هل إنباء المستقبل فى القرآن نبوءة من علم الغيب؟ - النبوءة بفتح مكة
رابعا : النبوءة بفتح مكة
جاء بعد فتح الحديبية : " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ، محلقين رؤوسكم و مقصرين ، لا تخافون . فعلم ما لم تعلموا ، فجعل من دون ذلك فتحا قريبا " ( الفتح 27 ) هو معاهدة الحديبية .
التفسير الصحيح ، و ( أسباب النزول ) تمنع أن يكون فى الآية نبوءة غيبية . قال الجلالان : " رأى رسول الله صلعم فى النوم ، عام الحديبية ، قبل خروجه ، أنه يدخل مكة هو و أصحابه و يحلقون و يقصرون . فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا . فلما خرجوا معه ، و صدهم الكفار بالحديبية و رجعوا ، و شق عليهم ذلك ، و راب بعض المنافقين ، نزلت " . و يقول السيوطى فى ( أسباب النزول ) : " أخرج الغريابى و عبد بن حميد و البيهقى ، أنه يدخل مكة و أصحابه آمنين محلقين رؤوسهم و مقصرين . فلما نحر الهدى بالحديبية ، قال أصحابه : أين رؤياك ، يا رسول الله ؟ فنزلت " .
فأصحاب محمد يشهدون بأن الوعد لم يتم . فليس فيه من نبوءة غيبية . قيل : لقد تحقق الوعد فى العام القابل . و لكن فى العام القابل ، دخلوا مكة بناء على معاهدة الحديبية ، لا بناء على وعد نبوى . و قد تخاذل صناديد قريش أمام قوة المسلمين الزاحفة . فليس فى الوعد معنى كشف الغيب ، إنما هو بنص القرآن القاطع " رؤيا " فى منام . و النبوءة الغيبية ، الخارقة للعادة ، السالمة عن المعارضة ، التى يتحدى بها كمعجزة له ، لا تكون " رؤيا " فى منام ! .
و ظروف الحال تمنع الاعجاز ، فزمن النبوءة مجهول : فهو تارة قبل الخروج إلى الحديبية ، و تارة فى الحديبية ، و السورة التى تذكره من بعد الحديبية . و النبوءة المعجزة لا
تكون مجهولة الزمان و المكان ، مجهولة المصير ، يجرى التاريخ بخلافها . فقد " قال أصحابه : أين رؤياك ، يا رسول الله " ؟
فكل القرائن القرآنية و التاريخية تمنع من أن نرى فى " رؤيا " المنام نبوءة غيبية . و لو رأى القرآن نفسه فيها أمرا خارقا للعادة ، لتحداهم به ، كلما تحدوه بمعجزة ! فهذه " الرؤيا " ، مثل " الوعد " بنصر بدر ، كلها أساليب تحريض على الجهاد ، لا أسلوب نبوءة من علم الغيب .
- عدد الزيارات: 19095