Skip to main content

بحثاً عن مُحَمَّدٍ التَّاريِخيّ - المَصَادِر

الصفحة 2 من 12: المَصَادِر

 

المَصَادِر

إنّ اعتبارنا الأولُّ هو المَصَادِرَ، و من الطبيعي أنْ نتفحص أدب المسلمين، إذْ إنّهم أوّل من يٌؤمل منهم ترجمة حياة نبيّهم. هنا ولدى النّظرة الأولى فإنّ قلب الدّارس قَدْ يخفق ارتباكاً أمام العدد الكبير حقاً لِسِيَرِ المسلمين بصدد النَّبِيّ، حيث ثمّة مئات منها بالعَرَبِيّة، والفارسية، و التّركيّة، و الأوردوية، و المالاوية، وحتى بالصِّينية وبدرجة أقل ّ بلغات ٍ شرقية ٍ . على أيّ حالٍ، يبيّنُ البحث ُ الأشد ُّ اختصاراً أن َّ مشكلة المصادرِ هي بسيطة نسبيّاً، إذْ لا تعدو أن تكون مئات المجلدات الموجودة سوى تكرارٍ وإضافاتٍ خُرافيِّةٍ غيرٍ متصلة بالموضوع و بتعديلات ربما لما يقارب ستة من النّصوص ِ العَرَبِيّة المهمة الرئيسة.

إن َّ الأثر الأقدم الّذي بحوزتنا بصدد حياة مُحَمَّد ٍ كتبه مُحَمَّد ُ بنُ إسحاق، الّذي مات سنة 768 م، بعد مئة وثلاثين سنة من وفاة النَّبِيّ. إنّ كتاب َ ابن ِ إسحاق َ قد فٌقد على كلِّ حال ٍ، و كلُّ ما نعرفه عنه هو مقتبس منه ـ ومن حسن الحظِّ إنَّ هذه الاقتباسات قيّمةٌ في كتبِ المؤلِّفين الّلاحقين، لا سيما ابن هشام والطّبريّ. و علاوة على أنّ عمل ابنِ إسحاق هو المحاولة الأقدم المعروفة بصدد السيرة، فإنّ له أهمية أبعد من ذلك، هذا بغض النَّظر ِ عن أنّ الكاتب كان بشكل ٍ ما مفكراً حراً، أو لأنه لم يخضع لتأثير النزعات المُتأدْلَجَة المتأخّرة، إذْ إنّ عمله يتضمن معلوماتٍ حول سجايا النَّبِيّ الّتي لا ريب إنها سلبية. كما يستشهد دكتور مارغوليوث:

إن ّ شخصيةَ مُحَمَّدٍ الّتي جاء وصفها في سيرة ابن هشام سلبية ٌ إلى حدٍ بعيد. فهؤلا يتورّع عن وسيلة لكي ينال غايته؛ ويصادق على انعدام ضمير أتباعه، حينما تُمارس في مصلحته. و إذْ كان قد انتفع إلى الحد الأقصى من مرُوْءَة المكيين، فإنّه نادراً ما قابلها بالمثل. كان ينظم الاغتيالات والمجازر على نطاقٍ واسع ٍ . إن ّ سيرته في المدينة هي أنه زعيم ُ لصوص ٍ، الّذي تتشكل سياسته الاقْتِصَادِيّة من تأمين الغنائم وتقسيمها، وفي بعض الأحيان كانت تجري قِسْمة الغنائم وفق اعتبارات لم تكن ترضي فكرة أنصاره حول العدالة. إنّه نفسه كان خليعاً، طليق العنان ويشجع نفس الهوى لدى أتباعه. وبغض ِّ النّظر عن الفعل الّذي كان يقوم به فإنّه كان على أهبة الإستعداد لتبريره بتفويض إلهي ٍّ خاص ٍ . وعلى أيَّة حالٍ من المستحيل أنْ نجد أيَّ مبدإٍ، لم يكن مستعداً ليتنازل عنه من أجل ضمان الغاية السيَاسية. و عند مفاصل مختلفة في حياته تخلَى عن وحدانيّة الإله ودعواه بلقب النبوة. وهذه صورة بغيضة لمُؤسِّسِ الدِّين، و لا يمكن تبريرها بأنَّها صورة رسمتها ريشةُ عدوٍ؛ ولهذا السبب كان اسم ابن إسحاق واقعا ً في اعتبار متدنٍ لدى التقليدييّن الكلاسيكييّن للقرن الثالث الهجريّ، و إنْ لم يحاولوا تكذيبٍ هذه الأجزاء من السَيرة التي تحتوي على التفاصيل الأشدٍّ وجعاً حول شخصية نبيّهم .

