Skip to main content

العبادات - العبادة المسيحية

الصفحة 7 من 7: العبادة المسيحية

العبادة المسيحية:
قبل أن نتحدث عما يعلمه الإنجيل والمسيح عن العبادة يجب علينا توضيح نقطة هامة. كثيرا ما نسمع ونقرأ انتقادات من دعاة الإسلام للعبادة المسيحية، ونحن بدورنا نوافق على هذه الانتقادات. عند ذكر العبادة المسيحية غالبا ما يتبادر للذهن الصور والتماثيل والأيقونات وغيرها من طرق العبادة في الكنائس المسيحية التقليدية. مع الأسف الشديد أن الكثير من دور العبادة المسيحية الطقسية تغص بالصور والتماثيل من كل حجم ولون تمثل الله والمسيح ومريم العذراء والقديسين رجالا ونساء والملائكة. وقد تزيد هذه الصور والتماثيل في كنيسة ما عن عدد الأصنام التي كانت موجودة في الكعبة. ومما يبعث الحزن والأسى في النفس أن نرى الكثيرين ممن يُدعون مسيحيين ، بجهل أو بدون جهل ، يسجدون أمام تماثيل أو صور ويذرفون الدموع السخينة، ويرفعون الصلوات ويطلبون الشفاعات من أصحاب الصور والتماثيل. لقد رأيت في إحدى الكنائس القديمة في قبرص ما اشمأزت منه نفسي، حيث لم يخلو شبر واحد من الصور أو الرسومات والتي كان الكثير منها على مستوى القامة البشرية مغطى نصفها بالبلاستيك حتى لا تهترئ من تقبيل العابدين. لا شك أن مثل هذه العبادة هي عبادة وثنية ومزيفة. إن مثل هذه العبادة بعيدة كل البعد عن تعليم المسيح والإنجيل ومستوردة من خلفيات وثنية وغير مسيحية. هم بذلك يجهلون أو يتجاهلون ما يوصيه الله في الكتاب المقدس قائل: "لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض . لا تسجد لهن ولا تعبدهن . لأني أنا الرب إلهك إله غيّور .."(خروج 20: 4).
إن العبادة الحقيقية كما يعلّم المسيح والإنجيل هي عبادة وقرة وشخصية لا فروض فيها ولا طقوس ولا نيابة. إنها تعبير عن العلاقة الحميمة والشخصية بين الإنسان والله، ومحور هذه العلاقة هو شخص المسيح نفسه.
العبادة المسيحية كما علّمنا المسيح هي عبادة تخلو من الولاء أو الارتباط بأي بقعة جغرافية أو هيكل أو جسم مادي آخر مثل حجر أو جبل أو قبر أو غيره. العبادة المسيحية منبعها الروح وهي صلة بين روح الإنسان والله كما وضّح المسيح في حديثه مع المرأة السامرية: "... قالت له المرأة السامرية يا سيد أرى أنك نبي. أباؤنا سجدوا في هذا الجبل (جبل جرزيم) وأنتم تقولون أنه في أورشليم (القدس) الموضع الذي ينبغي أن يُسجد فيه. قال لها يسوع يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب. أنتم تسجدون لما لستم تعلمون. أما نحن فنسجد لما نعلم. لأن الخلاص هو من اليهود. ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق. لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له. الله روح. والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا. قالت له المرأة أنا أعلم أن مسيّا الذي يقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذلك يخبرنا بكل شيء. قال لها يسوع أنا الذي أكلمك هو". (يوحنا 4: 19-26).
