Skip to main content

لا تحريف في التوراة والإنجيل - أسفار العهد القديم والجديد لم تتحرَّف

الصفحة 17 من 23: أسفار العهد القديم والجديد لم تتحرَّف

الفصل الرابع

أسفار العهد القديم والجديد لم تتحرَّف

 

 

رأينا في الفصل الماضي أن الكتاب المقدس معدود في القرآن كلام الله ورأينا في أكثر من موضع من القرآن أيضاً أن كلام الله غير قابل للتبديل والتغيير, فإذا كانت هاتان المقدمتان صحيحتين كانت النتيجة ضرورة هي عدم تحريف الكتاب المقدس?لا قبل محمد ولا بعده,

إلا أن هاتين المقدمتين تؤديان بنا إلى تصفُّح القرآن لنرى ماذا يقول في هذا الصدد? وكيف فسر أقواله المفسرون المعتبرون?مع العلم بأنهم لم يتفقوا على رأي واحد في هذه المسألة? وإنما لا يؤيدون الرأي العام الذي وُضع عند جهال المسلمين,

ورد في سورة الكهف 18 :27 وَا تْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ لا شك أن كلمة كتاب تشير إلى القرآن? ولكن قوله - لكلماته - تشمل الكتاب المقدس لأنه كلام الله, وبناءً عليه لا يكون مبدل لكلمات الكتاب المقدس, وهاك تفسير البيضاوي قال : لا مبدل لكلماته لا أحد يقدر على تبديلها أو تغييرها غيره ,

وورد في سورة يونس 10 :64 لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ قال البيضاوي أي لا تغيير لأقواله ولا اختلاف لمواعيده , وورد في سورة الأنعام 6 :34 العبارة عينها - لا مبدل لكلمات الله - وجاءت مرة أخرى في آية 115 نعم قد ذكر البيضاوي على الآية الأخيرة أن الكتاب المقدس محرف? ولكن لم يقصد التحريف الذي يقوله عامة المسلمين كما سترى في ما بعد,

لما فحص علماء المسلمين في الهند هذه المسألة اقتنعوا في الوقت الحاضر بأن أسفار العهدين ليست بمبدلة ولا بمغيرة ولا محرفة حسب فهم العامة, ولعلهم بنو آراءهم على تفسير الإمام فخر الدين الرازي لأنه في تفسيره آل عمران 3 :78 يجيب معترضاً يسأل كيف يمكن إدخال التحريف في التوراة مع شهرتها العظيمة بين الناس فيجيب أولاً على سبيل التخمين : لعله صدر هذا العمل عن نفر قليل يجوز عليهم التواطؤ على التحريف? ثم أنهم عرضوا ذلك المحرف على بعض العوام, وعلى هذا التقدير يكون التحريف ممكناً , فنجيب أولاً أن هذ اليس رأي المفسر? بل يفرضه فرضاً, وأما رأيه فهو هكذا إن الآيات الدالة على نبوة محمد كان يحتاج فيها إلى تدقيق النظر وتأمل القلب? والقوم كانوا يوردون عليها الأسئلة المشوشة والاعتراضات المظلمة? فكانت تصير تلك الدلائل مشتبهة على السامعين, واليهود كانوا يقولون مراد الله من هذه الآيات ما ذكرناه لا ما ذكرتم? فكان هذا هو المراد بالتحريف وبليّ الألسنة - الرازي المجلد 2 - وانظر تفسيره على - سورة النساء 4 :45 مجلد 3 - حيث يعيد هذين الرأيين ويضيف عليها رأياً آخر خلاصته أن قوماً من اليهود اعتادوا أن يدخلوا على الرسول يسألونه المسألة فيجيبهم عليها? ومتى خرجوا من عنده يحرفون كلامه, وبناء على هذا الرأي لا يكون اليهود حرفوا كتابهم بل حرفوا جواب محمد على سؤالهم, وعلى كل حال عني الرازي بالتحريف الواقع من اليهود تحريف الشروح بالآيات الكتابية لا الآيات نفسها? وهو التحريف المعنوي لا اللفظي,

وحكى الرازي في تفسيره على سورة المائدة 5 :15 قصة مآلها أن اليهود فيما هم يقرأون التوراة - تث 22 :23 - لووا ألسنتهم وبدَّلوا معنى الرجم بالجلد ولم يمسوا لفظ الآية المكتوبة بأقل تحريف, وحكى البيضاوي في تفسيره سورة المائدة آية 44 هذه القصة عينها للدلالة على أن معنى التحريف المشار إليه في الآية التحريف المعنوي وهو المقصود بليّ الألسنة? وفسر قوله يحرفون الكلام من بعد مواضعه أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها? إم الفظاً بإهماله وتغيير وضعه? وإما معنى بحمله على غير المراد وإجرائه في غير مورده ,

فإن أردت أن تعرف أي الرأيين هو الرأي الصحيح فما عليك إلا أن تراجع سفر التثنية 22 :23 و24 في الأصل العبري أو في أية ترجمة حديثة أو قديمة? فتجد أية الرجم التي نسبوا إليها التحريف باقية على أصلها كما بينها القرآن والحديث في عصر محمد? وبذلك نعلم أن اليهود لم يحذفوا شيئاً من الآية ولا أمالوها عن موضعها, بقي الرأي الآخر وهو التحريف المعنوي الذي توصلوا إليه بتغيير المعنى? ومن العجب أن آية الرجم التي قالوا إن اليهود حرفوها كانت في القرآن كما نعلم من الحديث? ثم لا نرى لها الآن أثراً,

الصفحة الأولى
  • عدد الزيارات: 35522