( Encyclopedia of Religion and Ethics, volume 8, p. 878.)

و يلمّح مارغ وليوث إلى جانبٍ في صالح هذه السِّيرة، ذلك أن َّ ها نادراً ما تلجأ إلى الخارق، و حتّى عندما تُقدّم المُعْجِزَةُ فإنّ ذلك لا يظهر أنها تؤثر على السببيَّة.

إذاً، إن ّ المصدر َ الأولَ المهم الّذي وصل إلينا بالحقيقة هو كتاب ُ المغازي للواقدي ِّ. مات الواقديّ سنة 822 م، و لعلَّ أفضل نصٍّ يمكن الرجوع إليه هو ترجمة أجزائه المهمة في عمل فلهاوزن " مُحَمَّد ٌ في المدينة " ( برلين 1882 ). و على أيِّ حالٍ يتسم عمل الواقديِّ بقصورٍ جدي ٍ، ذلك إنّه يتعامل فقط مع حملات مُحَمَّدٍ. وبعد ذلك بقليل تأتي السِّيرَة النّبويّة لابن هشام ( تحرير فوستنفيلد ، غوتنغِن 1859، و قد تُرجمت إلى لغة ألمانيّة ٍ مبهمة من قبل فايل Des Leban Mohammeds , 2 vols., Stuttgart, 1864. )، و كتاب الطّبقات الكبرى لابن سعد ( تحرير إدوارد زاشاو، بمساعدة عدد من الدارسين الآخرين، في تسع مجلدات، طُبعت ما بين 1904 ـ 1921 في ليدن ) . مات ابن هشام سنة 933 م، وابن سعد 844 م . والأعمال اللاحقة بالعَرَبِيّة لها قيمة ثانويّةٌ مقارنة ً مع هذه الأعمال.

بكلِّ الأحوالِ ليست هذه الأعمال مصادر أولية، فهي نفسها مؤسسَة على مصدرين: الأحاديث ِ و القُرْآن ِ. والمجموعة الأهم ِّ من الأحاديث هي للبخاري ِّ ( ت 870 م )، ومسلم ٍ ( ت 874 م ). و لاحقاً سننظر إلى القيمة التي يمكن عزوها إلى الأحاديث. وسنعتبر القُرْآنَ الّذي حُرر تقريباً في الشكل الّذي لدينا خلال جيل ٍ من وفاة مُحَمَّد ٍ مصدرن َ ا الأولَ لحياة مُحَمَّدٍ. بالطبع، سيكون جلياً إلى أيِّ قارئ ٍ للقُرْآن ِ، كم هي المواد المتعلقة بالسِّيرة ضئيلة ٌ. و كان نلدِكه أول من أشار إلى أهمية الشاهد في القُرْآن في طبعة ( 1860 ) لعمله " Geschichte des Qorans "، ومن الممكن أنْ يكون عمل كانون سِـل " تطورُ القُرْآنِ التَّاريِخيّ ِ " ( مَدراس ، 1909 ) خلاصةً مدروسةً بصيغة سهلةٍ لعمل نلدِكه، حيث اشتغل سِل على مخطوطة مترجمة تمت لأجله في الهند .

بإمكاننا أن ْ نجد خلاصةً موجزةً ممتازة ً حول مسألة المصادر في مقالة زاشاو التي كتبها كمقدمة لكتاب ابن سعد من طبعة ليدن، أو الخلاصة الأقدم في مقدمة عمل السير ويليام موير " حياة مُحَمَّد ٍ "

الرِّوايات المسِّيحيّةُ المبكِّرة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 22262