Skip to main content

لا تحريف في التوراة والإنجيل - الكتاب المقدس لم يُنسَخ ولا يمكن أن يُنسخ

الصفحة 7 من 23: الكتاب المقدس لم يُنسَخ ولا يمكن أن يُنسخ

الفصل الثاني

 

الكتاب المقدس لم يُنسَخ ولا يمكن أن يُنسخ

 

 

تبيّن من البراهين التي قدمناها في الفصل السابق أنه ينبغي للمسلمين الخاضعين لأوامر القرآن أن يدرسوا كتاب الله أي أسفار العهدين القديم والجديد? ويحترموه ويطيعوه,

غير أن بعضهم لا يسلم معنا بهذه النتيجة استناداً على دعواه :

1 - إن الكتاب المقدس نُسخ,

2 - أن الأسفار المقدسة المتداولة اليوم ليست هي الأسفار التي ذكرها القرآن وشهد لها,

3 - وبعضهم يقول ربما تكون هي بعينها? إلا أنه اعتراها التحريف والتبديل حتى لم تعد تستحق الكرامة ولا العناية المعطاة لها في القرآن,

فغرضنا من الفصول الآتية البحث في هذه الاعتراضات لنرى صحتها من فسادها, ولنبدأ في هذا الفصل بالبحث عما إذا كان الكتاب المقدس نُسخ حقيقةً كما يزعمون أم لا, نقول إن كانت هذه الاعتراضات في محلها تسقط حجتنا التي قدمناها في الفصل الأول? غير أنه بهذا يضعف نفوذ القرآن,

ولنسلم هنا أن بعض علماء الإسلام يحاولون أن يثبتوا صحة وقوع النسخ على الكتاب المقدس? كالبيضاوي مثلاً? فإنه يقول في تفسيره على قوله وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ - سورة التوبة 9 :29 - أي الدين الذي ينسخ سائر الأديان ويبطل مفعولها اعتقاداً وعملاً, ثم ورد في كتاب عيون أخبار الرضا فصل 36 قوله : كل نبي كان في أيام موسى وبعده كان على منهاج موسى وشريعته وتابع الكتابه إلى زمن عيسى? وكل نبي كان في أيام عيسى وبعده كان على منهاج عيسى وشريعته وتابع الكتابه? إلى زمن نبينا محمدوشريعة محمدلا تُنسخ إلى يوم القيامة ,

وورد في كتاب هداية الطالبين إلى أصول الدين للمولوي محمد تقي الكاشاني الفارسي ما ترجمته إلى العربية إن علماء الإسلام قرروا أن محمداً نبي هذا الزمان? ودينه ناسخ لأديان الأنبياء السابقين - ص 166 ,

ورداً على ذلك نقول إن مسألة النسخ وإن كانت مقبولة عند العامة وكثيرين من الخاصة? غير أنه يجب أن نلاحظ أن القرآن لم يشر إليها بكلمة واحدة? ولا أشار إليها الحديث عند السنيين ولا الشيعيين, وبالإجمال أن هذه المسألة تشوِّش تعليم القرآن وتقلبه رأساً على عقب,

إن نسخ بمعنى أُزيل أو أُبطل? لم يرد في القرآن إلا في موضعين اثنين? الأول سورة البقرة 2 :106 وهو قوله مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا والثاني سورة الحج 22 :52 وهو قوله وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ , فلا توجد في الموضع الأول ولا الموضع الثاني أقل إشارة تدل على أن القرآن ناسخ للكتاب المقدس? بل هو ناسخ لنفسه في بعض أجزائه? حتى أن بعضهم أحصى الآيات المنسوخة من القرآن فبلغت مائتين وخمساً وعشرين آية,

ويخبرنا البيضاوي بأنه توجد قراءات مختلفة لآية سورة البقرة 106? لكن لدى التأمل نجد أن تلك القراءات واحدة في المعنى? ولا يمكن أن يطلق عليها معنى النسخ الذي هو الإزالة أو الإبطال? فالإشارة إذاً إلى نسخ القرآن نفسه في بعض أجزائه,

وإليك مثالاً مشهوراً ذكره البيضاوي في تفسيره النَّسخ المشار إليه في سورة الحج? حيث يبيّن كيف نسخ الله بعض الكلمات من سورة النجم? وهي قوله تلك الغرانيق العلى? وإن شفاعتهن لتُرتجى , وملخص الخبر أنه بينما كان محمد يتلقى الوحي من جبريل ألقى الشيطان على لسانه تلك الكلمات ليستهويه إلى عبادة اللات والعزى ومناة? فقالها كأنه موحى بها من الله? ثم بعد ذلك نسخها الله, وروى هذه القصة يحيى وجلال الدين في تفسيرهما على النَّسخ الوارد في سورة الحج? ورواها ابن هشام عن ابن اسحق في سيرته? وقد ذكرت أيضاً في المواهب اللدنية وذكرها الطبري, وفي هذا القدر كفاية لإقامة الدليل على أن النسخ المعبَّر عنه بقوله فينسخ الله الوارد في سورة الحج هو ما تكلمنا عنه, ومع أن الدعوى بأن الزبور ناسخ للتوراة? والإنجيل ناسخ للزبور دعوى باطلة ليس لها أساس في القرآن ولا في الحديث البتة? وقد راجت بين عوام المسلمين رواجاً عظيماً? ولا بأس أن نورد شهادة بعض العلماء المعتبرين في هذا الصدد :

