هل إنباء المستقبل فى القرآن نبوءة من علم الغيب؟ - استخلاف المسلمين فى الأرض
ثانيا : استخلاف المسلمين فى الأرض
جاء فى قوله : " وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ، ليسخلفنهم فى الأرض ، كما استخلف الذين من قبلهم ، و ليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم ، و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا " ( النور 55 ) .
فهل هذا الوعد نبوءة للمستقبل من علم الغيب ؟ أم أنه حادث مشهود يتم فى جزيرة العرب ؟
تلك الآية من سورة ( النور 55 ) نزلت فى غزوة بنى المصطلق ، فى شعبان سنة ست ه ، أى فى مطلع العام 628 م . و كانت تلك الغزوة بعد هزيمة احزاب قريش فى غزوة الخندق ، شوال سنة خمس ه أى فى آذار عام 627 م ، و بين صلح الحديبية فى آخر السنة السادسة ه ، أى فى آذار عام 628 م .
لقد ذهب الخوف على المصير فى فشل مشركى قريش بغزوة الخندق . و ساد الأمن المسلمين الذين يجهزون لحملة الحديبية ، فى غزوة سلمية لمكة بحجة الحج .
و هذا التصميم على اقتحام مكة ، و الرضى بصلح الحديبية مع صناديد قريش ، دليلان على تصاعد سلطان المسلمين فى الحجاز ، حتى سمى القرآن صلح الحديبية " فتحا مبينا " ( الفتح 1 ) .
فتلك الظروف التاريخية لا تجعل الوعد بالاستخلاف " فى الأرض " – أى فى الحجاز – نبوءة غيبية عن مصير مجهول لا يعلمه إلا الله . إنها تسجيل واقع ببلوغ المسلمين قوة النصارى و اليهود فى الحجاز . فمن يقتحم مكة ، و يرضى منها مرغمة بالصلح ، لا يجهل سلطان جماعته و مصيرهم الآخذ فى السيطرة على الحجاز .
و كل قائد يأتى بمثل هذا التحريض فى أحرج الأوقات على جماعته . فاستخلافهم فى الحجاز كاستخلاف أهل الكتاب فيه ، أمر مشهود يتم أمام عيونهم .
فليس هذا الوعد ، فى واقع الحال ، نبوءة غيبية . و لا يصح ذلك لأنه ليس أمرا خارقا للعادة ، مقرونا بالتحدى ، سالما عن المعارضة . فاستخلاف المسلمين فى أرض الحجاز ، مثل النصارى و اليهود ، واقع مشهود بعد اندحار المشركين فى غزوة الخندق ، و رضوخهم الى الصلح فى معاهدة الحديبية .
إن أسلوب التعميم و التجريد فى التعبير ، بعيدا عن ( أسباب النزول ) يوهم الخطأ فى تحميل القرآن ما لا يحمله من علم الغيب .
- عدد الزيارات: 19099