين وخطاياهم، مع أنّ القرآن يذكر أنّ المسيح كان نقيّاً معصوماً. لكنّه لا يقدّم مفتاحاً لقصد الله في خلع العصمة على ابن مريم.

ثمّ ينسب القرآن أيضاً إلى المسيح صفات لا ينسبها إلى أيّ نبيّ أو رسول آخر. إذ يذكر أنّه كلمة الله وروح منه:

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِا للَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِا للَّهِ وَكِيلاً (سورة النساء 4:171).

ثمّ نرى الملاك جبرائيل يخاطب مريم بقوله:

قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً (سورة مريم 19:20 و21 وسورة الأنبياء 21:91),

وفي كلّ ما قاله القرآن عن المسيح أثبت بكلّ يقين أنّه شخص فذّ فريد. وأعلن علاقته بالله باعتباره كلمة الله وروح منه كما أشاد بنشاطه الخلاّق، ومعجزات شفائه، وإقامته الموتى (سورة آل عمران 3:49) وصعوده إلى السماء، ووجوده في السماء اليوم.

وإذ واصلت الدراسة بدأت أدرك أهمية اللقب ابن الله بحسب الكتاب المقدّس، واختلافها عن مفاهيم اللقب ابن الله بحسب القرآن. فإنّ القرآن ينكر ويرفض أن الله يلد أو يولد بالمعنى الطبيعيّ لم يلد ولم يولد , والكتاب المقدّس يرفض ذلك الأمر بالمعنى الطبيعيّ. لكنّي بالتدريج قبلت أنّ المسيح يمكن أن يُسمّى ابن الله بالمعنى الروحيّ كما يفسّره الكتاب المقدّس. وبهذه الكيفيّة عينها يُسمّى المسيح كلمة الله. وهنا شكرت القرآن مرّة أخرى لأنّه أعانني على فهم أكمل لمعنى اللقب ابن الله بحسب الكتاب المقدّس، إذ يطبّق على المسيح بصورة فريدة.

ولا شكّ أنّه على أساس سورة النساء يرفض المسلمون رواية الكتاب المقدّس عن موت المسيح وقيامته وصعوده.

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيما (سورة النساء 4:157-158).

وفي مواضع أخرى يشير القرآن إلى موت المسيح. لكنّ المفسّرين المسلمين يقدّمون آراء متناقضة عن هذه الآيات، مثلاً خذ الآية المشهورة:

وَا لسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً (سورة مريم 19:33).

وكذلك قوله:

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (سورة آل عمران 3:55).

وأيضاً قوله:

مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (سورة المائدة 5:117).

ترى هل تفسير كلمة متوفّيك (آل عمران 55)، و توفَّيتني (المائدة 117) كما يقدّمه بخت الله صحيح، بعض التفاسير الإسلاميّة المحترمة تترجم الفعل توفّي بمعنى سبب أن يموت ممّا يدلّ على أنّ موت المسيح قد سبق صعوده إلى السماء.

على أيّ حال لا تترك قصص الكتاب المقدّس عن وقت موت المسيح أو مكانه أو ظروفه أيّ مجال للتفاسير والتأويلات المختلفة، بل واضح أنّه صُلِب ومات، ودُفِن. وقد تمّ صلبه خارج أسوار أورشليم وحدث في عهد بيلاطس حاكم اليهوديّة. وهذه حقائق تاريخيّة. والكتاب المقدّس يشير إلى موت المسيح مراراً بلغة صريحة لا غموض فيها ولا إبهام. وواضح أيضاً في الكتاب المقدّس الصلة التامّة بين موت المسيح وبين قيامته من الأموات وصعوده، والقصد من وراء هذه الحوادث الثلاث العظمى في حياته.

بذلك أصبحت هذه الآيات وغيرها واضحة لي في ضوء تأمّلي في تصوير العهد الجديد للمسيح, فهذه الآيات لا تبيّن فقط علاقة المسيح الخاصّة بالله، بل تشير أيضاً بكلّ تأكيد إلى غرض الله الخاصّ في إرسال المسيح، كلمته، وخادمه، إلى هذا العالم الخاطئ. تذكّرت مرّة أخرى ذلك الكتيّب قلب باك . واستخلصت من كلّ هذا أن الله قد تكلّم بكلمة الغفران لجميع الخطاة بواسطة الربّ يسوع وحده، وذلك بموته على الصليب وقيامته من الأموات. وكلّ ما استزدتُ من قراءة الكتاب المقدّس تكلّم الكتاب لي وبدّد شكوكي واحداً بعد الآخر.

مع ذلك ظلّ هذا السؤال يحيّر عقلي: ماذا عن مجيء محمّد الذي يقول القرآن إنّ المسيح قد تنبّأ عنه،

وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِا لْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (سورة الصف 61:6).

والاسم أحمد مشتقّ في اللغة العربيّة من ذات الأصل الذي منه يشتقّ الاسم محمّد . هل هذا يعني أنّ المسيح تنبّأ عن مجيء محمّد، هذا ما تعلّمته وكنت أعتقد به.

وقد بحثت الكتاب المقدّس لأرى هل جاء فيه شيء عن محمّد، فلم أجد شيئاً. وسألت أساتذتي نفس السؤال فأجابوا هم أيضاً أنّهم لم يجدوا شيئاً. ولكن لمّا رجعت وتأمّلت في تفسير للقرآن وجدته يقتبس عدّة فصول من الكتاب المقدّس ليؤيّد مفهومه لسورة الصفّ آية 6 ، والفصل الرئيسيّ هو:

وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الْآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الْأَبَدِ (يوحنّا 14:16).

