لا تحريف في التوراة والإنجيل - فرداً على ذلك نقول
فرداً على ذلك نقول :
1 - بما أن الطقوس والرسوم الدينية هي رموز تشبيهية? فيجوز أن تهرم وتشيخ متى أتى المرموز إليه, وعوضاً عما كانت مفيدة في زمن الرمز به الا تكون مفيدة في العصور الأخرى? بل ربما أضرّت, أما المبادئ الجوهرية للدين الحق فلا تقبل التغيير? ولا يؤثر عليها مرور القرون واختلاف العصور كالشريعة الأخلاقية? فإنها إن كانت حقاً وواجبة في زمن تبقى كذلك في كل الأزمان, فمبادئ شريعة موسى الأخلاقية كانت حقاً في زمن آدم وإبراهيم والمسيح? وهي حقٌّ في هذا الزمان? وتبقى حقاً إلى يوم القيامة بل إلى م الا نهاية له? لأن جوهر الدين الحق لا يقبل التغيير ولا يعجز عن التأثير,
2 - نقول إن كان العالم قد تقدم في المدنية والعلم يقتضي تقدمه في الدين أيضاً, ولو سلمنا جدلاً أن عصر محمد وجزيرة العرب مسقط رأسه كانا أكثر حضارة وأرقى مدنيّة من بلاد فلسطين ومن الأمة اليهودية في عصر المسيح? واقتضى تنزيل دين الإسلام راقياً كرقي الديانة المسيحية على الأقل من حيث المبادئ الأخلاقية وروحانية العبادة والعتق من نير الطقوس اليهودية المتراكمة, فهل الإسلام راقٍ هذا الرقي من هذه الحيثيات? أم يرجع القهقرى إلى زمن موسى ?إننا نترك الحكم لأهل الإنصاف والخبرة بالتوراة والإنجيل والقرآن,
3 - نقول إن الطبيعة البشرية واحدة في كل العصور من احتياجاتها وميولها والفساد المتسلط عليها? لذلك يحتاج البشر أجمعون إلى روح الله القدوس ليطهر قلوبهم من زمن مضى أو حاضر أو مستقبل, إلا أن ابن آدم يميل للخطية ويحتاج إلى يد تنتشله وتقرّبه إلى الله على الرغم من ميوله الطبيعية, وهذه اليد الناشلة لا يمكن الوصول إليها إلا إن كان يتفضل الله علينا ويحبنا أولاً ويكون هو البادئ بالصلح, نعم هذا هو الإنجيل بعينه? لأنه إعلان محبة الله للعالم الأثيم, قال الرسول يوحنا أحد الحواريين الاثني عشر نحبّه لأنه أحبنا أولاً - 1 يوحنا 4 :19 - فهذه الطريقة هي أرقى وأنجع وأفضل طريقة معقولة لاجتذاب الإنسان إلى الله ومصالحته مع خالقه ولا يقدر العقل البشري أن يتصوّر وسيلة دينية تحمل الإنسان على إنكار نفسه? والارتفاع في درجات الصلاح والتعبد لله مثل الإيمان بأن الله أحبنا أولاً وبذل ابنه من أجلنا,
ونزيد قائلين إن دعواهم بأن التوراة منسوخة دعوى منقوضة بأقوال الأنبياء والرسل الصريحة? ومن ذلك قول إشعياء النبي مشيراً إلى أسفار العهد القديم طبعاً يَبِسَ الْعُشْبُ? ذَبُلَ الزهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلَهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الْأَبَدِ - إشعياء 40 :8 , ويؤيد المسيح هذه الحقيقة داحضاً وقوع النسخ على أسفار العهد القديم? ومثبتاً بقاء كلماتها إلى الأبد? أو على الأقل مدة وجود العالم ومن ذلك قوله : اَلسَّمَاءُ وَالْأَرْضُ تَزُولَانِ وَلكنَّ كَلَامِي لَا يَزُولُ - متى 24 :35 ومرقس 13 :31 ولوقا 21 :33 ,
ولعل معترضاً يقول إن المسيح قصد بقاء كلامه في تلك المواضع إلى زمن حصار أورشليم بواسطة جيش تيطس أي سنة 70 للميلاد, فنجيب أن من يطالع هذه الأصحاحات الثلاثة ويلاحظ سياق الكلام فيها? يحكم لأول وهلة أن إشارة المسيح ليس إلى حصار أو خراب أورشليم? بل إلى منتهى العالم إلى يوم القيامة حين يأتي ثانية ليدين الأحياء والأموات - متى 24 :30 و31 ومرقس 13 :26 و27 ولوقا 21 :27 و28 - لأنه لما أشار إلى الضيقات الهائلة التي ستحيق بالعالم في آخر الزمان وتغيُّر وجه الأرض كان من المناسب أن يطمئن المؤمنين به بأن كلامه يبقى ثابتاً - وكذلك القرآن يثبت أن لا تغيير لكلمات الله - انظر سورة الأنعام 6 :34 و115 وسورة يونس 10 :64 وسورة الكهف 18 :27 , لا يتغير ولا يزول حتى يتمسكوا به في أوقات الشدائد, ومما يدل على أن كلام المسيح باق إلى يوم القيامة قوله مَنْ رَذَلَنِي وَلَمْ يَقْبَلْ كَلَامِي فَلَهُ مَنْ يَدِينُهُ. اَلْكَلَامُ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ هُوَ يَدِينُهُ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ - يوحنا 12 :48 , وهذا الدليل لا يجهله أحد? لأنه إن كنا سنُدان في اليوم الأخير بموجب إنجيل المسيح? فيقتضي أن يبقى الإنجيل بدون تبديل إلى يوم الدين, وقد أمرنا الإنجيل
