Skip to main content

حالة الإنسان الأصلية - شريعة العهد الجديد أبلغ وأسمى من شريعة العهد القديم

الصفحة 4 من 7: شريعة العهد الجديد أبلغ وأسمى من شريعة العهد القديم

مما تقدم نرى أن شريعة العهد الجديد أبلغ وأسمى من شريعة العهد القديم، وهي توافق تمام الموافقة صفات الله الجلالية والكمالية لأنها توصي بنقاوة القلب وبالتالي تؤدي إلى قداسة الحياة. وبدون هذه الوصايا الروحية يضيع لب الدين ولا يبقى منه سوى قشور الرسوم الخارجية التي لا تبرّر الإنسان. إن وصايا الإنجيل أعلى في روحانيتها وكمالها من وصايا كل الأديان، لأنها مدبرة بطريقة خصوصية لتغير طبيعة القلب الفاسدة إلى طبيعة مقدسة تفيض أعمالاً صالحة مدى العمر. وعليه يجب أن نقبل وصايا الدين المسيحي، لا كأقوال بشرية مثل بقية الأديان (إلا الدين اليهودي) بل كما هي بالحقيقة وصايا الله نفسه. وإن أردت قولاً جامعاً لوصايا الإنجيل فانظر إلى ما قاله المسيح في هذا المعنى وتأمل فيه بعين مجردة من الغرض، قال : "تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، هذِهِ هِيَ الوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى، وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا : تُحِبُّ قَرِيبَكَ
كَنَفْسِكَ بِهَاتَيْنِ الوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالْأَنْبِيَاء"ُ (بشارة متى 22 :37- 39) وهذه الأقوال مقتبسة بتوسع من أسفار العهد القديم (تثنية 6 :5 و10 :12 و30 :6 و لاويين 18:19) فترى تعليم أسفار العهد القديم والعهد الجديد واحداً من حيث الواجبات التي يكلفنا بها الله، والطريق الذي ينبغي لنا أن نسير فيه، لأنه في العهدين يريد الله منا أن تمتلئ قلوبنا بمحبته لأنه أحبنا أولاً، حتى نصرف سائر قوانا الجسدية والروحية والنفسية والعقلية كل يوم وكل ساعة في خدمة الله ومرضاته. وكما أننا نبتغي الخير لأنفسنا ونسعى لمصالحنا يجب أن نعمل مثل ذلك لجيراننا، وإن كانوا أعداءنا، لأن الأعداء في اعتبار الله لم يخرجوا عن كونهم جيراننا وأقرباءنا وإخواننا، وإياهم قصد المسيح لما أوصى "تحب قريبك كنفسك" (لوقا 10 :25-37) بمثل هذه الفضيلة نطيع قانون المسيح الذهبي القائل : "فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ ا فْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ، لِأَنَّ هذا هُوَ النَّامُوسُ وَالْأَنْبِيَاءُ" (بشارة متى 7 :12) وعلى قدر ما في هذه الوصايا من توثيق رابطة المحبة بين الإنسان وخالقه، وبينه وبين بني جنسه، يتنقّى القلب من الجنس، وتُعتق النفس من محبة الذات، وتؤدي بطبيعة الحال إلى سعادة الدارين.
وكذلك توافق هذه الوصايا الناموس الطبيعي الذي نقشته يد
الخالق على صحائف القلوب والضمائر، فإن كنت تقارن بين ناموس ضميرك وشريعة قلبك وبين ما نتلوه عليك من وصايا المسيح وموسى، تعلم وتجزم أن تعليم الكتاب المقدس صادر من الخالق عز وجل، وتتحقق أنه موحى به منه، فليكن معلوماً لك أن الذين لا يقبلون تعليم الكتاب المقدس يدانون بموجبه في اليوم الأخير، لأنه منقوش على قلوبهم وضمائرهم، ولهذا السبب كتب الله شريعته الأخلاقية على القلوب حتى لا يكون عذر لمن عصى، حتى أن الوثنيين والملحدين مسؤولون عن حفظ الناموس الأخلاقي حسب طبيعتهم، لأن الناموس مكتوب على قلوبهم، ويعرفون إلى درجة ما أنهم خالفوا هذا الناموس الطبيعي، وأنهم واقعون تحت طائلة العقاب ومحتاجون لمخلص.
ولقائل يقول: إن كان الناموس مكتوباً على القلوب ويكشف لنا احتياجنا إلى مخلّص، فما الداعي إلى الكتاب المقدس؟ وأجيب: إن الداعي إليه هو وجود شهادة ثانية تؤيد شهادة الضمير، وأن في الكتاب المقدس بياناً أوفى ونوراً أعظم وثقة أرسخ لكي نتشجع في جهادنا الروحي طالبين منه تعالى العون في كل أحوال الحياة.

معرفة الحق لا تبررنا، بل بالحري تزيد مسئوليتنا
الصفحة
  • عدد الزيارات: 14096