Skip to main content

لا تحريف في التوراة والإنجيل - الصفحة الثالثة

الصفحة 20 من 23: الصفحة الثالثة

ثم نقول لو فرضنا أن فريقاً من اليهود أو النصارى غلت مراجل الحقد والتعصب في قلوبهم ضد الإسلام فتواطأوا معاً واجتمعت كلمتهم أن يحذفوا من التوراة والإنجيل كل ما يتعلق بمحمد? وقد فعلوا, فماذا يكون رأيك في بقية المسيحيين واليهود المتفرقين في كل أنحاء العالم ?فإنهم بدون شك يرفضون أعمال تلك الجمعية الشيطانية? ويرفضون الكتاب المزور خوفاً من أن يشتركوا في جريمتهم العظيمة, ومالنا ولهذا الفرض ?ففي وقائع التاريخ ما يغنينا عنه, لقد حدث قبل محمد بزمن طويل أن الهراطقة سعوا كثيراً? لكنهم عجزوا أخيراً عن أن يحرفوا العهد الجديد على وفق مبادئهم? وهذا يدل على عدم إمكانية هذا المشروع, وحاول رجل من أهل العصور الأولى اسمه ماكرون أن يحذف الأصحاحين الأولين من بشارة لوقا فلم يفلح? لا بين الجمهور? ولا بين فريق قليل منهم.

ثم نقول لو أن ملكاً أو صاحب سلطة سياسية قام بعد وفاة موسى بقليل وجمع كل نسخ التوراة أو أصحاحات منها وأحرقها? واستنسخ توراة جديدة من محفوظات بعض اليهود? ومن السطور المكتوبة على العظام وشقق الأخشاب ونشرها بأمر سلطاني? وألزم رعاياه في كل مكان بالاعتماد على هذه النسخة الجديدة? لما كانت تبلغ قراءاتها المختلفة إلى المقدار الذي بلغت إليه بدون هذا الفرض, إلا أننا كنا نقع في ورطة أدهى وأمر بكثير من اختلاف القراءات? هي ضياع الثقة من التوراة بالمرة? لأنه لا يبقى دليل على أن النسخة الجديدة طبق الأصل? وتكثر الظنون في البواعث التي حركت ذلك الملك أن يفعل تلك الفعلة المنكرة.

وكذلك تكون النتيجة لو وقع مثل هذا الفرض لأسفار العهد الجديد في ختام القرن الأول للمسيح? لأنه كان يتعذر علينا اليوم الإتيان بدليل شاف أن النسخة الجديدة موافقة للأسفار التي أُحرقت وتلاشت من الوجود? وتبقى الأذهان مرتبكة ومرتابة في صحتها إلى يوم يبعثون! ولكن لله الحمد? فإن مثل هذ الم يقع في كتابنا? لا في أسفار العهد القديم ولا في أسفار العهد الجديد, والحمد لله الذي لم يسمح أن يكون بيننا عثمان? ولا بين اليهود الحجاج,

قد حدث أن بعض أباطرة الرومان الوثنيين شرعوا أن يحرقوا نسخ الكتاب المقدس على أمل أن يلاشوه من الوجود? لا ليستنسخوا كتاباً جديداً على هواهم? فدافع المسيحيون عن كتابهم وفدوه بدمائهم, وكثيراً ما شرع مضطهِدوهم بمثل هذا الشروع فلم يفلحوا,

ولو فرضنا أن كل كتبنا أُحرقت عن آخرها بحيث لم يبق كتاب واحد? لكان المحروق هو الورق فقط? ولكانت كلمة الله هي الباقية, جاء في هذا المعنى يَبِسَ الْعُشْبُ? ذَبُلَ الزهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلَهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الْأَبَدِ - إشعياء 40 :8 - , تبقى وتثبت بوسائط كثيرة? منها أن كثيرين من المسيحيين في كل عصر شغفوا بالكتاب المقدس حتى استظهروا أهم اجزائه? سيما المزامير وأسفار العهد الجديد, وعليه لا يمكن أن نتصور ملاشاة الكتاب من الأرض والمسيحيون على ظهرها,

لما حدث الاضطهاد العظيم في فرنسا في القرن السادس عشر أقبل قسوس كنائس الإصلاح إلى الكتاب المقدس يحفظونه غيباً, حتى إذا سُلب من بين أيديهم يكون مدخراً في صدورهم ليستقوا من ينبوع الحياة رأساً ويرووا الآخرين, وقد أصبح معلوم الدى جميع الذين لهم قسط من الفطنة ما بذلته اليهود والنصارى من منتهى الجهد والحذر في الاحتفاظ على أسفارهم الإلهية نظير أرواحهم? وأصبحت الدعوى عليهم بأنهم بدلوا وغيروا أسفارهم قبل أو بعد الهجرة دعوى باطلة لا تصدر إلا من جاهل أو متعصب!

