حالة الإنسان الأصلية - معرفة الحق لا تبررنا، بل بالحري تزيد مسئوليتنا
وفي الكتاب شهادة يا حبّذا لو فطن إليها الناس وهي أن معرفة الحق لا تبررنا، بل بالحري تزيد مسئوليتنا ما لم نكن سالكين بموجب الحق الذي عرفناه (بشارة متى 7 :21-27 ولوقا 10 :25-28 ويوحنا 13 :17 ورومية 2 :13) ويشهد أيضاً أن العدالة الإلهية لا ترتضي أن تمس الطاعة الكاملة شائبة من شوائب النقص، بمعنى أنه لا يرتضي إلا بالكمال في أخلاقنا وأعمالنا (بشارة متى 5 :48). فإن أطاع الإنسان الوصايا جميعها ما عدا وصية واحدة يعد مجرماً (يعقوب 2 :10 و11 وغلاطية 3 :10-12) وكذلك الحال بالنسبة إلى القوانين المدنية، مثال ذلك أن قانون البلاد يمنع القتل والسرقة، فإن كنت لم تقتل ولكن سرقت ولو مرة واحدة في العمل وضُبطت، لا يشفع لك عند القاضي أنك لم تقتل بل يعاقبك على سرقتك. لم يُذكر عن آدم إلا خطية واحدة، ومع ذلك جلبت الويل والموت. تأمل ما أشنع عواقب الخطية الواحدة! من أجل ذلك لا تأمل أن تفوز بغفران الله عن معصية واحدة مقابل طاعات كثيرة. فمن طلب رضا الله بعمله، عليه أن يحفظ وصاياه جميعها بالضبط والدقة، ومتى تعدى على أقل وصية يُدرج اسمه في قائمة العصاة ويحال إلى الدينونة.
ولكن هل وُجد على سطح كرتنا الأرضية إنسان أطاع الله كل حياته طاعة كاملة؟ ومن ذا الذي أحب الله من كل قلبه وفكره ونفسه
وأحب قريبه كنفسه؟ (بشارة متى 22 :37 و39) ومن ذا الذي قضى عمره ولم يرتكب معصية ولا زلة ما ولا فرطت من فمه كلمة سوء ولا جال على خاطره فكر خبيث ولا شهوة رديئة؟ (أيوب 4 :18 و19 و25 :4-6 ومزمور 143 :2 ورو 3 :20) ولم يوجد إنسان عاش ومات ولم يعمل خطية قط إلا سيدنا يسوع المسيح.
وإذ قد علمنا أن كل الجنس البشري - ما عدا يسوع - مذنب بشهادة ضميرك وشهادة كلمة الله المعلنة في الكتاب المقدس، ألا يجب علينا أن نعترف بخطايانا بقلب منسحق خاشع أمام خالقنا قائلين: يا رب الأرباب البار القدوس، إن الطهارة التي أنت تريدها ليست فينا، ولذا نحن يا رب نستحق غضبك والموت الأبدي، فطهرنا.
أما كون الله يعاقب الخطاة على خطاياهم فقضية مسلّمة (أولا) لأن التجارب والاختبارات تؤيد ذلك (ثانيا) لأن شهادة الضمير تؤيده أيضاً (ثالثا) لأن كلمة الله تصرح بهذه الحقيقة (حزقيال 18 :20 وبشارة بشارة متى 2 :36 و25 :41 ورومية 1 :18 و2 :8 و9 وكولوسي 3 :25 و2تسالونيكي 1 :9) يتصور بعضهم أن الله يغفر للمذنبين ذنوبهم بدون أن يعاقبهم استناداً على كونه رحيماً ورحمته غير متناهية، إلا إن هذا محال إلا بتدبير طريقة لتكريم
شريعته والوفاء بمطالبها، وإلا كان غفر الذنوب بدون قضاء حق شريعته غير عادلاً،. حقاً إن رحمته ومحبته غير محدودتين ولكن لا تنس أن عدله وقداسته غير محدودتين كذلك، فيستحيل عليه أن ينظر بعين الرضى إلى فاعل الشر.
وعدا ذلك فإن الخطية بطبيعة الحال لعنة وقصاص لفاعلها، ولا يمكن أن يكون سعيداً لا في هذه الدار ولا في الدار الآتية، لأن الإنسان الشهواني مثلاً لا يعرف للسعادة الحقيقية معنى حتى هنا، لأن الخطية تنزل طبيعة الإنسان إلى الحضيض، فيصير قاسياً جباناً محباً للذات دنيئاً نذلاً متباعداً عن حضرة الله القدوس مصدر السعادة وينبوع السلام والسرور. قال المسيح "إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّة"ِ (يوحنا 8 :34) وأعظم قصاص يقع على الخاطئ هو بقاؤه في حالة الخطية، وذلك نصيب الذين أصرّوا على تفضيل الظلمة على النور والشر على الخير وإبليس على الله (يوحنا 3 :19 ورؤيا 12 :11).
ولاحظ أيضاً أنه من رحمة الله ومحبته أن لا يترك الإنسان يخطئ بلا عقاب، لأنه إن علم الإنسان أنه إن أخطأ لا يُعاقب يتهور في الخطية ويغوص في بحر الفساد، فتسوء حاله وتبلغ
تعاسته حداً لا يوصف، وتكون حياته ويلاً لنفسه وقومه. فأين هذه النتائج المحزنة المدمرة من رحمة الله ومحبته؟
- عدد الزيارات: 14524