Skip to main content

لا تحريف في التوراة والإنجيل - الصفحة الأولى

الصفحة 18 من 23: الصفحة الأولى

جاء في مشكاة المصابيح أن عمر قال أن الله بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب? فكان مما أنزل الله تعالى آية الرجم? رجم رسول الله ورجمنا بعده? والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء? إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ]متفق عليه[, ]من الفصل الأول من كتاب الحدود[, ولكن لما جمع زيد بن ثابت القرآن حذفت هذه الآية لئلا يُقال عن عمر إنه زاد على القرآن, فإن صدق عمر في ما رواه يكون تحريف الكلام عن مواضعه المنوه عنه في القرآن في سورة المائدة 5 :44 واقعاً في القرآن لا في التوراة? ويكون المحرفون هم المسلمين لا اليهود!!

اتهم القرآن اليهود بكتمان الحق وهم يعلمون به? وبليّ ألسنتهم في الإجابة عن تعليم توراتهم في هذا الموضوع? واتهمهم بنبذ كتاب الله وراء ظهورهم وبالتحريف, وجاءت التهمة الأخيرة في أربعة مواضع منه - سورة البقرة 2 :75 وسورة النساء 4 :46 وسورة المائدة 5 :14 و44 - ولنا أن نلاحظ أن هذه الدعاوى مهما يكن من أمرها فإنها موجهة إلى اليهود فقط لا إلى المسيحيين? وعليه تكون أسفار العهد الجديد سالمة من مظنة هذه التهم? سواء قبل محمد أو بعده, بقي علينا أن نتساءل في تفسير ما عناه القرآن باتهامه اليهود بهذه التهم? وقد مر عليك تفسير الرازي والبيضاوي لثلاثة من الأربعة مواضع المذكورة سابقاً, ونتكلم الآن على الرابع وهو سورة البقرة 2 :75 اتفق المفسران البيضاوي والرازي أن المراد بالتحريف المذكور هنا تشويه التفسير وكتمان الحق - راجع سورة الأنعام 6 :91 حيث عزي إلى اليهود أنهم جعلوا الكتاب قراطيس أبدوا منه ما أبدوا وأخفوا ما أخفوا - وإن يكن هذا العمل ممقوتاً إلا أنه بمعزل عن تبديل آيات الكتاب لأن إخفاء القرطاس يختلف عن تبديل ما ورد فيه,

ثم إن سألنا متى حرف اليهود توراتهم أجاب البيضاوي : حرفه أسلاف اليهود المعاصرين لمحمد, وأجاب الرازي : حرفه معاصرو محمد بالذات, على أن ذينك الإمامين أجابا بالجوابين المتقدمين رداً على من تصور أن التحريف لفظي ووقع كتابة? وهم يتبرآن من هذه الدعوى, ولهذه المناسبة قال الرازي في مجلد 3 في كيفية التحريف وجوه - أحدها - أنهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر? مثل تحريفهم اسم ربعة عن موضعه في التوراة? بوضعهم آدم طويل مكانه? ونحو تحريفهم الرجم بوضعهم الحد بدله ونظيره قوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله, فإن قيل : كيف يمكن هذا في الكتاب الذي بلغت آحاد حروفه وكلماته مبلغ التواتر المشهور في الشرق والغرب, قلنا : لعله يُقال القوم كانوا قليلين والعلماء بالكتاب كانوا في غاية القلة? فقدروا على هذا التحريف, ثم أن الرازي دحض هذا الجواب بقوله - والثاني - أن المراد بالتحريف إلقاء الشبه الباطلة والتأويلات الفاسدة وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية? كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم? وهذا هو الأصح - الثالث - أنهم كانوا يدخلون على النبي ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به? فإذا خرجوا من عنده حرفوا كلامه ,

هذا رأي الرازي? ونتيجته أنه برأ اليهود من تهمة تبديل آيات التوراة, وعليه لما قال أن القرآن يؤكد وقوع التحريف بالتوراة ينبغي أن نفهم مقصوده الحقيقي لا الدعوى الباطلة التي يدّعيها جهلاء المتأخرين,

