حالة الإنسان الأصلية - إن التعدي على شريعة الله يوجب العقوبة
ويتضح إن التعدي على شريعة الله يوجب العقوبة، وإلا فلماذا أنزل الله الشريعة الأخلاقية ولماذا كتبت في الأسفار الإلهية؟ ولماذا كتبها على قلوب البشر؟ لا يقدر ذو عقل سليم أن يتصور أن عبيد الله العصاة والطائعين متساوون عند الله ويعاملهم معاملة واحدة.
وحيث أن كل الجنس البشري أخطأ ما عدا واحداً، فوجب علينا جميعاً القصاص، ولا قدرة فينا نحن الخطاة أن نرضي الله أو أن نكفر عن خطايانا وننال غفرانه ونحصل على المصالحة معه. ثم أننا لا نحتاج فقط إلى نجاة من القصاص، بل بالأكثر نحتاج أيضاً إلى وسيط نخلص به من قوة الخطية ومحبتها. فالقصاص حسن ونافع للخاطئ وفي الغالب يقوده إلى التوبة، ولهذا تُعد الخطية موجبة للقصاص دائماً. ولكننا نحتاج إلى طريقة بها نخلص من نتائج الخطية الأبدية التي تحول بيننا وبين الله، وتنفينا من حضرته المقدسة، وتسقطنا من محبته وعنايته الأبوية، وتحفظنا من أن نكون على صورة إبليس عقلاً وقلباً، وإذا لم نحصل هذا الخلاص فخيرٌ لنا أن لا نوجد. فكيف إذاً نجد طريقة الخلاص؟ إذا كان الإنسان في حالته الساقطة الحالية لا يمكنه
أن يتمم شريعة الله فمن أين له أن يكفّر عما مضى ويتصالح مع الله تعالى؟ إن أعماله الحسنة لا تستوجب أقل مكافأة، فضلاً عن كونها غير مقبولة بالمرة، كيف يقبل الله شيئاً من يدٍ مدنَّسة ومن قلب فاسد؟ وليس فقط أعمال الإنسان ولكن حتى كلماته وأفكاره مدنسة بالخطية، فكيف نستحق بأعمالنا الحسنة نوال مغفرة خطايانا مع عدم إتمامنا الواجب لله وللقريب؟ وذلك محال. ولو فرضنا أنه وُجد إنسان لم يخطئ قط، فلا يكون إلا أنه قام بالواجب، وليس للقائم بالواجب فضل (لوقا 17 :10) ولا يمكنه أن يشفع بواجبه لنفسه أو لغيره، ويعلّمنا الكتاب المقدس أن شريعة الله تكلّفنا أن نكرس له حياتنا بجملتها تكريساً تاماً (بشارة متى 22 :36-40) فإن أخطأنا إلى الله يوماً ما، فليس في وسعنا أن نعوّض ما فاتنا في المستقبل.
ويظن بعضهم بحماقة وجهل أنهم عبدوا الله أكثر مما فرض عليهم، وهذا منتهى الغباوة. وبالرغم عن دعوتهم الباطلة، إلا أنهم عندما يخلون إلى أنفسهم لا يقدرون أن يقنعوا ضمائرهم أنهم مبرَّرون في عين الله. وكثيراً ما تبكتهم قلوبهم بآلام مرة وتخيفهم من هول العقاب بعد الموت حتى يقضوا الجانب الأوفر من حياتهم معذبين في خوف الموت ويموتوا في عذاب شديد. ولنضرب لك مثلاً وهو
ما حكاه ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان عن أبي عمر، أن إبراهيم بن يزيد لما حضرته الوفاة جزع جزعاً شديداً، فقال : وأي خطر أعظم مما أنا فيه؟ أنا أتوقع رسولاً يرد علي من ربي، إما بالجنة أو بالنار، والله لوددت أنها تلجلج في حلقي إلى يوم القيامة وبالطبع كان ذلك من خوفه مما بعد الموت.
وكذلك لا تكفي التوبة لمحو خطايانا، نعم إن توبتنا عن خطايانا ضرورية إلا أنها لا تكفر عن ما مضى من آثامنا، فلذلك التوبة ليست كافية لخلاصنا، ويجب أن نلاحظ أن المتعدي على الشريعة البشرية لا تمحو التوبة عنه ما جناه، فهل إذا قال قاتل أو لص للقاضي إنه تاب عن فعلته، يكون القاضي عادلاً إذا أطلقه حراً؟ لا شك أن ذلك مخالف للعدل لدى أفكارنا الطبيعية. وحيث أن هذا الفكر عن العدل هو جزء منه الناموس الأخلاقي الذي نقشه الله على صفحات قلوبنا فلا بد أن يكون صحيحاً، ويوجد كثيرون تقست قلوبهم لدرجة لا يمكنهم معها التوبة إذا أرادوا.
ها قد رأينا أنه لا يمكن خلاص أنفسنا بأعمالنا ولا بعقوبتنا على الخطية ولا من نتائجها الأخرى، وبالأحرى لا يمكننا أن نتخلص من محبة وقوة الخطية ونحصل على المصالحة مع الله بواسطة استحقاق فينا.
- عدد الزيارات: 14526