Skip to main content

الطريق الذي عمله يسوع المسيح لخلاص كل الناس - الكفارة هي المصالحة بين الله والإنسان

الصفحة 8 من 9: الكفارة هي المصالحة بين الله والإنسان

وبما أن البعض لم يفهموا تعليم الكفارة (رو 5 :11) فيحسن أن نشرحه بإيضاح. الكفارة هي المصالحة بين الله والإنسان، من المعلوم أنه قد سقط الإنسان من الحالة التي خلقه الله عليها، وإنه بإجرامه في خطية آدم أولاً، وبخطيته الفعلية ثانياً فقد الحياة الأبدية ونُفي من جنة عدن (تك 3 :3) والحياة الأبدية متضمنة في معرفة الله بواسطة المسيح (يو 17 :2) فلأجل إعادة تلك الحياة للذين فقدوها عليهم أن يقبلوها من الله واهب الحياة بيسوع. فإنّ "فِيه كَانَتِ الحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاس"ِ (يو 1 :4 و5 :26 وكو 3 :4 و1يو 5 :12) وتعطى الحياة بالمسيح وحده لا سواه (أع 4 :12) وكيفية ذلك كما نعلم من الإنجيل أنه يتحد بالمؤمنين وهم يتحدون به بالإيمان كما تتحد أغصان الشجرة بأصلها والأصل بالأغصان (يو 15 :1-6). وعلى هذا المنوال تجري فيهم طبيعته القدوسة وسجاياه الكاملة، وشُبَّه ذلك الاتحاد بالاشتراك في جسده ودمه (يو 6 :40 و47 و48 و51-58 و63)، وكأنه إذ تسربل طبيعة البشر كإنسان صار رأساً جديداً للجنس البشري. أو بعبارة الكتاب آدم الثاني وروحاً محيياً ونائباً عن البشر (يو 1 :14 و1كو 15 :22 و45)، فالذين يتحدون به بالإيمان (غل 2 :20) يأخذون سلطاناً أن يصيروا أولاد لله (يو 1 :12 و1يو 1-3 و4 :9) بفاعلية الميلاد الثاني الصادر من السماء بروح الله القدوس (يو 3 :3 و5) فنموت مع المسيح عن الخطية ونحيا به من جديد للبر (رو 6 :1-11).
ولكي يخلص الإنسان من الموت الأبدي الذي تسبَّب عن الخطية كنتيجة طبيعية وعقوبة شرعية (تك 3 :3 وحز 18 :20 ورو 6 :23) يجب أنه كما عصى وصية الله عن اختيار (تك 3) يطيعها تماماً باختياره أيضاً، وإذ صار ذلك المسمى كلمة الله إنساناً كاملاً فقد تمم الوصية، لأنه أطاع حتى الموت موت الصليب (في 2 :7 و8 قارن رو 5 :19) وبموته الثمين عنا وهو لم يعمل خطية قط قدم حياته فدية عن كثيرين (أش 53 :5 و6 مت 20 :28 ورو 3 :15 و4 :15 و5 :8-11 و1بط 2 :24) فيصحُّ أن يُقال إن المسيح حمل قصاص خطايانا (أش 53 :8) ولكنه لم يكن مذنباً، لأننا نعلم أنه ليس فيه خطية البتة (1يو 3 :5) بل يصح أن يُقال أيضاً أن كل ما احتمله من الآلام كان بسبب خطايانا. وبواسطة آلامه كل الذين يؤمنون به إيماناً حقيقياً يخلصون من الخطية ومن نتيجتها النهائية المزعجة التي هي البعد عن حضرة الله أو الموت الأبدي. فإذا كان المسيح مجرد إنسان كانت طاعته حتى الموت غير كافية لتخليص أحد غير نفسه، وما استطاع أن يمنح حياة روحية للغير.
وأما إذا كان إلهاً كما هو إنسان فيقدر أن يخلّص ويمنح حياة أبدية لجميع الذين يؤمنون به (يو 5 :26). إن الله لا يموت ويستحيل أن يموت، ولكن كلمة الله إذ صار إنساناً جاز بحسب طبيعته البشرية أن يذوق الموت من أجل كل واحد (عب 9:2) وقد مات من أجلنا (رو 4 :25 و6 :10) وقام ثانياً منتصراً على الموت وكاسراً شوكته (2تي 1 :10) بل واهباً الحياة لكل من يتحد به بالإيمان (يو 3 :16 و11 :25 و26).