ومما تقدم نجاوب على كل من يدّعي أن الكتاب المقدس محرف في نصوصه? وأن الكتاب الصحيح غير موجود اليوم يكون مكذباً ومخالف الآيات القرآن الصريحة التي تشهد أنه حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه? لأن من أهم أغراض القرآن أنه جاء ليكون مصدقا للكتاب المقدس, فكيف يصح أن يشهد له أنه صحيح وحق وموحى به من الله وهدى للناس? ثم يعود فينسب إليه التغيير وضياع الثقة منه وعدم التعويل عليه ?لأنه إن صحَّ هذا يكون القرآن قد ناقض بعضه بعضاً,

ليس أحد يؤمن بالإله الحق يقدر أن ينسب إليه تعالى أنه أنزل القرآن مصدق الكتاب مبدَّل ومغيَّر ومشوش التعاليم في العقائد الدينية, وقد فطن لهذه النظرية الإمامان البيضاوي والرازي اللذان اقتبسنا تفسيرهما? وجزما بأنه لم يقع في الكتاب المقدس تغيير قط? لا قبل العصر المحمدي ولا بعده,

بقي للمعترض أن يقول : وقع التغيير في الكتاب المقدس في ذات عصر محمد? والرد على اعتراض كهذ الا يكلفنا مشقة ولا عناء? لأننا نجيب قائلين إن الأسفار المقدسة التي أشرنا إليها في مقدمة كلامنا كُتبت قبل عصر محمد بزمان طويل? والكتاب المتداول اليوم منسوخ عن ذلك الأصل? وعليه لا يتصور عاقل إجماع اليهود والنصارى على تغيير أسفارهم وقد انتشرت في كل العالم,

ومع هذا فإن عامة المسلمين وبعض علمائهم العديمي الخبرة بالموضوع لا يزالون يتصورون أن الكتاب المقدس بحالته الحاضرة مغيَّر, وإن سألتهم : متى وقع ذلك التغيير ?لا يتفقون على جواب واحد? فيقول البعض : قبل عصر محمد? وآخرون : بعده, ويقول قائل منهم : قبله وبعده! وحتى يُثبتوا مزاعمهم عكفوا على كتب الكفرة والملحدين بكل دين? يلتقطون منها كل اعتراض سخيف ويحاربون بها الكتاب المقدس استظهارا لزعمهم بالتغيير? وجهلوا أو تجاهلوا أن هذه الاعتراضات التي تسلّحوا بها دُحضت منذ زمن طويل? ولم تعُد مقبولة بين العلماء الغربيين? ونرجو أن علماء المسلمين المحققين إن انخدعوا بها اليوم لا ينخدعون بها غداً,

حُكي أن بعض المسيحيين من أهل القرون الأولى بعد المسيح اتهموا اليهود بتهمة تغيير النصوص الإلهية كما يتهم المسلمون? لأنهم وجدوا فروقاً في أعمار الآباء المذكورين في أصحاح 5 و10 من سفر التكوين ما بين النسخة العبرية والترجمة السبعينية? فعللوا هذه الفروق بعلة التغيير, ولكن الذين ادعوا هذه الدعوى هم جهلاء المسيحيين لا علماؤهم, وأما الآن وقد مضى نحو ألف وأربعمائة سنة على الموضوع وقد درس الكتاب جيد الم يبق بين علماء الغرب من يدعي بأن اليهود غيروا توراتهم? لا في الموضع المشار إليه ولا في سواه, ثم أن بعض كتاب المسلمين اعترضوا على اختلاف القراءات التي يُقرأ بها الكتاب? واستدلوا بها على إفساد نصوصه, إلا أن هذه النظرية باطلة? لأنه توجد نسخ أصلية كثيرة ما بين عبري ويوناني ولغات أخرى إن قارنتها بعضها على بعض لا تخلو بطبيعة الحال من اختلاف القراءات كما هي الحال في جميع الكتب القديمة, ويا ترى ما جنس تلك القراءات المختلفة ?إن أكثرها يرجع إلى اختلاف في الهجاء? مثل كلمة صلاة العربية تارة تكتب بالواو وتارة بالألف? ومثل كلمة قيامة تارة تكتب بالألف وتارة بدونها, ويرجع بعضها إلى اختلاف في تصريف الأفعال? كاختلاف القراءات القرآنية التي أشار إليها المفسرون وأثبتوا أنواعها في تفاسيرهم? ومن ذلك قراءات هذه الآية ما ننسخ من آية أو ننسها - البقرة 2 :106 - ,

الصفحة الثانية
  • عدد الزيارات: 37776