مما سبق يتضح لنا أن العبادة الحقيقية هي عبادة بالروح تنبع من عمق الإنسان ووجدانه ولا علاقة لها بقمر أو شمس أو مدينة أو معبد مهما بلغ ذلك المكان من الطهر والقداسة. ناهيك عن بيت كان وكرا للأصنام من كل شكل ولون وحجم ومادة. لقد كان هيكل أورشليم (مسجد بيت المقدس) محور العبادة اليهودية، وقد بالغ اليهود وبذلوا الجهد للمحافظة على الهيكل من الأوثان والأصنام. وعندما حاول أنطيوخس اليوناني إدخال نجاسات اليونان الوثنية إلى الهيكل ، ثارت ثائرة اليهود على الرغم من ضعفهم وقلة عددهم، فدارت حرب مريرة حتى تمكن المكابيون من طرد المحتلين اليونان وتطهير الهيكل من النجاسات اليونانية الوثنية.
على الرغم من ذلك ومن طهارة هيكل أورشليم من الأصنام فإن المسيح لم يجعله قبلة ولا معبدا تتعبد له وفيه جميع الأجيال، ولكنه تنبأ وتكلم عن دمار هذا الهيكل وخرابه خرابا كاملا كما ذكر في الإنجيل: "ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل، فتقدم تلاميذه لكي يُروه أبنية الهيكل. فقال لهم يسوع أما تنظرون هذه. الحق أقول لكم أنه لا يترك ههنا حجر على حجر لا يُنقض." (متى 24: 1و2). وفي مكان آخر قال يسوع: "هوذا بيتكم يترك لكم خرابا." (متى 38:23). لقد تمت هذه النبوة بشكل كامل حيث خرب الرومان الهيكل عام سبعين ميلادية ولم يبقوا فيه حجرا على حجر تتميما لنبوات الأنبياء والمسيح (دانيال 9: 26 ومتى 24: 1-2). ولم تقم له قائمة بعد ذلك وحتى يومنا هذا. هنا لا بد من القول أنه من الطريف والغريب والمُستهجن أنه على الرغم من ثبوت هذه الحقيقة التاريخية ثبوتا لا يقبل الشك، فإن محمد ادعى وكما ذُكر في القرآن أنه أسري به ليلا إلى المسجد الأقصى (أي الهيكل) وصلى هناك بصحبة بعض الأنبياء منهم موسى والمسيح ثم صعد من هناك إلى السماء، وقد وصف الهيكل لسامعيه الذين ظنوا أنه أصابه جنون، ولكن أبا بكر أنقذ الموقف إذ ادعى هو الآخر أنه رأى المسجد وأيّد وصف محمد له. إن قصة الإسراء والمعراج طويلة وقد وردت في كتب السيرة والصحيحين والكثير من الكتب والمراجع الإسلامية، ويستطيع القارئ الرجوع إليها واستطلاعها بسهولة. على أي حال إننا نستغرب هنا من تصرف الله. كيف يسمح بهدم وخراب هيكل أورشليم الذي كان يُعبد فيه هو وحده وكان خال من الأصنام والأوثان، ولكنه يتعاطف مع عبدة الأوثان في جزيرة العرب ويحمي بيت أصنامهم. وبدلا من ذلك يهلك جيشا من أهل الكتاب ويرسل عليهم طير الأبابيل ترميهم بحجارة من سجيل؟ كيف يعاقب الله اليهود عقابا شديدا ويخرب هيكلهم خرابا لا قيامة له بعده. ولكنه يُحسن إلى عبدة الأصنام في مكة ويحمي بيت أصنامهم؟ ألا ترى يا عزيزي القارئ غرابة تصرف إله محمد هذا؟
العبادة المسيحية أيضا غير مُقيدة بحركة الكواكب والنجوم، ولا شأن للشمس ولا للقمر ولا للهلال ولا لغيرها في صلاة أو صيام المسيحي الحقيقي. لقد حذر الإنجيل من مثل هذه القيود البعيدة عن روح العبادة الحقيقية حيث يقول: "فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التي هي ظل الأمور العتيدة وأما الجسد فللمسيح" (كولوسي 3: 16 و17) . نعم المسيحي لا يحتاج أن يحمل معه سجادة أو حصيرة يفرشها في الساحات وعلى جوانب الطرق إذا حان موعد الصلاة، وهو لا يحمل معه بوصلة تدله على القبلة إذا ما قام للصلاة، ولا يحتاج أن يراقب هلال شهر من الأشهر كي يصوم أو يفطر.
