Skip to main content

تكفيك نعمتي - الهروب بمعجزة

الصفحة 9 من 12: الهروب بمعجزة

الفصل الثامن

الهروب بمعجزة

كان اهتدائي للمسيح مصدراً لراحة بالي، مما جعل لحياتي مغزىً ومعنى. وما أعظم الفرق بين حالي الآن وما كنت عليه! ولكن عائلتي كانت تطلب شيئاً واحداً: أن أترك المسيحية وأعود مسلماً. كان تحوُّلي عاراً لهم لا يمكن أن يتجاهلوه، حتى قالت لي بنات أختي إن خُطَّابهن رفضوهنَّ بسبب تحوُّلي. كان ما حدث معي غماً للأسرة. كنت أعلن لهم أن المسيح ليس مجرد نبي كأي نبي، لكنه ابن الله، الأمر الذي جعلهم يعتبرونني مشركاً لأن الله لم يلد ولم يولد. وبما أن مفهوم البنوَّة في الإسلام جسدي محض، كان اعترافي إشراكاً، مع أن الأفكار المجازية ليست غريبة على التراث الإسلامي. فأحد الصحابة يدعى أبو هريرة لولعه الشديد بهذه الحيوانات، وسُمي أحد أعمام محمد أبو جهل لأنه رفض نبوة محمد، وهلم جراً. والأمر نفسه ينطبق على بنوة المسيح لله، فهي بنوية روحية.

وكانت أسرتي تدرك أنه إن كان المسيح هو ابن الله، تكون لنبوَّة محمد كرسول الله ووحي القرآن مكانةٌ ثانية بعد المسيح، وقد ضايقهم هذا ضيقاً عظيماً.

عاملتني أسرتي بوصفي كافراً، وأرغموني أن أتناول طعامي في الشارع. إلا أني لم أتذمر، بل أكلت شاكراً. كان اضطهاد أسرتي لي فرصة لأجاهر بالدعوة إلى الإيمان بالمسيح، فجاء الفقهاء من كل صوب وحدب يحاججونني. فهذا شاب فقيه حديث التدريب يرفع الراية البيضاء بعد وقت قصير، ولكنه من فرط يأسه وصفني بالجنون. ثم جاء فقيه شيخ لم يراجعني في قراري، ولكنه أخذ يضحك مني بصوت عالٍ، ثم قال: إذاً أنت مسيحي! . ولما سألت منه النصح والإرشاد قال: أي إرشاد تريد؟ هناك سبب واحد لأجله يعتنق أمثالك المسيحية . وعلمت ما يدور برأسه، فقد ظنَّ أني آمنت بالمسيح لأتزوج فتاة مسيحية، فطلبت منه أن يأذن لي بالكلام، وقلت: لقد أتيتُ لأستمع لك لأن أسرتي تعلق عليك آمالاً كبيرة في هدايتي للصراط المستقيم. لكني لم أتوقع منك مثل هذه الاتهامات الغليظة. إن الجنس والدِّين أمران مختلفان، ومن يقبل الدين أو يرفضه بسبب الجنس مجنون. أحب أيضاً أن أشير إلى أني كمسلم كان من حقي أن أتزوج أربع زوجات، وأكثر من ذلك إن وسَّع الله لي في الرزق! أما بعد وفاتي فإن لي اثنتين وسبعين حورية في الجنة. لكن الدين والإيمان يسموان على هذه الاعتبارات الأرضية، ولا يمكن التنازل عن العقيدة لم

جرد الجنس. لقد اتهمتَني بأني جعلتُ الجنس والزواج الركيزة التي يرتكز عليها إيماني بالمسيح، مع أن بقائي في الإسلام كان يضمن لي أفضل مما تقدمه لي المسيحية في هذا المجال . وهنا صرخ فيَّ الفقيه الشيخ: اخرس أيها المتوحش السافل . أجبتُ بوداعة: لا داعي للغضب. هيا نتحاجج فصاح في غضب: اطرحوه على السلالم

وهنا لم يُطق أخي ذلك، وردَّ غاضباً: رويدك، رويدك. إياك أن تلمسه، فلو كانت القضية هي ضربه حتى يخرَّ جريحاً لتولَّت الأسرة ذلك .

بعد هذه المحاولات الفاشلة أدرك عمي وأخي أنه ليس من السهل إقناعي بالعدول عن إيماني. وقررا إرسالي إلى لاهور، لعل قريباً لنا هناك يردّني إلى صوابي . وفي لاهور اعتدت زيارة الكابتن اسحق في جيش الخلاص في القرية المجاورة ليلاً لنصلي معاً. كما جاء صديقي دوجلاس لزيارتي وتشجيعي والاطمئنان عليَّ. وسرعان ما فاحت رائحة أخباري هذه. وقررت عائلتي التخلّص مني بوضعي في كيس وإلقائي في نهر رافي السريع الجريان، والذي تكفَّلت تياراته القوية بقتل الكثيرين من الذين ينصبّ عليهم غضب إخوتهم من البشر!

وذات ليلة شتاءٍ قارس البرد كان من المقرر أن يقوم النهر بوظيفته المألوفة معي، فحبسني أهلي في غرفة حتى يحين الموعد الذي حدَّدوه للتخلُّص مني. ولم يكن لي من ملاذٍ سوى الصلاة. وكنت منذ أن آمنت قد تعودت على حفظ آيات الكتاب المقدس، فبدأت أتلو تلك الآيات، وكم سبَّبت لي آيات مثل الرب راعيّ تعزية كبيرة. وجعلتُ تارة أبكي وتارة أردد الآيات. لكني معظم الوقت تحدثت مع الرب. علمت أنه حاضر وأنه سيحتضنني بعد موتي. كنت محصوراً بين الفرح بوجودي في حضرته والغم على عذاب الموت الذي يدبرونه لي. فرحت لأني عرفت قوة الرب، أما أن تُنهي أسرتي حياتي فهذا ما كان محزناً. لكني لم أشك ولو للحظة في إحسان الله. ولم أفكر أني أخطأت الطريق الذي اخترته. علمت أن المسيحية هي الصراط الوحيد لي. كان عندي اليقين أني سأكون مع الرب بعد وفاتي، ولا شيء يزعزع هذا الاعتقاد عندي.

