Skip to main content

هل يعتبر القرآن إعجازه معجزة له؟ - كلام الله والإعجاز

الصفحة 9 من 14: كلام الله والإعجاز

 

ثالثا : كلام الله والإعجاز

والقول بأن القرآن معجزة لأنه كلام الله ، ليس ميزة له وحده ، لأنه في هذا هو التوراة والإنجيل سواء ؛ كلها في نظر القرآن كلام الله المنزَّل تنزيلا : "آلم . الله لا إله إلاّ هو ، الحيّ القيوم نزّل عليك الكتاب بالحق ، مصدقًا لما بين يديه ، وأنزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس ، وأنزل الفرقان" (آل عمران 1 – 4) .

فبحسب منطق القرآن ، إن كل كتب الله معجزة لأنها كلام الله . فليس للقرآن ميزة عليها، من حيث هو كلام الله ، في الاعجاز والمعجزة . بل الميزة للكتاب على القرآن لأن القرآن جاء "مصدقا لما بين يديه" ، بل هو "تفصيل الكتاب" (يونس 37) ؛ والكتاب إمامه في الهدى والبيان : "ومن قبله كتاب موسى (وعيسى) إمامًا ورحمة ؛ وهذا كتاب مصدّق لسانا عربيًّا"(الاحقاف 12) ، فالإمام هو الكتاب ؛ وما القرآن سوى نسخة عربية عنه ليس فيها من مزيد سوى اللسان العربي المبين : وحسب النسخة في الاعجاز والمعجزة أن تكون مثل إمامها .

يردّ الباقلاني على هذا بقوله : "فإن قيل : فهل تقولون بأن غير القرآن من كلام الله عزّ وجلّ معجز كالتوراة والانجيل والصحف ؟ قيل : ليس شئ من ذلك بمعجز في النظم والتأليف – وإن كان معجزا كالقرآن في ما يتضمن من الإخبار بالغيوب – وإنما لم يكن معجزًا لأن الله تعالى لم يصفه بما وصف به القرآن (من الاعجاز) ؛ ولأنا قد علمنا أنه لم يقع التحدّي اليه كما وقع التحدي الى القرآن . وبمعنى آخر وهو أن ذلك اللسان لا يتأتى فيه من وجوه الفصاحة ما يقع به التفاضل الذي ينتهي الى حدّ الإعجاز .. ومعنى آخر ، وهو أنّا لم نجد أهل التوراة والانجيل ادعوا الاعجاز لكتابهم ، ولا ادّعى لهم المسلمون . فعُلم أن الاعجاز ممّا يختص به القرآن" .

هذا الذي جاء به الباقلاني ما زال يتردّد الى اليوم . وهو متناقض في ذاته : كيف يكون كلام الله معجزًا في كتاب وغير معجز في كتاب آخر ؟ وهل ينزل كلام الله بدون نظم ولا تأليف ؟ وهل يمكن أن نفصل كلام الله ، وهو بمثابة الروح ، من الألفاظ والنظم والتأليف ، التي هي جسده ؟

ووصف الكتاب أي الانجيل والتوراة أنه "إمام" القرآن ، أبلغ من التحدّي . ومن علّم الباقلاني أن العبرية التي نزلت بها التوراة , وأن اليونانية التي نزل بها الانجيل ، "لا يتأتى فيهما من وجوه الفصاحة ما يقع به التفاضل الذي ينتهي الى حدّ الاعجاز" ؟

ومَن قال للباقلاني أن أهل التوراة والانجيل لم يدّعوا الاعجاز في الهدى والبيان لكتابهم ؟ وقد تحدّى أهل الكتاب محمدا على حياته بإعجاز الكتاب في التأليف ، وبتفضيله في التأليف على القرآن : "إنّا لا نراه يتناسق ، كما تناسق الكتاب" ! واستشهاد القرآن المتواتر على صحته بأهل الكتاب ، وإحالة النبي حين الشك من نفسه ومن قرآنه (يونس 94 – 95) على أساتذته من "اللراسخين في العلم" ، دلائل على اعجاز الكتاب قبل القرآن .

والقرآن نفسه يتحدّى بالكتاب والقرآن معًا : "قل : فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتّبعْه ، إن كنتم صادقين ! فإن لم يستجيبوا لك ، فاعلم أنما يتبعون أهواءَهم ! ومَن أضلّ ممّن اتبع هواه بغير هدى من الله ؟ إن الله لا يهدي القوم الظالمين" (القصص 49 – 50) .

والقول الفصل أن القرآن يتحدّى "بمثله" . وها إن "مثله" عند أولي العلم من أهل الكتاب : "وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله" (الاحقاف 10) . فليس "الاعجاز ممّا يختص به القرآن" ، كما يدّعي الباقلاني . إن الاعجاز في "المثل" وفي "الإمام" قبل النسخة التي هي "تفصيل الكتاب" . والمحكّ الأكبر هو الترجمة الى لغات العالم . فهل يبقى من اعجاز القرآن في الترجمة كما يبقى من اعجاز الانجيل ؟

الجدل في أزليّة القرآن
الصفحة
  • عدد الزيارات: 23113