الآيات التي يلقيها الشيطان - الصفحة السابعة
هذا هو السر الخفي في تمسك المسلمين بدينهم الذي يقدم لهم كل هذه الإغراءات الشهوانية. فلماذا يتركون هذه الملذات، ويذهبون إلى المسيح حيث حمل صليب العفة والمحبة والرحمة والسمو الأدبي والأخلاقي؟ لكن توجد نخبة ممتازة من المسلمين الذين يحترمون عقولهم أفاقوا من هذا الوهم وجاوءا إلى المسيح حاملين الصليب بعضهم قُتل، والبعض الآخر ملقى في غياهب السجون، أو يعيش مضطهداً، مطارداً لأنه ارتد عن الإسلام.
أما عن موضوع خلاص المسيح، فهذا ليس معناه عدم دينونة ومحاسبة أتباعه المسيحيين، وليس تبريراً كافياً ليرتكب المسيحيون المعاصي، بل بالحري يجاهدون الخطايا للحفاظ على هذا الخلاص، مقتدين بتعاليم المسيح، فلقد خلص المسيح فعلاً كل الذين آمنوا به وحررهم من خطاياهم الأصلية التيولدوا بها، وخطاياهم الماضية قبل قبولهم الإيمان به، ويحذرهم من العودة إلى حالة الخطية الأولى قبل إيمانهم، ويقول:
إن لم تتوبوا فجميعكم هكذا تهلكون.
لكنك تقول أن خلاص المسيح ألغى عدل الله، وهو قولٌ مغلوطٌ فحاشا لله أن لا يكون عادلاً، لأنه إن لم يكن عادلاً فمن غيره يكون؟ وإن لم يعدل الله فمن غيره يعدل؟ لا أحد طبعاً، بعكس ما ادّعاه نبي الإسلام حينما جاؤوه بأحد المقاتلين ليشكو الظلم الذي أصابه عند توزيع الغنائم المنهوبة من الشعوب، وتجرّأ وقال للنبي الذي كان يوزع هذه الغنائم قائلاً: أعدل يا رسول الله؟!
فرد النبي غاضباً: ويحك، من يعدل إذا لم أعدل أنا؟؟ (انظر كتاب الصارم المسلول، ابن تيمية).
تعليقنا: إن لم تعدل أنت يا محمد فالله هو أعدل العادليين.
نعم نحن المسيحيين نؤمن تماماً أن الله هو أعدل العادلين، عدالته مطلقة، لكن كما نؤمن بعدالة الله نؤمن أيضاً برحمة الله، والرحمة تفتخر على العدل وتسمو عليه، وكان لا بد لخلاص الإنسان أن الرحمة والعدل يلتقيان رغم بعد المسافة بينهما فالعدل يعني القصاص والرحمة تعني الخلاص. وحتى لا يتعارض عدل الله مع رحمته، فتم تنفيذ القصاص والخلاص في آن واحد!؟ قد يبدو الكلام عسير الفهم، قد لا يستوعبه العقل المحدود لكن عقائد المسيحية لا تلغي العقل بل تسمو عليه، فأي أب بشري تورّط ابنه الذي يحبه في مخالفة ما، وصدر ضده حكمٌ من القضاة أن يدفع غرامة أو يُلقى في السجن عقاباً عادلاً على مخالفته، ألا يسارع هذا الأب بدفع هذه الغرامة حتى لا يسجن ابنه ويلقى وسط المجرمين؟ إنه بلا شك يرفض تجاوزات ابنه، لكنه في ذات الوقت لا يطاوعه قلبه لتركه لهذا المصير المؤلم، لأنه أب فإذا كان هذا هو حال قلب الأب البشري الحاني تجاه ولده، فكم بالحري قلب الله الآب السماوي تجاه أبنائه الذين خلقهم؟
إنه صاحب أكبر وأحن قلب، قلب الله يفوق قلب الأم على رضيعها. حب الله للبشرية يفوق كل حب، يقول الكتاب المقدس:
إن نسيت الأم الرضيع أنا لا أنساكم، نقشتك على كف يدي..
من يمسكم يمس حدقة عيني.. عيني عليكم طول السنة لآخرها.
الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللّهِ (رو 3: 23).
- عدد الزيارات: 46034