البحث عن اليقين - مربوط بالمحبّة
مربوط بالمحبّة:
زال الألم وشفيت جروح جسمي، لكن علامات محبّة المسيحيّين وآثار الكتب بقيت في نفسي. شعرت بشيء يدفعني لتجديد هذه العلاقة وقرّرت أن ألتقي مع أصدقائي مرّة أخرى. وإذ بدأت المسير رآني الأقرباء والجيران وخفت من العواقب. في الواقع قرّرت أن أترك المكان, ولمّا وصلت إلى بيت خادم الربّ ذكرت له مشاكلي وأريته آثار الجروح وطلبت منه أن يساعدني حتى أذهب إلى ميسور حيث توجد أختي المتزوّجة. وكانت أختي تحبّني، وهي وزوجها سيرحّبان بي ويعاملانني بلطف. لكن خادم الربّ نصحني أن أعود إلى البيت، وأخبرني بأنّني بعد أن أتقدّم في السنّ أستطيع أن أرحل، ولكن يلزم أن أبقى في البيت إلى ذلك الوقت، وأن أعيش بهدوء وأنمو في الإيمان والمحبّة، راجياً أن يمتدّ تأثيري إلى عائلتي وأصدقائي. وقال لي إنّ الله سيبقى مخلّصي وحارسي وصديقي. وكنت في ذلك الوقت في الصفّ السابع.
وحيث أنّ الوقت كان متأخّراً في المساء وكنت أخاف، طلبت أن أبيت تلك الليلة في غرفة القراءة. ومكثت يوماً آخر مع صديقي جورج. وقد عرف بعض الناس إني كنت هناك، فحضروا من منطقتي مع بعض رجال البوليس ليأخذوني. وطلبوا من جورج أن يسلّمني بل اتّهموه بخطفي. فأجاب جورج: علوي هنا. وقد جاء برغبته، ويمكنكم أن تأخذوه ولكن لا تضربوه مرّة أخرى . ولما جاء بعض المسلمين لمساندة أصدقائهم المسيحيّين في غرفة القراءة حدثت مشاجرة بين المسلمين أنفسهم. وفي أثناء انشغال الجميع بالمنازعة هربت من بابٍ خلفي وذهبت إلى حقل وقفزت إلى ترعة ماء متظاهراً بأني أسبح.
بعد فترة قصيرة جاء بعض المسلمين ووجدوني وأخذوني إلى غرفة قراءة للمسلمين تُدعى مايلا نادو وهناك سألوني عدّة أسئلة، وصاحوا في وجهي وعاملوني بقسوة. وكانت أمّي في ذلك الوقت تبحث عنّي في مختلف الأماكن حيث كان يسكن أقاربي, وفي هذه اللحظة وجدني شقيق زوج أختي وأنقذني ممّن كانوا قد أمسكوني. وحالما وصلنا إلى البيت أرسل والدي أختي الصغرى لتدعو أعمامي، وحضر في ذلك الوقت جمع كبير احتشدوا أمام منزلنا.
ولما اجتمع كلّ أعمامي سأل والدي كلّ واحد منهم: ماذا نفعل بعلوي، لقد بذلنا كلّ جهدنا حتّى نمنعه من التأثير المسيحيّ. ماذا نستطيع أن نفعل أكثر من ذلك، أجاب أوّل واحد من أعمامي إنّه يجب على والدي أن يقتلني بقطع رقبتي. وقال الثاني نفس الشيء، ولكن بصورة أشدّ تأكيداً من الأوّل. وقدّم الثالث رأياً يختلف. اقترح تركي أموت جوعاً. لو قتلوني كما قال عمّي الأوّل والثاني لوُضِعَت العائلة كلّها في السجن. وصرخت أمّي وقالت: اقتلوني أوّلاً قبل أن تقتلوا ابني . هذا جعلني أبكي وأصرخ بحرارة. ولا أستطيع أن أعبّر عن الألم والخوف الذي كان في قلبي وأنا أفكّر بما سيفعلون بي. وقد قبلت الهيئة كلّها رأي عمّي الثالث. وقام واحد من أعمامي يضربني بقسوة إلى أن أوقفه والدي, وربط والدي يديَّ وراء ظهري وبقيت على هذه الحالة ثلاثة أسابيع. وأمر أن يقدَّم لي الطعام مرّة واحدة في اليوم، ولكن كانت أمّي في غيابه تقدّم لي الطعام في أوقات أُخرى.
ذات يوم جاء أبي إليّ مع أخيه الأصغر يرافقهما حدّاد. وطلب منّي عمّي أن أتلو العقيدة الإسلاميّة أمام أبي. فلم يستطع فمي أن ينطق بالكلام، وصاحت أمّي وأخواتي والآخرون فيّ أن أتلو الشهادتَين فلم أستطع. ولم أدرِ ماذا حدث لي. لماذا لا أستطيع أن أتكلّم. أخيراً انصاع الحدّاد للأمر ووضع قيداً من حديد في رجليّ كلتَيهما وأغلق القيد، وظللت على هذه الصورة مدّة الأسابيع الستّة التالية, وزارني صديقي السابق عبد الله الذي مزّق كتيّبه وسألني لماذا فعلت هذا، وكان يعلم أنّ السبب هو ذلك الكتيّب. أمّا أنا فلم أجبه بكلمة. ولكن فيما كنت مقيّداً تذكّرت كلمات كتاب آخر هو الإنجيل المقدّس وهي:
لَا تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ. أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِا للّ هِ فَآمِنُوا بِي (يوحنا 14:1).
وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ والْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ (يوحنا 8:32).
ترى وأنا أتطلّع إلى قيودي هل كنت أضحك على نفسي وأنا أذكر كلمات المسيح هذه، ربّما تحت مثل هذا الضيق يختبر الإنسان تعزيات المسيح أكثر من أيّ وقت آخر. كان المسيح أقرب إليّ جداً وأنا في هذه الحالة منه وأنا أقرأ هذه الكلمات من الإنجيل سرّاً في الغابة.
- أنشأ بتاريخ .
- عدد الزيارات: 23817