بحثاً عن مُحَمَّدٍ التَّاريِخيّ - السِّيَرُ الآخرَوِيَّة
لقد أُشير مرراً بأنّ للصيغ الآخروية في القُرْآن نصيباً مهيمناً . فلا يمكن قراءة صفحات عدة دون مصادفة بعض الإشارات إلى نعيم المؤمنين المقبل في الجنّة أو عذاب الكافرين في الجحيم ، أو وعيد اللّه بحساب عسير للكافرين . و الأمر قد يبدو وَسْوَاسَاً لمُحَمَّد . و يشير الدكتور ماكدونالد :
إنّ المفهوم الّذي كان ينتاب مُحَمَّداً ، بأنَّ ثمّة يومَ قيامةٍ قادماً حيث سيُحاسب الجميع ، و أنَّ اللَّهَ هو الحاكم و الدّيّان في يوم الحسابِ هذا . و أنّ قليلاً من سينجو .
آنذاك كان شعور الكارثة غامراً لدى مُحَمَّدٍ . إنّ العالم الخفيّ ، الشيء المَهُوْل الّذي يثوي خلف هذا العالم الّذي نراقبه ، الّذي يسبِّبه و يعمل من خلاله ، كان قريباً بشكلٍ مرعبٍ . و عند كلِّ منعطفٍ كان يشعر بما صِيغ بشكلٍ جيدٍ " إحساساً بالغضب القادم " .
( Aspects, pp. 70, 62 ) .
وقد رأى بعضُ الكتّاب المعاصرين ، مثلاً ، كازانوفا و هوروفيتس ، أنّ ذلك هو مفتاح إشكاليّة شخصيّة مُحَمَّدٍ . و إنْ لم يتمّ فعلياً كتابة سِيرةٍ مُحَمَّدٍ على أساس هذه النَّظرة ، بيد أنّها طُبقت للهجوم على إشكالات فرديّة كثيرة ، و بالأخص تلك التي تنهض في محاولات التفسير القُرْآني . و قد تعزز الموقف بدراسة كازانوفا " Mohammed et la Fin du Monde " ( باريس ، 1911 ـ 1921 ) . حيث يدّعي أنّ سرَّ رسالة مُحَمَّدٍ ثاويٌ في الحقيقة أنَّ مذهبه الأساسيِّ كان بأنّ " الأوقات الّتي أعلن دانيال و يسوع عنها قد أَزِفت : لقد كان مُحَمَّد آخر نبيٍّ اختاره اللّهُ لكي يرأس سويةً مع المسيح الّذي سيعود إلى الأرض لهذه الغاية لدى نهاية العالم و الحساب الأخير ( م ن ، ص 8 ) . لقد كان يؤمن بثبات و يعلّم بأنّ مجيئه ، و نهاية العالم مرتبطان سببياً وأنه يجب أنْ يشهد الدَّمار النّهائيّ قَبْل موتِه . و عندما كان شبح الموت يطوف به ، و حينما كان يشعر بأنَّ سنيه تمضي ، كان يستبدُّ به همٌّ شديدٌ ، و من المعروف كذلك أنَّ أَدْنَى أتباعه آصرةً رفض في البدء تصديق نبأ موته . و يعتقد كازانوفا أنَّ بعض الظواهر الغريبة في القُرْآن يمكن شرحها بالحقيقة أنّه كان يتوجب إعادة تحرير الوَحْيِ بما ينسجم مع واقعة موته ، و أنّ أشياءً كثيرة في التّطور الإِسْلاَميِّ المبكّرِ لاهوتيّاً و من نواحٍ أخرى تعود إلى عين هذه النّقطة .
- عدد الزيارات: 22264