Skip to main content

قالوا ذكر القرآن لمحمد معجزات - معجزة

الصفحة 5 من 6: معجزة

رابعا : معجزة " الرمى " فى بدر
نزلت سورة ( الانفال ) فى ملابسات غزوة بدر ، التى كانت أول نصر فى الاسلام . و جاء فى وصفها :
" و إذا يعدكم الله احدى الطائفتين أنها لكم ، و تودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم و يريد الله أن يحق الحق بكلماته و يقطع دابر الكافرين ( 7 ) .
" إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم : انى أمدكم بألف من الملائكة مردفين : و ما جعله الله إلا بشرى ، و لتطمئن قلوبكم . و ما النصر إلا من عند الله … ( 9 – 10 ) . " إذا يغشيكم النعاس أمنة منه ،
" و ينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به و يذهب عنكم رجز الشيطان و ليربط قلوبكم و يثبت به الأقدام ( 11 ) .
" إذ يوحى ربك الى الملائكة : إنى معكم فثبتوا الذين امنوا ، سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب . فاضربوا فوق الاعناق ، و اضربوا منهم كل بنان ( 12 ) .
" فلم تقتلوهم ، و لكن الله قتلهم ! و ما رميت ، و لكن الله رمى ، و ليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا : ان الله سميع عليم ( 17 ) .
" إذ يريكهم الله فى منامك قليلا ، و لو أراكم كثيرا لفشلتم و لتنازعتم فى الامر ( 43 ) .
" و إذ يريكموهم ، إذ التقيتم فى اعينكم قليلا و يقللكم فى اعينهم ، ليقضى الله امرا كان مفعولا . و الى الله ترجع الأمور " ( 44 ) .
فى هذا الوصف القرآنى لمعركة بدر رأى المفسرون الأقدمون فى قوله : " و ما رميت إذ رميت ، لكن الله رمى " معجزة قال الجلالان : " و ما رميت يا محمد أعين القوم اذ رميت بالحصى ، لأن كفا من الحصى لا يملأ عيون الجيش الكثير برمته بشر ( و لكن الله رمى بإيصال ذلك اليهم ، فعل ذلك ليقهر الكافرين " .
و قال البيضاوى : " روى أنه لما طلعت قريش من العقنقل قال صلعم : هذه قريش جاءت بخيلائها و فخرها يكذبون رسولك : اللهم انى اسألك ما وعدتنى . فأتاه جبريل و قال له : خذ قبضة من تراب فارمهم بها . فلما التقى الجمعان تناول كفا من الحصباء ، فرمى بها فى وجوههم و قال : شاهت الوجوه ! فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه ، فانهزموا ، و ردفهم المؤمنون يقتلونهم و يأسرونهم .
" ثم لما أنصرافوا أقبلوا على التفاخر ، فيقول الرجل : قتلت و أسرت ! فنزلت : ( و ما رميت ) يا محمد ( إذ رميت ) أتيت بصورة الرمى ( و لكن الله رمى ) أتى بما هو غاية الرمى ، فأوصلها الى أعينهم جميعا ، حتى انهزموا و تمكنتم من قطع دابراهم .
" و قيل : معناه ما رميت بالرعب إذ رميت بالحصباء ، و لكن الله رمى بالرعب فى قلوبهم .
" و قيل : إنه نزل فى طعنة طعن بها أبى بن خلف يوم أحد ، و لم يخرج منه دم ، فجعل يخور حتى مات . أو رمية سهم رماه يوم حنين نحو الحصن ، فأصاب ابن أبى الحقيق على فراشه . و الجمهور على الأول " .
و أنت ترى اختلاف القوم أولا بموضوع الرمى هل هو حصباء ، أم طعنة سيف ، أم رمية سهم ، و ثانيا فى زمن الحادث ، هل كان فى بدر أم فى أحد أم فى خيبر ، أم فى حنين . و ثالثا هل كانت الحصباء التى رمى بها من الأرض أم من السماء ؟ بعضهم قال : من الأرض ، و بعضهم من السماء كما " روى ابن جرير ( الطبرى ) و ابن أبى حاتم و الطبرانى عن حكيم بن حزام قال : لما كان يوم بدر سمعنا صوتا وقع من السماء الى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت فى طست . و رمى رسول الله صلعم بتلك الحصباء فانهزمنا . فذلك قوله ( و ما رميت اذ رميت ) . و أخرج أبو الشيخ نحوه عن جابر و ابن عباس و لابن جرير من وجه آخر مرسلا مثله ( أسباب النزول ، للسيوطى ) . فترى تهافت التخريج و التفسير .