وقد قلنا إن الله يكره الخطية حتماً لأنه قدوس بالطبيعة، لا سبيل لنا أن نغلب الخطية المكروهة منه إلا بإعلان محبته في المسيح الذي نحبه لأنه أحبنا أولاً (يو 3 :16و1يو 4 :19) وبهذه المحبة الحاضرة نستطيع أن نحبه ونعيش طبقاً لإرادته بمساعدة نعمة روحه القدوس، وهكذا نكون صالحين إلى حدٍّ ما في هذه الحياة، وصالحين تماماً بعد الموت (2كو 5 :14).
فبموت المسيح على الصليب نحصل على فائدتين : الأولى، الخلاص من الموت الأبدي، والثانية، النعمة التي بها نكره الخطية وننتصر عليها ( رو 6 :5-11 وغل 2 :20 و6 :14 وكو 3 :1-17 و1يو 1 :7) لأنه قد افتدانا من عبودية الخطية (مت 20 :28 و1كو 1 :30 وأف 1 :7 و1بط 1 :18-21) وقدم الكفارة الوافية الحقيقية عن الخطية (عب 2 :17 و1 يو 2 :2 و4 :10 ) وتلك الكفارة هي التي كانت ترمز إليها ذبائح وقرابين العهد القديم.
وإن ضميرنا الذي يبكتنا على خطايانا ويهددنا من حين إلى آخر بغضب الله هو دليل قاطع على عظم حاجتنا إلى المصالحة مع الله، وإذ كنا في حد ذواتنا عاجزين عن تقديم الكفارة المرضية الكاملة قد كفانا الله مؤونة ذلك وقدَّمها على حسابنا في شخص يسوع المسيح الذي هو إنسان كامل كما هو إله كامل. ونعلم من موت المسيح مقدار فظاعة الخطية وسوء عاقبتها، لأنها أدت إلى أعظم جرم تقشعر له الأبدان، إلى قتل ابن الله الوحيد، وأن محبة الذات والإرادة كانت المحرك لآدم إلى المعصية التي أنتجت هذا الجرم العظيم، فيلزم تضحية الذات التي هي أصل الخطية، وهذا ما فعله يسوع بموته على الصليب لأنه ضحى بذاته وضحى بمشيئته لحياة العالم، ولا يتمّ استحقاق موته الموجب للتكفير عن خطايانا بآلامه بالجسد، وإن كان بالغاً الحد، بل على ذبيحة محبته غير المحدودة، تلك المحبة التي جعلت القدوس يموت بمحض اختياره عن الأثيم الفاجر (يو 10 :17 و18) فهو نائبنا الذي وفى عنا مطالب العدل الإلهي القاضي علينا بحكم الموت (حز 18 :20).
فماهية ذبيحة المسيح هي في تسليمه نفسه بإرادته الحرة وتقديمه نفسه في طاعة كاملة حتى الموت أكثر منها في حقيقة الموت ذاته.
وبالجملة تألم المسيح إلى الحد الذي في وسعه أن يحتمله في ناسوته المتحد باللاهوت، فلم يتألم في جسده فقط بل في ذهنه وروحه، لأن حزنه على خطايا الناس كسر قلبه المحب (يو 19 :34) وإذ كان واحداً مع أبيه، فقداسته ومحبته للناس قادتاه أن يشعر بفظاعة خطايانا، إذ شاركنا في البشرية وأحسَّ بهول اللعنة التي ينبغي أن تصدر من الله القدوس ضد الخطية، ولهذا ذاق الموت من أجل كل واحد (عب 2 :9) بطريقة خاصة لا يمكن أن يعلمها إلا من كان قدوساً (مز 22 :1 ومت 27 :46 ومر 15 :34) وبهذه الكيفية أظهر الله محبته وعدله ورحمته مرة واحدة.

الذي مات على الصليب بناسوته كان إلهاً تاماً كما كان إنساناً تاماً
الصفحة
  • عدد الزيارات: 14777