قصة الناسخ و المنسوخ ، و الإعجاز فى التنزيل - حجّة مَن قال لا نسخ في القرآن واهية متهافتة
ثالثا : حجّة مَن قال لا نسخ في القرآن واهية متهافتة
هذا الواقع المرير في اختصاص القرآن بالنسخ في آيه ، فينسخ بعضه بعضا ، وما ينجم عنه من مدخل في الفتنة ومن حمل على الشبهات على التنزيل والاعجاز ، قام فريق يقول : لا نسخ في القرآن .
(1) تزعم هذا التيّار الزركشي في (البرهان في علوم القرآن) . وعنه ينقل الى اليوم مَن يذهب مذهبه ، مثل عبد الكريم الخطيب (اعجاز القرآن 1: 435 – 472) .
قال : "أكثر العلماء على أن في القرآن نسخا بدليل قوله تعالى "ما ننسخ من آية ، أو نُنسها ، نأت بخير منها أو مثلها" (البقرة 106) . ثم ان الذي ينظر في كتاب الله يرى آيات تعطي أحكاما خاصة ، ثم تأتي بعد ذلك آيات تعطي أحكاما تخالف هذه الأحكام ... ولا معنى لهذا التخالف بين الآيات في أحكامها إلا أن اللاحق قد نسخ السابق وأزال الحكم الذي تضمّنه وإن بقيت قرآنا متلوًا ...
"وكثير من العلماء أيضا يرى أن النسخ في القرآن ليس نسخا بمعنى الإزالة ، على ما فهم القائلون بالنسخ . وانما هو نسْأُ وتأخير ، أو مُجمل أُخّر بيانه لوقت الحاجة ، أو خطاب قد حال بينه وبين أوله خطاب آخر ، أو مخصوص من عموم ، أو حكم عام لخاص ، أو لمداخلة معنى في معنى ... وأنواع الخطاب كثيرة فظنوا ذلك نسخا ، وليس به . وانه الكتاب المهيمن على غيره ، وهو نفسه متعاضد" (الزركشي : البرهان 44:2) .
ويؤيّد رأيه بأن آية النسخ شرطية ، "وهل اذا جاء في القرآن الكريم شرط ، أيجب أن يقع هذا الشرط ، وأن يتحقق تبعا لذلك جوابه ؟ ... وعلى هذا يجوز في الآية الكريمة ألا يقع شرطها ولا جوابها" .
ويضيف الخطيب بأن آية النسخ ليست مبدأ عامًا في القرآن ، بل آية مخصوصة بنسخ القبلة من بيت المقدس الى المسجد الحرام : "وعلى هذا فإن أقرب مفهوم الى النسخ الذي تشير اليه الآية "ما ننسخ من آية" هو نسخ الأمر بالتوجه بالصلاة الى بيت المقدس وجعله الى المسجد الحرام" .
ثم يشرع في "تأويل ما يبدو فيه النسخ" تأويلا يجعل التشريع القرآني قوانين عابرة ، لحالات طارئة ، ليس عليه مسحة الشريعة الخالدة .
وخطأهم قائم على سوء فهم آية النسخ : "ما ننسخ من آية – أو نُنْسِها" وعلى تبنّي قراءة ثانية : "أو نَنْسَأها" أي نؤخرها . فالاختلاف في صحة القراءة لا يُبنى عليه عقيدة
أو مذهب . وليس حرف (او) عطف بيان للنسخ بالتاخير ؛ انما حرف (او) يدل على حالين مختلفتين : حالة النسخ وحالة النسيان أو التأخير . وليس في قوله : "ما ننسخ" شرط قد لا يتم وقوعه ، إنما هو تقرير واقع يصير مبدأ . وهب فيه شرطا ، فهو اسلوب قرآني في التقرير ، كما في قوله الصريح : "واذا بدّلنا آية مكان آية – والله أعلم بما ينزّل – قالوا : إنما أنت مفتر" (النحل 101) : فالشرط واقع يشهد عليه علم الله بالتبديل في التنزيل ، وتهمة النبي بالافتراء بسبب ذلك ، ومحنة ارتداد بعض المسلمين بسبب التبديل في القرآن (النحل 106) . فآية التبديل في القرآن تفسّر وتشهد لصحة النسخ في القرآن .
والنتيجة الحاسمة أن التبديل والنسخ في القرآن شبهة على الاعجاز في التنزيل .
فالتنزيل القرآني ، كما فيه تبديل آية مكان آية ، فيه أيضا نسخ آية بآية . وعليه شبه إجماع بين الأئمة مهما قال المكابرون . فقصة التبديل في القرآن ، مثل قصة النسخ في القرآن ، ليستا من "دلائل الاعجاز" في التنزيل . وتنزيل يعتريه النسخ والتبديل ليس من الاعجاز في التنزيل .
- عدد الزيارات: 12267