Skip to main content

الطريق الذي عمله يسوع المسيح لخلاص كل الناس - طبيعة المسيح وعظمته ظاهرة بوضوح حتى في أسفار العهد القديم

الصفحة 5 من 9: طبيعة المسيح وعظمته ظاهرة بوضوح حتى في أسفار العهد القديم

ومما تقدم علمنا أن طبيعة المسيح وعظمته ظاهرة بوضوح حتى في أسفار العهد القديم (انظر مز 2 :7 ومز45 :6 ومز 72 ومز 110 :1 وأش 6 :1-10 مع يو 12 :40 و41 وأش 9 :6 و7 وص 25 :7-9 وص 40 :10 و11 وإر 33 :16 ومي 5 :2 ومل 3 :1 وص 4 :2 الخ). وبناء على ما جاء في سفر ميخا وهو قوله "مَخَارِجُهُ مُنْذُ القَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَل"ِ (ميخا 5 :2) يكون حقاً ما قاله المسيح عن نفسه "قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِن"ٌ (يو 8 :58) ولاحظ هنا أنه أسند إلى نفسه هذه الصفة كائن وهي من أخص وأشهر أسماء الله (خر 3 :14) ومن هنا نعلم أنه هو بنفسه الذي دعا إبراهيم من بابل وأنزل التوراة على موسى وبعث الأنبياء والرسل. وعليه فلا تحسب أن الإنجيل يرفع مقام المسيح أكثر مما ترفعه التوراة، بل كلا العهدين يتفقان على عظمة ذاته وسمو صفاته. راجع هذه الشواهد (مت 3 :16 و17 و16 :15-17 و17 :1-8 و26 :63 و64 و28 :18 ولو 1 :32 و35 ويو 1 :1-3 و9-18 و5 :17-29 و8 :23-29 و42 و56-58 و9 :35-37 و10 :27-38 و14 :9-11 و16 :12-15 و28 و17 :5 و21 وكو 1 :12-23 وفي 2 :5-11 وعب 1 ورؤ 1 :5-18 و21 :6-8 و22 :13 و16).
فإذا رفض إخواننا المسلمون دعوتنا إياهم أن يقبلوا المسيح مخلّصاً لهم (يو 5 :40) يكون من الأسباب الداعية لهم إلى الرفض عدم تصديقهم ذات كلامه الذي قاله عن نفسه، والذي قاله عنه الأنبياء السالفون.
ثم يجب أن لا ننسى أنه من المحال أن يخلّص المسيح العالم من الخطية ومن بغضهم لله لو كان مجرد خليقة من مخلوقات الله، ولو كان رئيس الملائكة، لأن الخلاص يتوقف على الثقة الكاملة فيه، وقد استحق هو هذه الثقة بما أعلنه عن حقيقة شخصه وبشهادة أسفار العهد القديم والجديد له.
فليس الاعتقاد بلاهوت المسيح إذاً فساداً لحق النصرانية، بل هو جوهر الدين الحق، لأنه لو فرضنا أن المسيح بسموه كان مخلوقاً لا يمكن أن يتخذ صلاحه وآلامه من أجلنا دليلاً على محبة الله لنا، بل بعكس ذلك تخالجنا الشكوك في محبة الله العظيم ونعمته لأنه أسلم أفضل مخلوقاته وأكرمها ليقاسي آلاماً وأحزاناً مثل هذه. ولكن إن قبلنا تعليم الكتاب المقدس واعترفنا "أن اللّه كَانَ فِي المَسِيحِ مُصَالِحاً العَالَمَ لِنَفْسِه"ِ (2كو 5 :19) واقتنعنا أنه هو والله واحد (يو 10 :30)، حينئذ يتيسر لنا أن نفهم إلى حد ما حقيقة تعليم الثالوث ومحبة الله العظيم لنا
واعتنائه بنا(1). فحينئذ نرى أن البشارة وجوهر الكتاب المقدس كله متضمن في هذه الآية "لِأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللّهُ العَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّة"ُ (يو3 :16) التي تحتج إلى قلوبنا وضمائرنا احتجاجاً لا يُقاوم، فتجذبنا إلى محبته وتخصيص ذواتنا لخدمته لأنه أحبنا أولاً (1يو 4 :9).
غير أن تسمية المسيح في هاتين الآيتين بابن الله كان حجر عثرة في طريق كثير من المسلمين، فانصرفت قلوبهم عن النظر إلى محبة الله المعلنة فيهما، لأنهم ظنوا أن هذه التسمية مخالفة على خط مستقيم لما ورد عندهم في القرآن في سورة الإخلاص. والحقيقة هي أنهم أساءوا فهم ما عناه الإنجيل بهذه التسمية، فإننا نحن المسيحيين ننكر بملء أفواهنا أن الله اتخذ ولداً بالمعنى الذي أنكره القرآن، فهو لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ومَن من النصارى يتجاسر أن يجدف على الله بهذا المقدار حتى ينسب إليه تعالى التناسل الحيواني كما زعم الوثنيون والجُهال من العرب الذي جعلوا لله بنات، تعالى الله عن زعمهم! ومع ذلك قد تسمى المسيح في الإنجيل ابن الله لا ولده، والفرق بين الابن والولد ظاهر، لأن كلمة ابن كثيراً ما تُستعار لمعنى مجازي، وأما كلمة ولد فلم تُستعمل إلا بحسب وضعها.

وقد أنكر الكتبة المسيحيون الذين كانوا قبل الهجرة بمئات السنين كل الإنكار قول الوثنيين المذكور، وبيَّنوا المعنى الحقيقي المتضمن في كون المسيح ابن الله. فإن كاتباً من أوائل القرن الرابع - أي قبل الهجرة بأكثر من ثلاثمائة سنة - اسمه لاكتنتوس قال : إن سمع أحد تعبير ابن الله فلا يخطر على باله هذا التصوّر المتناهي في الفظاعة، أي أن الله أنتج ولداً بزواجه واتحاده بأنثى، فإن فعلاً كهذا لا ينطبق إلا على ذوي الأجساد الحيوانية، ولكن الله روح غير محدود، وهو واحد، فبمن يتحد؟ فهذه البنوة خاصة لا عامة أزلية، لا حادثة تدل على وحدة الجوهر بين الآب والابن.

المسيح لم يتسمَّ بابن الله فقط، بل تسمى بكلمة الله أيضاً
الصفحة
  • عدد الزيارات: 14781