الصلاة في المسيحية هي صلة شخصية بين المؤمن والله ولا شأن لأحد أو لشمس أو لقمر بها. المؤمن المسيحي لا يحتاج إلى مراسيم معينة في صلاته ولا لترديد قراءات أو عبارات معينة أو أداء حركات معينة. فصلاة المسيحي ليست نابعة من فريضة أو رهبة أو خوف من عقاب وإنما هي نابعة من القلب ، من محبة الإبن لأبيه، لذلك قال المسيح في الصلاة: "ومتى صليت فلا تكن كالمرائين. فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع كي يظهروا للناس، الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصلي إلى أبيك الذي في الخفاء، فأبوك الذي في الخفاء يجازيك علانية. وحينما تصلون لا تكرروا الكلام باطلا كالأمم. فإنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يُستجاب لهم. فلا تتشبهوا بهم. لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوا." (متى 6: 5-8).
أما الكيفية التي يأتي بها المسيحي للصلاة فهي الطهارة. وليست طهارة الجسد الطقسية التي تتم بواسطة الغسل بالماء أو التعفير بالتراب، وإنما هي طهارة القلب الذي قد تطهر من الخطيئة. إنها التطهير من الشهوة والبغض والحسد والكره والحقد والعداء والكبرياء والغيرة والغش والخداع والكذب...إلخ. إن كل مياه العالم وكل ما فيه من تراب لا يمكن أن تُطهر قلب إنسان واحد ناهيك عن قلوب كل البشرية المستعبدة للشر والخطيئة. إن الطريقة الوحيدة لتطهير قلب الإنسان كما علمنا الإنجيل لا علاقة لها بالماء ولا التراب. لا بل إن المسيح قد وبخ مثل هذا التطهير المُزيف كما جاء في الإنجيل: "حينئذ إلى جاء يسوع كتبة وفريسيون الذين من أورشليم قائلين لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ. فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزا. ثم دعا الجميع وقال لهم اسمعوا افهموا. ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان. بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان. إن كل ما يدخل الفم يمضي إلى الجوف ويندفع إلى المخرج. وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر. وذلك يُنجس الإنسان. لأن من القلب تخرج أفكار شريرة قتل زنى فسق شهادة زور تجديف." (متى 15: 1-19). إن التطهير الحقيقي أي تطهير القلب يتم عن طريق الإيمان بالمسيح والتوبة التامة والتسليم التام له وقبول موته الفدائي على خشبة الصليب لكي يكفر عن خطايانا ويفتدينا ليعطينا حياة أبدية، وكما هو مكتوب" "و لكن إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح إبنه يُطهرنا من كل خطية." (يوحنا 7:1). وهكذا فإنه لا يمكن للإنسان أن يكون على صلة مع الله ويعبده عبادة حقيقية بالروح والحق إن لم يكن قد تطهر قلبه بدم المسيح الذي مات من أجلنا، لأنه مكتوب: "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله." (متى 8:5).
المؤمن المسيحي يستطيع أن يصلي في أي وقت من النهار أو الليل، وفي أي مكان سواء كان ذلك في البيت أو في مكان العمل أو في سيارته، وأينما وجه وجهه شرقا أو غربا، شمالا أو جنوبا. لقد جاء في الإنجيل: "صلوا بلا انقطاع." (تسالونيكي الأولى 17:5). وجاء أيضا: "واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر." (كولوس 2:4). وأيضا: "مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لأجل جميع القديسين (المؤمنين)." (أفسس 18:6).
