لا تحريف في التوراة والإنجيل - الصفحة الرابعة
ينقسم الكتاب المقدس في الغالب إلى قسمين العهد القديم ويتضمن الأسفار المقدسة القانونية عند الأمة اليهودية ?وكُتبت في الأصل باللغة العبرانية ?ما عدا القليل منها فإنه كتب باللغة الآرامية, والعهد الجديد وقد كُتب باللغة اليونانية, أما اليهود فلا يؤمنون إلا بواحد منهما أما نحن المسيحيين فنؤمن بالعهدين كليهما, ولكن القرآن يشير إلى الأسفار المقدسة جميعها بكتاب واحد هو الكتاب المقدس مع أنه يذكر له ثلاثة أقسام وهي التوراة والزبور والإنجيل,
ويقسم اليهود أسفارهم أو كتبهم إلى ثلاثة أقسام وهي الناموس والأنبياء والمزامير ?كما يظهر من بشارة لوقا أصحاح 24 :44, وهذا التقسيم يرجع عهده إلى سنة 130 قبل المسيح - انظر مقدمة يشوع بن سيراخ لمجموعة أمثال جده - وفي الوقت الحاضر يسمي اليهود القسم الثالث الصحف , ولأنها تبتدئ بالمزامير يدعوها القرآن والإنجيل الزبور , ويدعو القرآن القسم الأول توراة هي معدولة من الكلمة العبرانية مع تغيير طفيف في اللفظ, وقد يطلق المسلمون هذا الاسم على الكتاب المقدس كله لأنه يبتدئ بالتوراة, وكثيراً ما يشير القرآن إلى أنبياء العهد القديم ويعلق على الإيمان بهم أهمية عظيمة ?ومن ذلك قوله في سورة البقرة 2 :136 قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وجاء مثل ذلك قي سورة آل عمران 3 :84, من هنا يظهر جلياً أن القرآن يتفق مع الإنجيل في الشهادة بأن كل أسفار الكتاب في تلك الأقسام الثلاثة موحى بها,
وقد يطلق أيضاً المسيحيون اسم الإنجيل على كل أسفار العهد الجديد كما يطلقه عليها القرآن ?ومن أسباب ذلك أن العهد الجديد يبتدئ بالبشائر الأربع ?ومنها أن الإنجيل معناه خبر سار أو بشارة ?وهذا الخبر السار خلاصة العهد الجديد من أوله إلى آخره ?فسُمي به ?وذلك واضح من بشارة مرقس 13 :10 حيث يقول وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِالإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ ومن مواضع أخرى كثيرة, وكان العهد الجديد - أي الإنجيل - منتشراً في عصر محمد في قسم عظيم من العالم بين الشعوب المسيحية ?لذلك لم يقتبس منه القرآن فقط آية موجودة في ثلاثة من أقسامه - بشائره - أي بشارة متى 19 :24 وبشارة مرقس 10 :25 وبشارة لوقا 18 :25 كما ورد في سورة الأعراف 7 :40 بل اقتبس منه أيضاً محمد نفسه كما تقدم ذكره, وعلى هذا ينبغي لكل ذي عقل سليم خال من التعصب الذميم أن يعترف بأن القرآن يشير إلى الكتاب المقدس بأنه كتاب منتشر في عصره وموحى به من الله تعالى,
ويذكر القرآن الكتابَ المقدس بالاحترام والتعظيم ?ويلقّبه بأعظم الألقاب ?مثل قوله كلام الله - سورة البقرة 2 :75 - و الفرقان - سورة الأنبياء 21 :48 - و وضياء وذكرى للمتقين - سورة الأنبياء 21 :48 - و كتاب الله - سورة البقرة 2 :101 - , وفي البيضاوي وكتاب أسباب النزول يشير إلى مقام الكتاب المقدس في تفسير آية 23 من سورة آل عمران بأن محمداً طلب من اليهود التوراة لتكون حكماً بينه وبينهم, وفوق ذلك يفيد القرآن أن نوع الوحي الذي أُوحي به إلى محمد كالذي أوحي به إلى الأنبياء المتقدمين ?كما يدل على ذلك قوله قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ - سورة آل عمران 3 :73 - وقوله إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ - سورة النساء 4 :163 - وقوله كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ - سورة الشورى 42 :3 - , مما ذكر تعلم أن التنزيل المنسوب إلى القرآن يجب أن ينسب إلى الأسفار المتقدمة عليه حيث أن من أول البديهيات المسلم بها في علم أصول الهندسة هو أنه إذا ساوى شيئان ثالثاً فهما متساويان لبعضهم الا محالة
, فأسفار العهدين منزلة من عند الله بنفس التنزيل الذي ينسبه القرآن لنفسه ?وعليه فالقرآن يأمر أتباعه أن يعترفوا بالأسفار المتقدمة عليه كما يعترفون به بلا أقل تمييز ?وهم مأمورون أيضاً أن يعتقدوا بأن القرآن نزل مصدِّق الكتاب اليهود والنصارى ?ومن أمثال ذلك ما ورد في سورة آل عمران 3 :3 و4 نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقا لمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ولزيادة التوكيد على أن التوراة والإنجيل موحى بهما جاء في القرآن تهديد صارم لمن يكفر بهما أو يظن بهما الظنون ?ومن ذلك قوله الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النارِ يُسْجَرُونَ - سورة غافر 40 :70-72 - , والبيضاوي في تفسيره هذه الآية يفسر قوله الكتاب بالقرآن أو الكتب السماوية على العموم ويفسر قوله وما أرسلنا به رسلنا بسائر الكتب أو الوحي والشرائع وبمقتضى هذا التفسير على افتراض أن المقصود هنا بالكتاب ليس الكتاب المستعمل في قوله يا أهل الكتاب بل هو القرآن ?تكون الكتب السماوية الأخرى هي أسفار العهد القديم والجديد لا محالة,
ويشهد القرآن أن أسفار العهد القديم تتفق مع أسفار العهد الجديد في المسائل العمومية ?ومن ذلك قوله وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقا لمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقا لمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ - سورة المائدة 5 :46 - ,
من كل ما أوردناه هنا يتضح :
1 أسفار العهد القديم والجديد ?أي التوراة والزبور وأسفار الأنبياء ?والإنجيل ورسائل رسل المسيح كانت جميعها منتشرة في عصر صاحب القرآن بين اليهود والنصارى,
2 يقرر القرآن أن هذه الأسفار موحى بها من الله ?أي منزلة من عنده,
3 بينما يعظّم القرآن نفسه إلى أعلى درجات التعظيم ?فإنه يساوي بين نفسه وبين الأسفار المقدسة المتقدمة عليه,
4 يسمّي القرآن الكتاب المقدس كتاب الله وكلام الله والفرقان والذكر ونوراً وهدى ورحمة الخ ,
5 يأمر القرآن محمداً أو المسلمين أن يرجعوا إلى الكتاب المقدس في تحقيق ما يرتابون فيه من أصول دينهم ويحرضون النصارى واليهود أن يفعلوا مثل ذلك,
6 يشير القرآن على اليهود أن يتخذوا التوراة حكَمَاً فيما هم فيه يختلفون,
7 يأمر القرآن المسلمين أن يشهدوا أنهم مؤمنون بالكتاب المقدس كما هم مؤمنون بقرآنهم,
8 إن الذين لا يؤمنون بالكتاب المقدس لهم عذاب عظيم في الآخرة كم الو لم يؤمنوا بالقرآن,
- عدد الزيارات: 37781