لكن ليس للحادث المعنى المعجز الذى يتوهمون : فرمى الحصباء فى وجه العدو ، مع الهتاف بالمعركة : " شاهت الوجوه " ! هو اشارة الى الزحف و الهجوم ، على عادة القوم . فهجم المؤمنون و هم قلة ، على قريش و هم كثرة ، فهزموهم شر هزيمة ، لأنها كانت فى نظر المسلمين مسألة حياة أو موت استبسلوا فى سبيلها حتى الاستشهاد . فليس للحادث معنى المعجزة ، و ليس فيه عنصر من أركان المعجزة : فلا الحادث عمل معجز ، و لا سبقه تحد ليكون له صفة المعجزة ، و القرآن نفسه لم ير فى الحادث معجزة له . ففى السورة نفسها يتحدونه بمعجزة " إذ قالوا : اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ! أو أئتنا بعذاب أليم " ( 32 ) . فلا يرد عليهم القرآن بمعجزة ، و لا يقدم لهم معركة بدر ، و حادث الرمى ، كمعجزة . و فى نظر المشركين ، لا معجزة و لا اعجاز : " و اذا تتلى عليهم آياتنا قالوا : لو نشاء لقلنا مثل هذا : إن هذا الا أساطير الأولين " ( الانفال 31 ) .
و فات القوم تحليل الوصف القرآنى كله لمعركة بدر . إنه وصف صوفى يرى يد الله فى أحداثها ، و تدخل الله و ملائكته فى وقائعها . و ما قصة " الرمى " إلا إحدى هذه الرؤى الصوفية للمعركة :
إمدادهم " بألف من الملائكة مردفين أى مترادفين متتابعين يردف بعضهم بعضا ، وعدهم بها أولا ثم صارت ثلاثة آلاف ، ثم خمسة كما فى آل عمران " ( الجلالان ) . و هذا التفاوت فى تحقيق عدد الملائكة دليل على الرؤيا الصوفية ، لا على الرؤية الواقعية .
و النعاس الذى " يغشاهم أمنة " مما حصل لهم من الخوف قبل المعركة هو أيضا عناية ربانية .
و المطر الذى ينزل عليهم فجأة ليستعيضوا به عن ماء بدر هو أيضا تدخل ربانى .
ثم وحى الله فى أثناء المعركة للملائكة بإلقاء الرعب فى قلوب المشركين ، و أمر الله إلى ملائكته ليضربوا المشركين فوق الاعناق و كل بنان . و هذا هو الحديث الغيبى كأنه محسوس !
ثم رؤيا محمد للمشركين فى المنام قليلا كى لا يفشل قومه من كثرة عددهم !
ثم ، فى أثناء المعركة ، يتدخل الله مع الجيش بالرؤيا ليرى المسلمين عدوهم قليلا و يرى المشركين عدوهم كثيرا ليتم القتال و النصر . فالرؤيا الغيبية تصبح شاملة .
فى هذا الجو الحماسى من الرؤى الصوفية لأحداث المعركة ، يجب أن نفهم مقالة الرمى : " و ما رميت ، إذ رميت ، و لكن الله رمى " ، مهما كان موضوع الرمى . فهى مثل قوله فى الآية نفسها : " فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم " ! فهو رد على تفاخرهم بعد المعركة ، حيث " كان الرجل يقول : قتلت و أسرت " ! فقد قتل من قتل ، لكن فى حقيقة الأمر " الى الله ترجع الأمور " ( 44 ) . على ضوء هذا المبدأ فسر القرآن أحداث المعركة و معنى " الرمى بالحصباء " ، و هو عمل مألوف إشارة الى الهجوم .
فليس فى هذه الأحداث كلها المشهودة و الغيبية من حادث معجز – و الأحداث الغيبية المقرونة بالمشهودة برهان قاطع على أنها تحليل صوفى للمعركة .
فليس للرمى بالحصباء من معنى المعجزة شىء ! و لا من أركان المعجزة شىء! فلم يأت الرمى جوابا على تحد بالمعجزة ، و فى السورة عينها لما تحدوه بمعجزة لم يرد عليهم " بمعجزة الرمى " !

معجزة انشقاق القمر
الصفحة
  • عدد الزيارات: 18101