Skip to main content

بحثاً عن مُحَمَّدٍ التَّاريِخيّ - السِّيَر المَرَضِيِّة

الصفحة 6 من 12: السِّيَر المَرَضِيِّة

السِّيَر المَرَضِيِّة

كان لا بدّ أنْ تعتري الدَّهشة الباحثين الأوربييّن بسبب تلك الإفادات الموجودة في المصادر حول النّوبات الغريبّة الّتي كانت توافي مُحَمَّداً ، سيّما عِنْدَ الوحي .

إنّ الانطباع... بأنّه كان عُرْضَةً للصَّرْاعِ تجد تأكيدها اللاّفت في الملاحظات المدوّنة لتجاربه أثناء الوحي ـ و لا يقللّ من أهميتها احتمال أن تكون الأعراض غالباً قد زُيّفت . العمليّة الّتي كانت تصحبها نوبة اللاوعي ، الّتي تُرافق ( أو تُسبق ) أحياناً بصلصلة الأجراس في الأذنيْن أو بتخيّل أحدٍ حاضر ، بإحساس الرعب ، تلك التي تدفع المريض إلى التّعرق و إمالة الرأس ، و إطلاق الزبد من الفمّ ، وتجعل الوجه يحمرّ أو يبيض؛ و إلى الشعور بالصّداع .
( مارغوليوث ، مُحَمَّد ، ص 46 ) .

لَمْ تُسْتَوْعَب هذه الحقائق كثيراً من قِبَلِ كُتّاب الاستشراق ، بيد أنَّ شبرِنغِر ، الّذي كان طبيباً عاماً ، أمسك بهذه الشواهد للصَّرْاع بوصفها حلاًّ مفتاحيًاً لشـخصيِّة مُحَمَّدٍ . و قد قام بعمله في كتابه الهنديّ الأوّل ، " حياةُ مُحَمَّد مِنَ المَصَادِرَ الأصليَّة " ( اللّه أباد ، 1851 ) ، الّذي هو مسودة هزيلة ، و تتوقف عند الهجرة من مَكّةَ ، و لاحقاً في بحثه الضخم :
" Das Leben und die Lehre des Muhammads " ( 3 مجلدات ، برلين ، 1861 ـ 1865 ) ،
و أخيراً في :
" Mohammed und der Koran: eine Psychologische Studie " ( هامبورغ ، 1889 ) .

إنّ عمل شبرِنغِر في هذا الاتجاه ممتع أكثر منه مقنعاً ، و قد تعرّض لنقد حادٍ . في مقاله في "كالكوتا ريفيو " لعام 1868 وصف السير موير عمله بأنّه : " مؤطّر بحب المفارقة ، و الميل إلى الاستهلال بالنّظريات المُشيَّدة على أرضيّات هشة . و يلاحظ هيرشفِلد : " إنّه يخطئ بكلِّ تأكيدٍ في أنّه يعزو نصيباً كبيراً في نشأة الإِسْلاَم إلى حالة [ مُحَمَّد ] العصبيّة أكثر مما تستحقها . إن النَّوْبَة الهلوسيّة و الهستيرية عامل غيرُ قويٍّ بما فيه الكفاية لإنتاج بالعموم جَيَشَانٍ كالّذي سببه الإيمان الجديد " New Researches," p.20. و يصفه هورغرونيه بأنّّه " عرض مبالغ فيه ليقينيّة مُؤسَّسَة على دراساته الطّبية السّابقة " Mohammadenism," p.42. . مهما يكن من أمر فقد وجد أتباعاً ، و كان أبرزهم الدكتور فرانتس بول ، العالم السابق للسّاميّات من كوبنهاغن ، الّذي طرح صيغةً معدّلةً من هذه النّظريّة في كتابه " Muhammed's Liv " ( كوبنهاغن ، 1903 ) . و يستوعب بول لحد كبير الحقيقة التي لاُحظت بأنَّ ذوي الطّبائع الهستيرّية يجدون صعوبةً غير عاديّة و غالباً عاجزاً كليّاً في تمييّز الصِّيغ الزائفة من الحقيقيّة . و تسيطر على هؤلاء الأشخاص الأفكار القاهرة ، و يستحيل عليهم النّظر إلى الأشياء على ضوئها الحقيقيّ ، و هو يظنُّ بأنّ ذلك هو السبيل الأكثر أمناً لتفسير التّضاربات الغريبة في حياة النَّبِيّ . و من الممكن أنْ نجد عرضاً لافتاً للرؤيّة البَاثُولُوجِيّة في بحث " حول هلوسة مُحَمَّد " ، في عمل صغير لـ " ويليام إيرلاند " ، بعنوان : " الجُلْطَة في الدِّماغِ : دراساتٌ في التّاريخ و علِم النّفسِ " ( نيويورك ، 1886 ) .

كان العمل المؤيّد للتّحليل النّفسيِّ " جوانب الإِسْلاَم " ( نيويورك ، 1911 ) للدكتور ماكدونالد ، من هارتفورد ، تطوراً إضافيّاً لوجهة النظر الهامة هذه ، حيث يخبرنا بأنّه يتطلّع إلى بحثٍ مستقبليٍّ مثمرٍ لحياة النَّبِيّ كي يكمل فرضيّة أنّها كانت حالةً بَاثُولُوجِيّةً بشكلٍ أساسي ، و بأنَّ " مآله إلى ذلك الفساد إشكالية مرةً أخرى لأولئك الّذين قاموا بدراسة كيف أنَّ غَيْبُوْبَةَ الوسيط الأِشد صدقاً يمكن أن تشرع بالخداع في أي وقت " ( م ن . ص 74 ) .

قبل أنْ نترك هذا القسم علينا أنْ نضيفَ كلمةً أُخرى حول عمل شبرِنغِر "Leben Mohammeds" . لا يجب أنْ يؤدي المللُ من النّظريّة بالدَّارس إلى تجاهل هذا العمل ، كونه الأكثر تحفيزاً من كلِّ الأعمال المتعلقة بسيرة مُحَمَّدٍ التي لدينا ، و هو منجم من المواد ، التي جُمعت بصبرٍٍ شديد و رُتبت بشكل متفوقٍ .

السِيَرُ السِّيا - اقْتِصَادِيّة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 22297