Skip to main content

الآيات التي يلقيها الشيطان - الصفحة التاسعة

الصفحة 9 من 18: الصفحة التاسعة

وكان لا بد لما أتى بالهدى أن تتمتع شخصيته وتنفرد عن بقية الشخصيات بما فيهم الملائكة والأنبياء، وهذا لم يتوافر في أحد غير المسيح، فهو الوحيد الذي لم يأت من زرع بشر بل هو روح الله وكلمته (سورة النساء 4: 171) فضلاً على مقدرته بالخلق، والنفخ، وهما من صفات الله وحده؟ وقدرته على إحياء الموتى ومعرفة الغيب وشفاء كافة الأمراض الصعبة، بل وما هو أقوى من ذلك تفتيح أعين العميان، ويجعل الخرس يتكلمون والصم يسمعون (المائدة 110) انظر كتابي الرد الهادي - تحت الطبع.

وفوق كل هذا لا بد أن يكون شهيداً يوم القيامة وأن يكون من علم الساعة وهو ما قاله القرآن عن المسيح (سورة الزخرف 61) وكان لا بد له أن يحتلّ ربوة فوق الكل ويكون ذات قرار ومعين (المؤمنون 50، سورة النساء 159).

جاء المسيح - كلمة الله - مؤيداً بروح القدس روح الله ليكون وجيهاً في الدنيا وفي الآخرة، ومن المقربين الصالحين (وهو آية للناس).

انظر سورة البقرة 253، والمائدة 171، وآل عمران 42-46، والبقرة 147، والأنبياء 91.

جاءت كلمة الله إعلاناً للحق الإلهي الذي أعلنه لآدم يوم طرده، بأنه سيرسل له ولبنيه الهدى ويدافع الله عن كلمته المهدية، فيقول القرآن: ويريد الله أن يحق الحق - بكلمته - (سورة الأنفال 8).

والغريب أن القرآن يصرح بأن محمداً النبي الأمي يؤمن بالله وكلمته (سورة الأعراف 158) لقد أراد الله تحقيق عدالته ورحمته معاً مع بني آدم، وذلك بقول الإنجيل: لِأَنَّهكَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الجَمِيعُ هكَذَا فِي المَسِيحِ سَيُحْيَا الجَمِيعُ (1 كو 15: 22).

لخلاصهم من خطية آدم وما تتبعه ذلك من خطايا مميتة شملت الجنس البشري كله، فأرسل الله الهدى الذي وعد به آدم يوم طرده، وما كانت هدى الله سوى كلمته التي ألقاها - إلى مريم - مؤيداً كلمته بروحه القدوس، بأسلوب إعجازي فريد لم يحدث من قبل ولم ولن يتكرر ثانياً، عذراء تحمل جنيناً بدون زرع بشر!! روح الله ينفخ في أحشائها الطاهرة، ولم تكن السيدة العذراء مريم كأي واحدة من البنات بل هي أعظم نساء بني البشر على الإطلاق، لان الله اصطفاها بنفسه، وأنبتها نباتاً حسناً كما يقول القرأن:

إِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ (سورة آل عمران 3: 42).

فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا (سورة آل عمران 3: 37).

وكان لا بد من تحمل كلمة الله وروحه أن تكون جديرة بذلك، وأن يتم اصطفاءها على نساء العالم وقد كانت مريم الجديرة بذلك وهي الوحيدة التي لها سورة تحمل اسمها في القرآن ولو كان محمد أعظم لكانت أمه أو أحد أزواجه من أمهات المؤمنين جديرة بهذه الصفة التي نالتها مريم عن جدارة وبلا منازع.

ألقى الله بروحه وكلمته إلى مريم (النساء 171) فجاء المسيح ليكون آية للناس ورحمة من الله (مريم 21) هذه الرحمة جاءت لتدفع غرامة خطايا البشر، بهذه الرحمة تمّ الخلاص والقصاص، ونيل مغفرة الله عن البشر وبدء عهدٍ جديدٍ معهم. بهذه الرحمة التي جسدها المسيح في شخصه المبارك حدث الاستغفار وحدثت المصالحة بين الله والبشر، فكان السيد المسيح وهو رحمة الله نائباً عن آدم ونسله، أي عن كل البشر. كان كلمة الله الحية التي استمع إليها البشر - بدون حجاب - بل رأته عيونهم ولمسته أيديهم! عاش 33 سنة وسط البشر كواحد منهم وهو القدوس الذي بلا دنس، أي تواضع هذا ان تتجسّد كلمة الله وتراها الناس بعيونهم المجردة؟ أي محبة أسمى من ذلك؟ لقد أحب الله البشر حتى المنتهى حتى أرسل لهم كلمته؟ لقد تنازل الله مستوى البشر ليرفعهم إليه؟ ويخلصهم من خطاياهم ويدفع بدلاً منهم غرامة بتجاوزاتهم القديمة منذ آدم أبوهم العاصي.

محذراً إياهم بالاستفادة بهذا الخلاص المجاني الثمين، وعدم العودة لخطاياهم مرة ثانية، حتى لا يصبح حسابهمعسيراً، ونالت ملايين البشر هذا الخلاص بعد إيمانها بالمسيح. كان عدل الله يستوجب القصاص وقد تم في المسيح بمحض اختياره مدفوعاً بمحبته ورحمته وقد رأينا عمق هذه المحبة معلقة على خشبة صليب خطايانا ونجاساتنا، رأينا إكليل الشوك يُغرس في صاحب هذا الوجه الإلهي الوديع.. رأينا المسامير تخترق عظامه ولحمه، رأينا جنبه المجروح، قبل ذلك رأينا كل حبه وعطفه على الخطاة والمنبوذين ورأينا الأيدي الآثمة تتطاول عليه وتصفعه على وجهه النوراني، رأينا كل الآلام المعنوية والجسدية متمثّلة في المسيح.

رأينا رحمة الله معلقة على خشبة الصليب تنزف دماءً وعرقاً ودموعاً، رأيناها في قمة مجدها وهي تطالب بالعفو عن القاتلين:

يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون.

 

الصفحة العاشرة
  • عدد الزيارات: 43830