والكلمة اليونانيّة المترجمة في الإنجيل المعزّي هي في الأصل باراكليتوس . وقال مفسّرو القرآن إنّ الكلمة اليونانيّة الأصليّة هي بركلوتوس ومعناها أحمد وقد حرّفها المسيحيّون إلى باراكليتوس لينفوا الإشارة إلى النبيّ محمّد.

وحيث أنّ معرفتي بهذه الكلمة كانت محدودة وقاصرة، وحيث أنّه كان من الصعب عليّ جداً أن أهجر إيماني بمحمّد كنبيّ، فقد وجدت نفسي أعاني مشقّة كبرى. إذ كان محمّد لا يزال يشغل مكانة عظمى في قلبي، وكنت أشعر أنّه أيسر لي أن أهجر أيّ شيء آخر إلاّ ذلك, فسألت أستاذ اللغة اليونانيّة عن معنى هذه الكلمات فأجابني بأنّه لم ترد كلمة بركلوتوس قطّ في النسخة اليونانيّة لإنجيل يوحنا. ثمّ فسّر لي معنى الكلمة الأصليّة باراكليتوس وهي وعد المسيح (يوحنا 14:16) الذي تمّ بمجيء الروح القدس (أعمال 2:1-11). الذي يسكن مع شعب الله إلى الأبد كالمعزِّي والمرشد لهم.

وضعتُ مشكلتي أمام الله وطلبت منه أن يمنحني فهماً واضحاً. وذات ليلة صلّيت وآويت إلى فراشي ولكنّي لم أستطع أن أنام. وسمعت صوتاً، أو شعرت كأنّي سمعته يقول لي: قم واقرأ . ظننت أنّ ذلك كان وهماً أو خيالاً لكنّي سمعت الصوت يتكرّر مرّة أخرى ثمّ تكرّر أيضاً. فقمت وفتحت كتابي المقدّس وقرأت عدّة مرّات هذا الفصل:

إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ، وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الْآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الْأَبَدِ، رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَرَاهُ وَلَا يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لِأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ (يوحنا 14:15-17).

وإذ كنت أقرأ هذا الفصل خطرت ببالي أسئلة كثيرة سألتها لنفسي: هل قرأت في القرآن أو الحديث أنّ محمّداً هو روح الحقّ الذي يمكث معك إلى الأبد، هل هو المرشد الذي يمكث فيك، حينئذٍ أدركت أنّ هذه الكلمات لا تحوي أيّة نبوّة عن أيّ نبيّ آتٍ، ولا يمكن أن تنطبق على أيّ مخلوق بشريّ. فضلاً عن ذلك تذكّرت إتمام هذه النبوّة (أعمال 2:1-11) في أثناء حياة المؤمنين الأوّلين بالمسيح. وملأت عقلي هذه الحقيقة العظمى وتأكّدتُ أنّ المرشد الذي وعد به المسيح هو الروح القدس (روح الله الأزليّ وليس جبرائيل الملاك ولا محمّد).

بعد ذلك اختبرت قوّة الروح القدس في حياتي الخاصّة وبه أتيت إلى المسيح. مجداً لله... آمين.

داومت على قراءة الكتاب المقدّس باجتهاد فوجدت فيه غنى من البركات لم أكن أحلم بها. فإنّ له قوَّة بها يتكلّم للذين يطلبون حقاً أن يحصلوا على إعلان الله وإرشاده. لقد كشف لي حقيقة نفسي وأراني قلبي الخاطئ المذنب وعماي الروحيّ. وأخبرني أن أقدّم كلّ خطاياي وأحمالي إلى الله باسم الربّ يسوع المسيح. فهو الذي جاء إلى العالم يبحث عنّي وهو الذي مات لأجل خطاياي وقام، وهو الذي صعد إلى السماء وسيأتي ثانية. وصرت مقتنعاً أنّ الكتاب المقدّس هو كلمة الله.

لقد قدّم الكتاب المقدّس الحلّ لكلّ المشكلات التي حيّرت قلبي. ولقد أروت مياهه الحيّة نفسي الظامئة. ووجدت فيه ما لم أجده من قبل في كلّ اختباراتي الدينيّة، وقد اقتنعت تمام الاقتناع أنّ الكتاب المقدّس يسجّل بكلّ أمانة وبكلّ دقّة أعمال المسيّا وتعاليمه، وسرّ كلمة الله الأزليّ الآتي إلى العالم في صورة إنسان كما يسجّل موته وقيامته وصعوده ومجيئه الثاني وسائر التعاليم الأخرى التي لم أكن أفهمها من قبل، بل كنت أيضاً أبغضها. وهو يحوي أيضاً رسالة محبّة الله المخلّصة لي ولجميع الناس والتي تقدّم لنا السلام. إن محبّة الله هذه تتركّز في المسيح وموته وقيامته لأجل الخطاة كما يكتب بولس وسائر الرسل في الإنجيل المقدّس:

فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الْأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ (1كورنثوس 15:3 ، 4).

قرار خطير
الصفحة
  • أنشأ بتاريخ .
  • عدد الزيارات: 23199