أمراً صريحاً أنه إن جاءنا أعظم عظيم? ولو ملاك من السماء? وبشَّرنا بخلاف ما ورد في الإنجيل وادّعى بأنه مرسل من الله يكون ملعوناً - غلاطية 1 :8 - ولهذه الأسباب ابتعد المسيحيون الحقيقيون عن ضلالات الأنبياء الكذبة الذين ظهروا بعد المسيح وادّعوا بأنهم هم المشار إليهم في الإنجيل بالفارقليط مثل ماني الفارسي وغيره? وكذلك لم يتوقعوا وحياً جديداً غير المتضمن في العهد الجديد,
ولا يبرح من بالك أن قصد المسيح من دوام كلامه وبقاء كل لفظة من ألفاظ العهد القديم والجديد على وضعها الأصلي شيئان مختلفان لأن قصد المسيح من دوام كلامه وكلام العهدين بقاء معانيهم الا ألفاظهما, فلا يجهل عالِم بأصول اللغة أن المعنى هو المراد لا الألفاظ التي هي آلة للتعبير, إذ قد توجد قراءات مختلفة لنسخ العهدين? كما توجد قراءات في القرآن وكل الكتب القديمة لكنه الا تغيّر المعنى? ولم تمس مبدأً من مبادئ الدين في العهدين,
وقد يقول قائل : يُؤخذ من كلام المسيح من حيث بقاء كلمة الله في العهد القديم والجديد بدون تبديل أنه لا يجوز تبديل الطقوس والرسوم الخارجية الواردة في التوراة? ولكنها تبدَّلت بالإنجيل, فنقول إننا أجبنا على هذا الاعتراض في ما تقدم بما فيه الكفاية? ولا بأس من تكرار الجواب بأن الطقوس والرسوم الخارجية الواردة في التوراة لم تبدّل بالحقيقة? بل تقدَّمت وتكمَّلت كما علّم المسيح نفسه - متى 5 :17 - ومن أمثلة ذلك أن المسيح أصلح كيفية الصيام مع أن أنبياء العهد القديم لم يأمروا به ولا نهوا عنه? بل غاية ما في الأمر أنه كان محترماً عند اليهود - متى 6 :16-18 , وقول بعضهم إن أمر المسيح الوارد في الإنجيل - متى 5 :17 - وتصريحه في متى 15 :24 منسوخان كلاهما بأمره الوارد في ختام هذه البشارة? فنجيب قائلين : إن الأوامر الوقتية يجب أن تكون وقتية? فمتى نُفِّذت تماماً انتهت? فلا يُقال إنها نُسخت? ولا أُبطلت, وإثبات ذلك ظاهر من معنى كلام السيد المسيح أنه لم يقصد حصر التلاميذ في بلاد فلسطين دائماً أبداً? لأنه له المجد هو نفسه لم يتجاوز حدود فلسطين إلا هذه المرة التي استدعته إلى القول المشار إليه? فلا يُعتبر عدم سفره نهياً صريحا للتلاميذ عن السفر دائماً? ولا أن رسالتهم مختصة في بني إسرائيل فقط,
ولنرجع الآن إلى الحقائق المذكورة في التوراة فنقول إنها أيضا لا تقبل النسخ, وإثبات ذلك سهل جداً? لأنه من البديهي لكل ذي فهم أن الحقيقة الواردة في الكتاب كواقعة حال يجب أن تكون صدقاً أو كذباً, أما كونها كذباً فلم يدَّعِ هذه الدعوى أحدُ من المسلمين, وأما كونها صدقاً فيستحيل نسخها كما هو مستحيل لأي حادث أن يُمحى من بطون التاريخ? ويُمحى أثره من صحيفة الوجود وفي هذا كفاية,
والآن وقد أتينا في هذا الفصل بمزيد الوضوح والجلاء بأن كل تعاليم العهد القديم والجديد الجوهرية لا تقبل التغيير ولا النسخ? لأنها تمثل للناس إرادة الله وصفاته وهي منزَّهة عن التغيير والتبديل في كل العصور والآباد, وعليه فطريق الخلاص واحدة في كل الأجيال? وسيُدان الناس في اليوم الآخِر بموجب تعليم المسيح الذي رأى إبراهيم يومه بعين الإيمان وفرح به? وبالإيمان باسمه يخلُص كل إنسان? حتى الأنبياء والمرسلين,
- عدد الزيارات: 37772