ولزيادة الشرح نقول : ما الفائدة التي كانت ترجوها اليهود والنصارى من وراء هذه الفعلة المحرمة? وكلٌّ يعلم بحكم العقل والنقل عظم جريمة تحريف الكتب الإلهية? وقد ورد في ختام العهد الجديد ذكر دينونة هائلة تحيق بمن يحذف أو يزيد شيئاً على ما هو مكتوب في الكتاب ?وورد مثل ذلك في العهد القديم - تثنية 4 :2 ورؤيا 22 :18 و19 - وفضلاً عن كونهم لا يستفيدون شيئاً بل يخسرون رجاءهم فإنهم يعلمون أنهم بتحريفهم كتابهم لا يضرون أنفسهم فقط بل يضرون أولادهم وأحفادهم وهلم جراً,

وعدا ذلك نقول إن محمد الم يلبث زمناً طويلاً حتى بات ذا سلطان عريض وجنود وبيت مال? وكان الأقربإلى العقل أن النصارى واليهود الذين في بلاد العرب على الأقل لو كان في كتابهم أخبار عنه أو خبر? لكانوا أسرعوا به إليه والنسخة في أيديهم تزلّفاً إليه? إن لم يكن حباً في الدين فحباً في الدنيا, ولكان محمد وأتباعه يحرصون الحرص كله على كل تلك النسخ العزيزة التي شهدت له وشهد لها? عوضاً عن أن يحذفوا من كتابهم تلك الأخبار? ويعرّضون أنفسهم بغير داعٍ لحرب لا قِبل لهم بها? ويدفعون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون - سورة التوبة 9 :29 - وينحدرون من مقام الحرية والمساواة إلى مقام الذمي الوضيع? ويبيتون هدفاً من آونة إلى أخرى للمذابح والفظائع كالتي جرت حتى في القرن العشرين في أطنة وما جاورها,

وكم من المشاهد المؤلمة تمثلت على مسارح الإسلام جيلاً بعد جيل بتحريض سورة التوبة على ألسنة حكام السوء وجمهور العوام,

لو كان اليهود والنصارى آمنوا بمحمد ورحبوا برسالته على العين والرأس لما نجوا فقط من هذه الرزايا? بل كانوا شاركوا المسلمين في حظوظهم وامتيازاتهم الدنيوية, لكن أبت نفوسهم أن ترد هذا المنهل? واعتصموا بإيمان آبائهم ولم يعيروا جانباً من الالتفات لخطبة الجمعة المذيلة بدعاء التهديد والإرهاب ينادى بها على المنابر في سائر أطراف مملكة آل عثمان? كقول الخطيب على منبره : اللهم رمِّل نساءهم? ويتِّم أطفالهم? وخرِّب كنائسهم? وكسر صلبانهم? واجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين الخ , أليس من البيّن والجلي أنه إذا وُجد يهودي أو مسيحي كائن من كان جزءاً في كتابه يأمره بانتظار نبي من جزيرة العرب اسمه أحمد لكان بكل سرور اندمج في سلك الصحابة والتابعين? ويفوز بسعادة الدارين ?ولست بمبالغ إن قلت إن الترغيبات التي اقترنت بالإسلام من نعيم الدنيا ومجده الجدير به الولا عناية الله ومخافته أن تغري أهل الكتاب لا أن يحذفوا منه خبر محمد بل يختلقوه فيه ويحشروه في كل فصل من فصوله, فعدم إدخال اليهود والمسيحيين خبر محمد في أسفارهم? وقد بلغ محمد وخلفاؤه ما بلغوا من السلطان أعظم دليل عند من وهبهم الله العدل والإنصاف على أمانة أهل الكتاب في حفظهم كتابهم على أصله بدون زيادة ولا نقصان,

ولو فرضنا أن طائفة من طوائف النصارى أو اليهود أضمرت السوء لمحمد حسداً وحقداً وحذفت خبره من الكتاب? لالدفع غُرم ولا لجلب غُنم? بل على سبيل المكيدة? لظهرت مكيدتهم للطوائف الأخرى وبادروا إلى إصلاح التحريف وردّوا الكتاب إلى أصله, وغني عن البيان ما بين النصارى واليهود من العداوة القديمة وما بين طوائف النصارى من الاختلاف المذهبي في دقائق الدين مما لا يتصور معه جمع كلمتهم والتأليف بين آرائهم على تغيير كتابهم, ولو فرضنا أنه أمكن ذلك بين يهود ونصارى جزيرة العرب فلا يمكن تعميمه في كل جهات العالم? وكانت تقع تلك الفئة الباغية تحت سخط الجمهور في كل مكان,

الصفحة الرابعة
  • عدد الزيارات: 35389