Skip to main content

تكفيك نعمتي - رحلتي مع المسيح

الصفحة 8 من 12: رحلتي مع المسيح

الفصل السابع

رحلتي مع المسيح

تحررت بشكل عجيب من اليأس القاتل الذي كان قد استولى على قلبي وذهني. كان قلبي يفيض فرحاً. وفي إيسانجري بمقاطعة فيصل أباد قابلتُ القس رومال شاه، الذي حيَّاني بحرارة واستضافني. وبعد الغداء ابتسم وقال: حسناً يا سيدي، لماذا تريد أن تصبح مسيحياً؟ كان الرجل يتكلم بشكل غير رسمي، مع أنه لا يعرف شيئاً عن خلفية بحثي عن السلام. فقلت: ليست القضية أني أريد أن أصبح مسيحياً، بل أن المسيح هو الذي اختارني والتقى بي حوالي الثالثة من صباح اليوم وقال لي: تكفيك نعمتي .

وكانت عند القسيس صورة للمسيح المصلوب، فأمسك بيدي وأشار للصورة، فسألت نفسي: هل كان هذا نفس المسيح الذي كلَّمني؟ ولكنه مضى يقول: جرَّد الناس المسيح حتى من ملابسه. لقد عُرِّي وجُلد وسُمِّر على الصليب. فماذا عساه يعطيك؟ . وكان يمكن أن تضايقني أسئلته لو كنت في حالة كبريائي الأولى، لكني اليوم أفتش عن سلامه! كان الخلاص كل ما سعيت إليه، والآن وجدته. فلو كنت مغروراً لغضبت وتضايقت. لكن الموقف بجملته كان جديداً تماماً بالنسبة لي، فلم يكن لعواطف الغضب أو الكبرياء محل في قلبي الذي امتلأ بالسعادة. لم أكن أعرف ذلك وقتئذ، لكني اكتشفت فيما بعد أنهم ينظرون بارتيابٍ لمن يستفسر عن المسيحية أو يريد أن يصبح مسيحياً. يبدو أن كثيرين يريدون أن يصبحوا مسيحيين بسبب الفوائد التي يمنحها المرسلون، وهي التعليم الجيد والطعام والملبس والمأوى. وليس مدهشاً أن الذين أتوا إلى المسيحية من الهندوسية كانوا من طبقة الكنّاسين أفقر الفقراء. لكن لا ينبغي علينا أن نفترض أن كل هؤلاء المهتدين يأتون للكسب المادي. لابد أن هناك كثيرين مثلي وجدوا في المسيحية الشبع لأقصى ما يشتهون إليه، وعليهم تنطبق الكلمات التالية:

لا شيء في يديَّ أملكُ

سوى أني بصليبك أمسكُ

فإما أن تغسلني بدمك، أو أنني أهلكُ!

فقلت للقسيس: لا تقل إن المسيح قليل الحيلة ولا يقدر أن يمنحني شيئاً، لأنه أعطاني كل ما بحثت عنه. لقد جعل مني إنساناً جديداً ووهبني راحة البال . فقال لي: كل ما بوسعي أن أفعله لك هو أن أرسلك إلى صديقي القس وتون في جوجرا، وهو يقدر أن يساعدك .

لم يقبلوني فوراً، ويبدو أن الطريق طويل! فقد أعطاني القس رسالة وقليلاً من النقود لدفع نفقات المواصلات إلى جوجرا. إلا أن هذا لم يثبط همتي، فقد كان لإيماني الجديد معنى كبيراً جداً في حياتي، إذ اكتشفت أخيراً الكنز العظيم، ولن يقدر أحد أن يأخذه مني. علمت عندئذ أن الطريق للأمام لن يكون مفروشاً بالورود. ها هو القس وتون يخبرني أنهم سيمتحنون إن كانت رغبتي في المسيحية حقيقية، وعلى نتيجة امتحاني يترتَّب أمر معموديتي. إنها ليست إجراءً يحدث للشخص ضمن مجريات الأحداث، بل هي تكريس للمسيح وملكوته، فتنفتح أمام المهتدي للمسيح حياةٌ ذات أسلوب جديد، تحمل في طياتها مجموعة جديدة من القيم.