وبينما أتلو وأردد الآيات، هزّني قول الرسول بولس: فَإِنِّي مَحْصُورٌ مِنْ الِاثْنَيْنِ: لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ ا لْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً. وَل كِنْ أَنْ أَبْقَى فِي ا لْجَسَدِ أَلْزَمُ مِنْ أَجْلِكُمْ )فيلبي 1:23 ، 24(. راودتني الرغبة في الحياة لأجل إخوتي الذين يعيشون في الظلام، حتى أعلن لهم أخبار الإنجيل المفرحة بواسطة موت المسيح وقيامته لأجل الجنس البشري. تذكرت كلمات الصادهو سندر سنغ السيخي الذي آمن بالمسيح: الموت لأجل المسيح أسهل من الحياة لأجل المسيح، فالموت يستغرق ساعة أو ساعتين. أما الحياة لأجل المسيح فمعناها الموت يومياً . وسألت نفسي: أليس من الأفضل أن أتألم لأجل المسيح كل يوم؟ وأدركت عظمة تضحية المسيح لأجلي بموته على الصليب. صليت بحرارة، لا خوفاً من الموت الجسدي، ولكن لأحيا وأموت يومياً شاهداً للمسيح الذي أحبني وبذل نفسه لأجلي.

سيدي ومخلصي، إن روحي مطمئنة لأني أعلم أني بعد هذه الحياة سآتي إليك. لن يكون هناك حاجز بيني وبينك. لكن الناس، خصوصاً من يريدون قتلي ويخططون له، سيشمتون لأنهم نجحوا في إنهاء حياتي. إن الموت هو البوابة التي أدخل منها إلى الحياة. جزءٌ مني يشتاق إلى الدخول، لكن موتي يعني نهاية شهادتي لاسمك في هذا البلد. فإن كان ذلك يرضيك، أخرِجْني من هنا الليلة، وأعطني امتياز إعلان خلاصك العظيم بين البشر، لأخبرهم كيف تعطي الخطاة اليقين بأن لهم حياةً أبدية في الآخرة. أشتهي يا ربي أنه كما نطق لساني بأوامر قَتْل الآخرين، أن يعلن من الليلة كلماتٍ تمنح الحياة. طهِّرني هذه الليلة من الأنانية والقلق على حياتي. وإن أبقيتني حياً، أعدك بأن ترتبط نفسي بخدمتك كل أيام حياتي، ودافعي الوحيد هو إعطاء المجد لاسمك. لقد كنت أجد سعادتي في قتل من خلقتهم، فساعدني لأعمل على جذبهم للحياة معك. فإن كانت تلك مشيئتك الكريمة فلتنجني هذه الليلة بالذات من هذا المكان. آمين يا رب العالمين .

بعد أن فرغت من الصلاة وجدت أنني بدلاً من أن أتجمد من البرد كان جبيني يتصبب عرقاً. وفجأة فتح شخصٌ ما القفل من الخارج. لكن لم يتقدم أحد نحوي. وإذا بي أسمع صوتاً يقول: هيا اركض، فإني فتحت الباب لأجلك . ولما لم أر أحداً علمت أن الله يكلمني. ولم أعرف إلى أي اتجاه أجري، فأخذت أجري تجاه ري ويند مهتدياً بشريط سكة الحديد. ودخلت قرية وجدت في ساحتها صبيةً يلعبون، فسألت أحدهم: يا ابني، أيوجد مسيحيون هنا؟ فأجاب: نعم، أبي هو القسيس هنا فرجوته أن يأخذني إليه، فإذا هو الكابتن صموئيل في جيش الخلاص الذي كان طيباً جداً معي حينما أخبرته بما جرى. طمأنني أني في أمان تماماً، ولو كانت هناك مشاكل فسيفديني ولو بحياته. صرفنا وقتاً قصيراً في الصلاة، وأراني سريري ثم أرسل إلى طبيب القرية الذي أعطاني حقنة وبعض الأدوية. قضيت أربعة أيام عنده، ثم استأذنته في الانصراف إلى جوجرا وهناك في 15 ديسمبر )كانون الأول( فرح بي أصدقائي، وخاصة القس وتون والقس أوغسطينوس وبوتا مسيح والأستاذ شاران داس. وكانت قصة هروبي العجيب سبب فرحٍ كثيرٍ لنا.

وفي عيد الميلاد تعمَّدنا أنا وصديقي باوا مسيح في قريته مع آخرين من مناطق نائية، وكان أهم شيء بالنسبة لي أني صرت عضواً في المجتمع المسيحي، فكان الحب بيننا متبادلاً. إن الشركة المسيحية المتميزة بالانسجام والثقة هي مصدرٌ للتشجيع والعون على نمو النضج المسيحي. كنت آمناً مطمئناً بين أصدقاءٍ قبلوني كفردٍ منهم، لذا أرفع قلبي بالشكر لله عز وجل.

الكرازة بالمسيح
الصفحة
  • أنشأ بتاريخ .
  • عدد الزيارات: 17078