ما ذكرنا سابقا يتلاءم مع العبادة والصلاة الفردية. وأما من جهة العبادة الجماعية فكانت تتم غالبا في أول الأسبوع حيث كان المؤمنون الأوائل يجتمعون في أحد البيوت أو في مغارة أو في المقابر خوفا من مُضطهديهم. وكان المجتمعون يسمعون كلمة الله والوعظ والتعليم، كما أنهم كانوا يشاركون في اختباراتهم الروحية وفي تسبيح الرب والطلبات والصلوات. ونقرأ في الإنجيل أيضا عن طريقة العبادة: "فما هو إذا أيها الإخوة. متى اجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور له تعليم له لسان له إعلان له ترجمة. فليكن كل شيء للبنيان." (كورنثوس الأولى 26:14). وجاء أيضا "مكلمين بعضا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب." (أفسس 19:5).
كما تختلف عبادة الصلاة في المسيحية عن الإسلام فكذلك عبادة العطاء. لا توجد في المسيحية فريضة صدقة أو زكاة، كما لا يوجد في المسيحية عمال أو جباة لجمع الصدقات. العطاء في المسيحية هو عمل طوعي شخصي نابع عن إيمان المسيحي وعرفانه بالجميل لمن أعطاه الحياة والقدرة على الكسب. من المتعارف عليه والشائع بين المسيحيين المؤمنين إعطاء عشر أموالهم، والبعض يعطي أكثر من العشر بكثير، وهذا ليس فريضة موجبة للعقاب كما في الزكاة. لقد علّمنا المسيح عن الصدقة قائلا: "احترزا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لينظروكم. وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات فمتى صنعت صدقة فلا تصوّت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي يُمجدوا من الناس. الحق أقول لكم أنهم استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك. لكي تكون صدقتك في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية." (متى 6: 1-4).
الطريقة التي تُصرف فيها صدقات المسيحيين تختلف أيضا عن زكات المسلمين. حيث أن هذه الأموال لا تصرف إطلاقا على إعداد العُدة وشراء السلاح لقتال الكفار. وإنما تصرف هذه الأموال على الكرازة بالإنجيل ونشر الإيمان المسيحي في جميع بقاع المعمورة وعلى أعمال الخير والرحمة التي يستفيد منها ليس المسيحي فقط وإنما المحتاجين كافة حتى في البلاد الإسلامية. هناك الملايين من المسلمين وغير المسلمين الذي يستفيدون من صدقات المسيحيين. إذا ما وقعت كارثة في بلد إسلامي فإن الجمعيات الخيرية المسيحية هي من أوائل من يسرع لتقديم يد العون والمساعدة، وذلك على العكس من زكات المسلمين وصدقاتهم.
ما قيل عن الصلاة والزكاة يقال عن الصوم أيضا. فالصوم في المسيحية ليس فريضة وإنما هو عمل تعبدي شخصي يقوم به المؤمن تجاه الله، والهدف منه التذلل والتواضع بين يدي الله ولا علاقة له بشهر ما أو بيوم ما ولا علاقة له أيضا بقمر ولا بشمس ولا بفجر ولا بغروب. ثم أن المسيحي لا يصوم كي يحصل على غفران خطاياه بل لأن خطاياه قد غُفرت هو يصوم , فأن غفران الخطايا يتبع الإعتراف بها والتوبة عنها. والصوم كما علمنا المسيح لا يُعلن عنه بالتزمير والتطبيل وضرب المدافع. بل هو تذلل وخشوع وخضوع خاص وصامت بين يدي الله كما عبّر عن ذلك المسيح بقوله: "ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فإنهم يغيرون وجوههم كي يظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك وأغسل وجهك. لكي لا تظهر للناس صائما بل لأبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي في الخفاء يجازيك علانية." (متى 6: 16-18). ومن هذا نجد أن صيام المسيحي خاص بينه وبين ربه ولا علاقة لأحد به صام أم لم يصم.
أما الحج فلا حج إطلاقاً في المسيحية لأن الإيمان المسيحي لا يرتبط بأي مكان أو زمان، فلا كعبة ولا ذي الحجة ولا حجر أسود ولا صفا ولا مروة ولا مُنى ولا عرفات ولا احرام ولا اهداء.
بهذا ننهي حديثنا عن العبادات. نرجوا أن يجد القارئ المتعة في الموضوع التالي.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 24868