وفي البلاد الإسلامية يقتضي التحوُّل للمسيحية انفصالاً عن مجتمع وعبوراً للحواجز الثقافية. ويمكن أن تكون التجربة مؤلمة، ولذلك لا يمكن إجراء المعمودية بسهولة. ويشبه اعتناق المسيحية في البلاد الإسلامية ارتكاب خيانة، ولذلك يتخلى المهتدون للمسيحية عن امتياز الحياة في مقاطعة إسلامية كمسلمين. وفي بعض البلاد الإسلامية قد يكون هذا التحول سبباً في رفع الحماية القانونية عنهم، لأنهم مرتدُّون، والمرتدّ لا يرث ولا يُورَّث، ولا يحميه القانون. فليس بمقدور المهتدي للمسيحية أن يلجأ للقضاء إذا تعرضت ممتلكاته أو عائلته لاعتداء. وليس غريباً أن يتعرض أحد المهتدين من الإسلام إلى المسيحية للموت!

بيد أني كنت سعيداً بالاختبار، وهنا تمكن كلانا من التحقُّق من حقيقة ولائي للمسيح. وقد هيأ القس وتون لي غرفة الزوار، وكل أثاثها سرير مهشم قديم تفترشه بطانيتان. ولم تكن حياتي سهلة، فمرةً أمضيتُ ثلاثة أيام جائعاً حتى خارت قواي، إذ كان القس وتون مسافراً. وحينما عاد اغتم لذلك وطيّب خاطري. كان هذا جزءاً من الاختبار، لذلك لم أذكره وقتها لأحد. ولم أكن أحب مغادرة غرفتي كثيراً لأن الناس كانوا يتحدثون عني بأشياء قاسية. فمنهم من قال إني تنصَّرت لأبحث عن فتاة لأتزوجها، والبعض قال إني أبحث عن المال، وآخرون قالوا إني أبحث عن عمل لديهم في الإرسالية. أما أنا فلم أقل شيئاً. كانوا يتنافسون على حيازة رضى وإعجاب المرسَلين بدلاً من إرضاء المسيح الذي يخدمونه. وكنت أنا وسطهم مسكيناً لا حول لي ولا قوة. ومع ذلك كان القس وتون لطيفاً جداً معي، وأخذني إلى بيته وأوصى الطباخ أن يعتني بي ويعدّ لي الطعام. ولكن حرارة المكان كانت فوق احتمالي، فأقنعت القس وتون أن ينقلني إلى مكان آخر.

ولم أشأ أن أخبرهم عن ماضيّ في الثراء، وكضابط في القوات الجوية الملكية حتى يغيّروا معاملتهم لي. ولما طُلب مني أن أعمل حارساً ليلياً قبلتُ هذا بسرور، لأني لم أشأ أن أُثقل على أي واحد.

كانت المدرسة وبيت الضيافة في جوجرا مغلقين أثناء شهر يونيو )حزيران( فتكفَّل بالعناية بي رجل قديس اسمه سِواك بوتا مسيح . كان هذا الأمر فضلاً من الله عليَّ أن أكون بالقرب منه. فعلى الرغم من قلّة أجْره كان كريماً في مساعدتي. هكذا الدنيا! فأسخياؤها متواضعون يخدمون إله الحق بلا تذمر. وقد أرست صداقته الأساس في نموّي الروحي، فمنه تعلمتُ طبيعة الإيمان المسيحي الحقيقية، وما تتضمنه الحياة المسيحية العملية. كانت الصلاة ركناً هاماً في حياته، بل إن حياته كلها كانت حياة الصلاة. كم أمضينا ليالٍ في الصلاة والوقت يمضى دون أن نشعر. وفرح قلبي جداً بمخلّصي الذي أعلن ذاته لي. وفي نهاية سبتمبر )أيلول( 1949 أُخبرت أن معموديتي ستكون في 2 أكتوبر )ت1( في أول اجتماع لمؤتمر جوجرا. ووضعوا أمامي بضعة أسئلة للتحقُّق من عمق إدراكي للخطوة التي أخطوها، منها ما عدد الكتب التي قرأتها، وأجبتُ أني قرأت كل كتب القس وتون. وتمت معموديتي في 2 أكتوبر )ت1( مما كان سبب فرحٍ كبيرٍ لي وأنا أحتذي مثال ربي.