قال الحاج رحمة الله الهندي في كتابه إظهار الحق إن القول بنسخ التوراة بنزول الزبور ونسخ الزبور بظهور الإنجيل بهتان لا أثر له في القرآن ولا في التفاسير? بل لا أثر له في كتاب من الكتب المعتبرة لأهل الإسلام - والزبور عندنا ليس بناسخ للتوراة ولا بمنسوخ من الإنجيل? وكان داود عليه السلام على شريعة موسى عليه السلام? وكان الزبور أدعية , فهذا العالِم ينكر النسخ على هذه الكيفية, وقد صدق في ما قال? لأنه لا يقول بالنسخ أحد إلا إذا كان جاهلا للقرآن وللكتاب المقدس كما سنبينه, اقرأ الكتاب المقدس بتأمل وخشوع حتى تقف على مشتملاته الجوهرية? وحينئذ ترى بمزيد الوضوح أن تعليم أسفار العهدين القديم والجديد واحد? وأنها سائرة على نظام واحد? ووجهتها واحدة مستدرجة في إعلان مقاصد الله الأزلية لبني الإنسان,

ففي أسفار العهد القديم نتعلم كيف خلق الله الإنسان? ثم كيف دخلت الخطية إلى العالم? ويتلو ذلك الوعد الإلهي بأن نسل المرأة يسحق رأس الحية? وبعد ذلك بمئات السنين نجد أن العالم القديم قد ضل عن عبادة الله ووقع في عبادة الأوثان والرذيلة? وفي ذلك الوقت دعا الله إبراهيم من وسط قومه وأوثق معه ميثاقاً بأن المخلّص من موت الخطية الذي وعد به الجنس البشري يكون من ذرية ابنه الشرعي إسحاق, ثم نجد بعد ذلك أن الله يجدد الميثاق المشار إليه مع إسحاق? فيعقوب? وينبّئهم بأنهم سينزلون إلى مصر? ثم ينجلون عنها إلى أرض كنعان للغاية التي دعاهم إليها,

ثم نزلت التوراة على موسى وقد شملت على هذه المواعيد وزادت عليها مواعيد جديدة تستحق الاعتبار? ثم توالت الأنبياء جيلاً بعد جيل وأتوا بأقوال لا تخرج عن المعاني التي أتى بها موسى, بل غاية ما في الأمر زادتها وضوحاً وبياناً من جهة أن الإنسان خاطئ ولا بد له من مخلّص? ثم أخذوا من وقت إلى آخر يبسطون كلامهم عن ذلك المخلص? فأنبأوا عن أعماله العجيبة? والبلدة التي يولد فيها? وعن آلامه وموته, أما الإنجيل فيخبرنا عن بعض وقائع المخلّص وأعماله التي جاءت موضحة ومتممة لنبوات التوراة والمزامير وكل أسفار العهد القديم,

ثم يخبرنا كيف بعث ذلك المخلّص رسله إلى العالم أجمع وأمرهم أن يكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها? وبعد ذلك كيف ينتظرونه حتى يأتي مرة ثانية على سحاب السماء كما وعدهم ليدين الأحياء والأموات? ويعتق الأرض من عبودية الفساد? ويملك إلى الأبد,

وأما أسفار أعمال الرسل ورسائلهم - وهي الأجزاء المتممة لأسفار العهد الجديد فتشرح لنا كيف ابتدأ الرسل بالكرازة بالمسيح, وسفر الرؤيا - خاتمة أسفار العهد الجديد - ينبئنا عن الضيقة العظيمة التي سيقع فيها المؤمنون بالمسيح? ثم النصر العظيم الذي يتبعها,

هذه بالاختصار سلسلة حقائق العهدين من ابتداء سفر التكوين إلى نهاية سفر الرؤيا? فكأن الكتاب المقدس والحالة هذه يشبه عمارة عجيبة? أساسها التوراة والإنجيل ختامها? وكل منهما يظهر حكمة الله وعدالته ومحبته ورحمته الفائقة وأنه خالق كل الأشياء,

ففي توراة موسى يظهر قصد الله من حيث نعمته بكل وضوح? حتى أن الذين عرفوه حسبما هو مبيَّن فيها مالوا إليه وأحبوه وعبدوه وآمنوا به ووجدوا فيه ما يشبع أشواق نفوسهم الخالدة من السلام والسعادة الحقيقية, وفي أسفار الأنبياء والمزامير تعلو هذه الأخبار إلى درجة أرفع من تلك? لأنها تشرح لنا أن الله من البدء اختار بني إسرائيل وهذَّبهم شيئاً فشيئاً صابراً على غلاظة قلوبهم وشر أفعالهم وفشلهم في تأدية ما كلفهم به, وتشرح لنا مسألة أخرى هي أن بعض الرسوم الدينية ومناسك العبادة الخارجية ليست مقصودة في حد ذاتها? ولكنها خصّت ببني إسرائيل ليستعملوها مؤقتاً توصُّلاً إلى قصد معلوم وهو :

إيجاد فاصل مميز بين اليهود والأمم
  • عدد الزيارات: 37783