الآن صرت جزءاً حقيقياً من عائلة المسيح. وتواضعت تقديراً لإخواني المسيحيين، وكعلامةٍ على ذلك اتخذت اسم غلام أي عبد فصرت غلام مسيح أي عبد المسيح بوصفه اسم معموديتي. كان الأسبوعان التاليان لمعموديتي عامرين بالفرح منذ أن شعرت بالانتماء للمسيح ولشركة المؤمنين به. كان ربي حقيقياً جداً بالنسبة لي، وكان تصميمي على خدمته بقية حياتي ينمو يوماً بعد يوم بقوة وثبات. شعرت بفضل الله عليَّ كخالق مُحب، مما جعل حبي له يزيد أكثر فأكثر على الرغم من عدم استحقاقي.

وسرعان ما تعلمت قيمة اجتياز النيران المُصفِّية، فحدث أن سافر القس وتون والسيد شاران داس والقس ب.م أغسطينوس الذين عمّدوني، فقد ذهبوا إلى لاهور لحضور اجتماع. وكنت بمفردي حينما قابلت عمي الغاضب بصحبة أخي الأكبر، وقد أتيا لأجلي. وفي معظم البلاد الشرقية تشمل الأسرة ليس فقط الأم والأب والإخوة والأخوات، ولكن أيضاً الأعمام والأخوال والخالات والعمات. وعلينا واجبات ومسئوليات أمامهم، وليس من حقي أن أعاملهم كأن شيئاً لم يحدث. كان من المستحيل أن أعلن استقلالي عنهم لما لديهم من الجاه والسلطان والثروة. وقدَّم لي عمي خيارين : إما أن أذهب معهم على الفور دون أن أعرِّف أحداً بذلك، أو أن ينفذوا تهديدهم. لو رفضت أن أذهب معهم سيذهبون إلى مسئولي المدينة ويعلنون عن ارتدادي، مما يثير غضب الناس فيضربوننا أنا ومسيحيي جوجرا . كانت أسرتي الجديدة المسيحية ستتعرض للمتاعب إن لم أستجب لطلب عائلتي الأولى المسلمة. ولم أشأ أن أكون سبباً في ذلك. وعلى الرغم من أني تضايقت ولم أعرف كيف أعالج هذه الأزمة التي باغتتني في بداية الطريق، إلا أني تذكرتُ من سلّمتُه حياتي، وأردتُ أن أطيعه. كانت مشيئته هي القوة التي تهدي حياتي، لذلك قلت لعمي: سأسأل سيدي .

وأغلقت الباب وسألت الله ماذا يجب أن أفعل. ولم يتركني حائراً، بل قال لي: اذهب معهم، لأنك يجب أن تدعو عشيرتك الأقربين للإيمان بي. وستشهد لي أولاً في أورشليم، ثم السامرة، ثم أقاصي الأرض . وكم أدهشني أني أسلك على نهج تلاميذ المسيح، كما جاء في كتاب الله العزيز في أعمال الرسل.

وعدتُ إلى أقاربي وقلت لهم إني مستعد أن أذهب معهم. لم أخش أن أستأمنهم على نفسي لأني علمت أني في يدي صاحب الأذرع الأبدية التي تحملني وترفعني. وهكذا رافقتهم إلى ليلابور والتي تسمى الآن فيصل أباد .

الهروب بمعجزة
الصفحة
  • أنشأ بتاريخ .
  • عدد الزيارات: 17141